بازگشت

تحقيق جيد في معني البيعة و اقسامها


(بيان):

الظاهر ان اختلاف الكلمات و التعبيرات علي ما ذكرنا انما نشا من نقلهم الخطبه بالمعني، الا ان الذي يظهر بالتامل و التعمق في الاحاديث و التواريخ- كما صرح


بعض المورخين و يلوح من الطبري- انه عليه السلام خطب الخطبه في ليله العاشور مرتين و خطبتين قريبه الالفاظ، احداهما قرب المساء علي ما صرح به في روايه السجاد و ثانيتهما في اواسط الليل علي ما يظهر من كلمات العقيله سكينه، و الاولي عامه لجميع من حظر فخرج من خرج و بقي من بقي، و الثانيه خاصه للباقين. فاجابوا و تكلموا بما تكلموا، و بداهم العباس عليه السلام و تكلم بعده حبيب بن مظاهر (الاسدي) و زهير بن القين و غيرهم علي ما هو مذكور في تراجمهم.

و قد يظهر من بعض الكتب و المقاتل ان هذه الاجوبه و المكالمات كانت في منزل سوقه او زرود او زباله حين اتي الحسين عليه السالم خبر مقتل مسلم بن عقيل فخطب خطبته «قد نزل بنا من الامر ما ترون» علي ما مر، فاجابوه و تكلموا بما تكلموا، و بداهم العباس عليه السلام، و قال لبني عقيل: حسبكم دم مسلم، فاجابوه بما اجابوا.

و لا منافاه، لا مكان تعدد الواقعه و الاجوبه، الا ان ما ذكروه من الاجوبه و تكلموا به هناك عين ما ذكروه هنا. لكن الاصح الذي ذكره الاكثر ان الاجوبه و التكلم كان في ليله عاشوراء. نعم قد يظهر من الاخبار و الاحاديث و التواريخ و المصرح به في كلماتهم ان الذين كانوا مع الحسين عليه السلام يوم خروجه من مكه من اهل الكوفه و من لحق به في الطريق الي ذي جشم و زباله كانوا ازيد من الفين، فلما خطب الخطبه في زباله تفرق من عسكره (من تفرق) و بقي الف فارس و مائه راجل علي ما صرح به المسعودي، و عبد خطبه ليله عاشوراء تفرقوا و بقي القليل من اصحابه مع اهل بيته.

قوله عليه السلام «و احمده علي السراء و لاضراء». السراء مبالغه من سري


عنه اذا زال عنه الغضب و الهم. و الضراء ضد السراء، و فيه من البلاغه و سوق الكلام علي مقتضي الحال ما لا يخفي علي اولي الافهام.

قوله عليه السلام «و فهمتنا في الدين». قد قرات في جمله من الكتب و النسخ «فقهتنا» بدل فهمتنا، و لعله الانسب و هو ابلغ، و قد ورد في كثير من الادعيه قولهم عليهم السلام «و فقها في دينك».

قوله عليه السلام: «اني لا اعلم». شهد روحي فداه بانه لا اصحاب و لا اهل بيت من اول الدنيا الي فنائها ابر و خير من اصحابه و اهل بيته. و هذا غايه المدح و نهايته في حقهم رضوان الله عليهم.

و ما ورد فيهم من انهم كشف عنهم الغطاء، او انهم محصورون لا يزديون و لا ينقصون او ليس لهم في العالمين نظير، و امثال ذلك مما مر، لا يبلغ و لا تصل الافهام الي حقيقه هذا المقام و كنهه.

و الظاهر ان المراد باهل البيت ها اقاربه من بني هاشم، و لو اريد مطلق الال ذكورا و اناثا فيشمل النساء الهاشميات بل مطلق النساء اللاتي كن معه في الطف ليس ببعيد. فليتامل.

قوله عليه السلام «هذا الليل فاتخذوه جملا». في القاموس: في الامثال «اتخذ الليل جملا» اي سري كله.

قوله عليه السلام في روايه السجاد و العسكري «انتم في حل من بيعتي» او «انتم في حل وسعه من بيعتي و عهدي الذي عاهدتموني». لم ار من اصحابنا رضوان الله عليهم من تعرض لعقد البيعه و احكامها، اذ لا ثمره مهمه لنا في ذلك بعد ان الامامه في مذهبنا بالنص. و الايمان هو العقد القلبي و الاظهار باللسان و العمل بالاركان علي ما برهن في محله. فما ورد في اخبارنا من البيعه هو تاكيد لا


تاسيس، كما ان ما ورد من تجديد البيعه كل يوم لامام العصر عجل الله تعالي فرجه هو اظهار العبوديه و انه رعيه و انه ياتمر بما امر و ينتهي بما نهي و انه منتظر لامره، بالالفاظ المخصوصه من الادعيه الوارده.

