بازگشت

عند العزم علي الخروج الي العراق


رواها علي بن عيسي الاربلي في كشف الغمه عن كمال الدين ابن طلحه، و ذكرها السيد في اللهوف و المجلسي في البحار [1] ، بل ذكرها جل من تاخر عنهم من المحدثين و المورخين و ارباب المقاتل، قالوا:

لما عزم الحسين عليه السلام علي الخروج الي العراق قام خطيبا فقال:

«الحمدلله، و ما شاء الله، و لا حول [2] و لا قوه الا بالله، و صلي الله علي رسوله و سلم. خط الموت علي ولد آدم مخط القلاده علي جيد الفتاه، و ما اولهني الي اسلافي اشتياق يعقوب الي يوسف، و خير لي مصرع انا الاقيه [3] ، كاني باوصالي يتقطعها [4] عسلان الفلوات بين النواويس و كربلاء، فيملان مني اكراشا [5] جوفا


و اجربه سغبا، لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضي الله رضانا اهل البيت، نصبر علي بلائه و يوفينا اجور [6] الصابرين، لن تشذ [7] عن رسول الله لحمته، و هي مجموعه في حظيره القدس، تقربهم عينه و تنجز لهم [8] وعده. من كان فينا باذلا [9] مهجته موطنا [10] علي لقاء الله نفسه فليرحل معنا فاني [11] راحل مصبحا انشاءالله تعالي.

(بيان):

هذه الخطبه التي تعد من اعجازه و كراماته روحي له الفداء، حيث ذكر فيها اجمالا ما يجري عليه و علي من معه، فكانه- باصطلاح اهل العلم- براعه استهلال لما سيقع، و وقع ما اخبر به علي ما اخبر و اعلم اصحابه ما يجري عليهم. فان الائمه عليهم السلام من اول الامر عالمون بانهم مقتولون، موطنون انفسهم علي لقاء الله تعالي.

و سياتي مفصلا دفع ما وقع في بعض الاوهام، مضافا الي ما ذكره بعض و تحقيق منا في هذا المقام يجي ء فانتظر.

قوله عليه السلام «خط الموت».

قال في المجمع: خط الرجل الكتاب- من باب قتل- كتب.

مخطه بالهاء المجهول، اي كتب في اللوح المحفوظ، او بمعني لزم و وجب، فهو


تفسير باللازم، من قولهم: هذا علي رقبتك، اي يلزمك.

قوله «مخط القلاده».

مخط مصدر ميمي، من خطه اذا لزمه و كتب عليه. فالمعني: خط الموت خط القلاده، اي لزم الموت لزوم القلاده، فكما ان القلاده بعد تقليدها لازمه لا يمكن الخروج عنها فكذلك الموت لا يمكن الخروج منه.

و ما يقال: ان «مخط» اسم مكان من الخط، و يراد به موضع خط القلاده. خروج عن ظاهر اللفظ و يحتاج الي تجوز و عنايه، اذ لا خط لموضع القلاده، فلابد ان يراد الجلد المستدير، فكما ان الجلد لازم علي الجيد فكذا الموت لازم علي بني آدم.

قوله «و ما اولهني».

في بعض النسخ «و ما ادلهني» بالدال بدل الواو، و لعله الاصح و الانسب، اذ الدله بالدال- علي ما صرح به في القاموس- ذهاب القلب من الحزن و الغم و الشوق، والوله بالواو ذهاب العقل من الحزن و الشوق. و به صرح في المجمع ايضا.

و الثاني و ان كان ابلغ لكن الاول انسب بل ابلغ.

و ما يقال: ان الوله شده الشوق. لعله من باب اطلاق المسبب علي السبب.

فالمعني: ما اذهب قلبي من شده حزني و شوقي الي اسلافي.

قوله «و خير لي».

بالبناء للمجهول، من خار الله، اي اختار، يعني اختار الله مصرعا. او من خاره الله، اي اعطاه الله. صرح به في المجمع، اي اعطاني الله مصرعا، و كلاهما صحيحان.


و في بعض النسخ «و خير لي» بالتشديد، من خير و التخير. لعله اشتباه او سهو من الناسخ.

قوله «مصرع».

المصرع اسم مكان من الصرع، بمعني الطرح. صرح به في القاموس و المجمع. و فيه: و مصارع الشهداء امكنتهم التي صرعوا فيها.

و يمكن ان يراد هنا بالمصرع المدفن و القبر، و سياتي انه عليه السلام هوي الي الارض و طرح في موضع مدفنه و موضع قبره الشريف.

قوله «انا الا قيه».

بصيغه المتكلم، و في بعض النسخ «انا لا قيه» بصيغه اسم الفاعل. و كلاهما صحيحان، و لعل الاول اصح و افصح.

قوله «اوصالي».

في المجمع: الاوصال جمع وصله بالضم، و هو ما يتوصل به (الي المطلوب)، و كلما اتصل بشيئين فيما بينهما وصله. و مثله في القاموس، و في المجمع: الاوصال المفاصل، و منه: تقطعت الاوصال.