و حقيقته هو العقد القلبي بذلك، بل لا يمكن البيعه بالمعني المعروف في زمن الغيبه، بل كلما ورد لفظ البيعه في زمان ظهوره عجل الله فرجه يراد به العقد القلبي و الايمان به قلبا و عملا، و لو اريد به البيعه المصطلحه لكان تاكيدا ايضا.

و لم نر في الاخبار و الاثار و الاحاديث ان الائمه عليهم السلام مع اشياعهم و اتباعهم و رعيتهم- بعد الاقرار و العقد القلبي و العمل بالاركان- كانوا ياخذون البيعه المصطلحه منهم. و ما ورد من بيعه الناس للرضا عليه السلام بامر المامون ليس بيعه بامامه امام مفترض الطاعه في احكام الدين و الدنيا بل انه خليفه المامون و ولي عهده في امور الخلافه و السلطنه بعده، و الا فلا معني لكونه اماما مفترض الطاعه بعد المامون و لم يكن اماما مفترض الطاعه في زمن المامون.

هذا، و الذي يظهر من التواريخ و الاثار و الاخبار ان البيعه المصطلحه كانت ايضا في الجاهليه بل في زمن الانبياء السلف علي ما ورد من بيعه الحواريين مع عيسي عليه السلام، ان لم نقل ايضا ليست البيعه المصطلحه، و ان البيعه في الجاهليه بل و بعدها كانت من العقود اللازمه و العهود التي لا تنفسخ الا بالاقاله او موت المبيوع له، و لها آثار عندهم، و عدم ترتيب الاثر بدون الاقاله و بدون موت المبيوع له كان نقضا للبيعه مثل النقض في البيع بدون الاقاله، و قد امضي النبي صلي اله عليه و آله هذا العقد و هذا العهد في صدر الاسلام.

و اما العامه و اهل السنه و الجماعه فلما كانت الخلافه عندهم بالشوري و اجماع الناس فلا بد لهم من اخذ البيعه علي رئاستهم و خلافتهم، فالبيعه عندهم من


اصولهم اللازمه عندهم، كما جري ذلك بعد النبي للخلفاء الثلاثه و في زمن بني اميه و بني العباس.

اما البيعه لعلي عليه السلام فقد كانت في يوم الغدير بامر الله و رسوله. فهي البيعه لحقيقه الامامه و حقيقه الولايه و كونه عليه السلام اولي بهم من انفسهم، كما ان ذلك حقيقه الرساله و النبوه و انه صلي الله عليه و اله اولي بهم من انفسهم. و بهذا المعني من الالويه في حق الرسول بايعوا عليا، و لذا قال صلي الله عليه و آله: «اولست اولي بكم من انفسكم» «و من كنت مولاه فعلي مولاه». و هذا روح الرساله و الامامه، و هذا معني الامامه في اعتقادنا و علي ذلك بايعوا عليا عليه السلام في الغدير.

و اما ما كان بعد عثمان فتلك بيعه ليست بالمعني الاول، بل بايعوه علي ما بايعوا من تقدم عليه من الخلفاء الثلاثه، كما صرح بذلك في الاحاديث و الاخبار المتظافره، و من اراد فليراجع البحار المجلد الخامس عشر منه و غيره.نعم الخواص من اصحابه عليه السلام و لو بايعوه بايعوه علي ما بايعوا في غدير خم، و علي هذا فالمقتولون في حروبه الثلاثه ان كانت بيعتهم علي بيعه الغدير فهم الشهداء السعداء و ان كانت علي بيعه من قبله فالاظهر عندي انهم ليسوا بناجين كما نطقت به الاخبار ان من عمل منهم و لم يكن بدلاله ولي الله فهو باطل. و ليس عملهم في الجهاد الا كصومهم و صلاتهم التي لم تكن بدلاله ولي الله بما هو ولي الله. فليتامل.

ثم ان البيعه التي هي من العقود اللازمه قد تكون باللفظ و بالايجاب و القبول فيقول المبايع «بايعتك علي ان اطيعك فيما تامرني و تنهاني و اقاتل بين يديك مع اعدائك» و امثال ذلك من القيود و الشروط، فيقول المبايع بالفتح «قبلت البيعه


هكذا». و قد تكون بالصفقه و اليد، و هي من اعلي الخنصر الي اعلي الايهام، بمعني ان المبايع يضع خنصره عي خنصر المبايع و بنصره علي بنصره و هكذا هامه علي ابهامه. و فسخ البيعه بالعكس.

و قضيه بيعه الناس للرضا عليه السلام بامر المامون و انهم يبايعونه بطريق فسخ البيعه الا الشاب الذي بايعه بالطريق الصحيح. و اعتراض المامون عليه و جواب الرضا بانها البيعه التي اخذها النبي. مذكوره في الارشاد و غيره من كتب الاحاديث و التواريخ. [1] .

و بالجمله فالبيعه قد تكون مطلقه علي الاسلام. و قد تكون مطلقه علي الايمان، و قد تكون فقط للقتال و عدم الفرار، كما صرح به البيضاوي في بيعه الشجره ان النبي صلي الله عليه و اله جمع اصحابه و هم الف و ثلاثمائه او اربعمائه او خسمائه و بايعوه علي القتال و عدم الفرار. [2] . و كما في بيعه الضحاك بن عبدالله المشرقي، فانه بايع الحسين عليه السلام علي ان يقاتل عندما راي له مقاتلا، فاذا لم ير مقاتلا فهو في حل، فقاتل معه الي قريب العصر، فلما لم ير له مقاتلا الا سويد ابن عمر بن ابي المطاع و يزيد بن عمر الحضرمي جاء الي الحسين فقال له: انا بايعتك ما رايت مقاتلا فاني في حل من الانصارف. فقال له عليه السلام: صدقت فانصرف. فركب فرسه و فر.

و اما اصحاب الحسين عليه السلام فمنهم من بايعه كالبيعه الثانيه لعلي عليه السلام و منهم من بايعه كالبيعه الاولي بالغدير، و هم اصحابه المخلصون الخلصون المصطفون، فلما راي ان اكثر من معه انما بايعوه بالبيعه الثانيه و تبعوه لحطام الدنيا


فلو قتلوا انما يقتلون لالتزام العهد و الوفاء بهذه البيعه و تاخذهم العصبيه الجاهليه لا انهم يقتلون في الله و لله و في سبيل الله، فاخذتهم رافه الامام و السياسه الحسينيه لامتياز الحق من الباطل و امتياز البيعه الحقيقيه الاماميه الغديريه من البيعه الظاهريه الجاهليه. و اما الباقون المستشهدون هم اصفياء الحسين و خلصاوه قتلوا في سبيله، و هم الذابون عن توحيد الله تعالي، فنصروا الدين مع علمهم بانهم يقتلون.

و لما لم يكن هذا الامتياز فلقائل ان يقول: ان المقتولين من اصحابه كالمقتولين في حروب علي عليه السلام مع بيعتهم له، فلذا قال عليه السلام: انتم في حل من بيعتي وسعه من بيعتي ليس عليكم مني ذمام. فالمنتظرون لهذا الكلام من الامام عليه السلام لم يتم كلامه و قد خرجوا و ذهبوا بدون حل البيعه بالطريقه المعروفه التي ذكرناها، فخرج من خرج و بقي من بقي.

و ينبغي في هذا المقام ذكر بيعه ثالثه ليست كالبيعتين المذكورتين، هي بيعه شاعت عند جماعه من الصوفيه الذين احدثوا في الدين احداثا و ابدعوا فيه بدعا، منها هذه البيعه التي يسمونها بالتشرف، فمادام الصوفي لم يبايع بهذه البيعه لم يكن مشرفا بالطريقه، و هي و ان كانت باليد و الصفقه الا انها بنحو خاص في وقت خاص مع اشياء خاصه من السكر و الحلوي و المنديل و امثال ذلك، فيبايع المرشد او الشيخ وكيل المرشد علي ان يلتزم بما امر به المرشد و ما جري في طريقتهم و في حزبهم سواء وافق الشرع او خالف و التزم بما ليس في الشريعه.

و كانهم اخذوا هذه البيعه من مشائخهم و روسائهم من اهل السنه و الجماعه كجنيد و اضرابه، و زادوا علي ما خذوا زوائد بسليقتهم.

و من العجب ان كل فرقه منهم يبايع بقسم خاص يمتاز عن بيعه الفرقه


الاخري، فانهم يتلزمون بعد البيعه غايه الالتزام، و كل حزب منهم يلعن الحزب الاخر. و مع هذا الالتزام لا يكشفون اسرارهم الا عند الاوحدي المجرب منهم و الممتحن باشد الامتحان.

قوله عليه السلام «ثم لياخذ كل رجل منكم بيد رجل من اهل بيتي». هذا الكلام من الخطبه لم يذكره المحدثون و المورخون الا الطبري في روايته عن الضحاك المشرقي و تبعه السيد في اللهوف، و ليس ايضا في الطبري في روايته عن عبدالله بن شريك العامري عن علي بن الحسين عليه السلام. و بالجمله ليس في روايه السجاد و لا في روايه العسكري و لا في كتب المقاتل و المغازي الا في روايه الطبري عن الضحاك المشرقي، و معلوم ان ما تفرد به الضحاك لا يعتمد عليه. الا ان في تاريخ روضه الصفا «فلياخذ كل واحد منكم بيد رجل او احد من اهل بيته» لا من اهل بيتي، و لعله الاصح و الانسب.


پاورقي

[1] انظر الارشاد للمفيد ص 291.

[2] انوار التنزيل (تفسير البيضاوي) 410:2.