و لعل المعني الثاني هنا انسب و اظهر.

قوله «يقطعها».

و في نسخه «يتقطعها»، و في جمله من النسخ «تقطعها»، و في بعضها «تتقطعها»، و الكل صحيح.

قوله «عسلان الفلوات».

يمكن ان يقرا عسلان بفتحتين كرمضان، يكون مصدرا من عسل الذئب او الاسد او غيرهما: ان اضطرب في السير و اهتز راسه. فيكون المصدر بمعني


الفاعل، و الاضافه بتقدير في، و لا يخص الذئب. فالمعني يقطعها المضطربون و المهتزون رووسهم في الغدو و السير في الفلوات، فيكون كنايه عن الوحوش في البرايا و الصحاري و الفلوات.

و يمكن ان يقرا بالضم كركبان و فرسان، جمع عاسل و هو الذئب فقط. صرح بذلك في القاموس، قال: العاسل ككامل الذئب، يجمع علي عسل كركب و عواسل كفوارس. فيكون جمعا سماعيا كركبان و فرسان في الراكب و الفارس، فيكون المعني يتقطعها ذئاب الفلوات، فالاضافه بمعني اللام.

و كلماهما صحيحان. و النسبه اليه- سواء كان مصدرا او جمعا- ليس بمجازي علي ما توهم الامين المعاصر ايده الله [12] ، فانه بعد ما رد المحقق المعاصر السماوي في الابصار [13] بان عسلان بضم العين و سكون السين جمع عاسل و هو المهتز و المضطرب، يقال للرمح و الذئب و امثالهما، و المراد هنا المعني الثاني، قال: ان عاسلا لا يجمع علي عسلان، قال: و الظاهر ان عسلان بالتحريك مصدر عسل الذئب اذا اضطرب في عدوه و هز راسه، و نسبه التقطيع الي العسلان مجاز عقلي من باب الاسناد الي السبب علي حذف مضاف، اي يقطعها عسلان ذئاب الفلوات. انتهي.

و قد عرفت ما فيهما: اما (في) الاول فان عسلان بالضم و السكون جمع عاسل بمعني الذئب فقط لا بمعني المهتز و المضطرب. و اما في الثاني فلان عسلان بالتحريك و ان كان مصدرا لكن المصدر بمعني الفاعل، و المراد الوحوش كلها في البرايا و الفوات، فالاسناد حقيقي لا مجازي. فتامل.


و منه يظهر ما في البحار في تفسير العسلان. فارجع اليه. [14]

و كانه- روحي له الفداء- شبه اعداءه الذين استحوذ عليهم الشيطان و غرتهم الدنيا و اذلهم الطمع في المال و الجاه و حب الرئاسه بالحيوانات و الوحوش في الفلوات و الذئاب في الصحاري و البراري الذين هم اذل من الانعام سبيلا.

قوله «بين النواويس و كربلاء».

الناووس و الناوس مقبره النصاري، معرب، جمع نواويس.

و في المجمع عن المغرب: ان الناووس علي فاعول مقبره النصاري.

و المراد به- علي ماصرح به جمع- القريه التي كانت عند كربلاء. و الذي يظهر من كلماتهم هي القريه التي يسكن فيها بنو الرياح قبيله حر بن يزيد الرياحي و بها قبره الان. و سياتي تفسير كربلاء في شرح المنازل انشاءالله تعالي.

و يمكن ان يراد باوصاله عليه السلام في قوله «كاني باوصالي يتقطعها عسلان الفلوات بين النواويس و كربلاء» و اوصاله المعنويه لا الاوصال الظاهريه الجسميه و البدنيه، و هم اصحابه الذين هم بمنزله نفسه و بدنه الشريف، و من اوصاله المعنويه الحر الرياحي المدفون في نواويس، و الا فلا فائده مهمه في ذكر نواويس.

و حق العباره لو اريد بالاوصال او صاله الظاهريه الجسميه ان يقول «في كربلاء»، و ان كانت اوصاله البدينه قد تقطعت و فرقت بين الشام و الكوفه، علي ما رواه جمع من كسر ثناياه عليه السلام بالقضيب في الشام و ما فعل ابن زياد براسه الشريف في الكوفه من قصه احجام.

و يويد ما ذكرنا قوله عليه السلام: بل هي- اي الاوصال- مجموعه عند رسول الله في حظيره القدس. فافهم فانه دقيق.


قوله «فيملان مني اكراشا».

الاكراش جمع كرش علي غير القياس، و قياسه كروش علي ما صرح به في المجمع و غيره، كحمل و حمول. و الكرش من الحيوانات بمنزله المعده للانسان.

قوله «جوفا».

قال الفاضل المعاصر: بضم الميم و سكون الواو جمع جوفاء، و هي الواسعه. [15] و لعله اشتبه عليه فعلاء الاسمي بفعلاء الوصفي، فان افعل فعلاء اذا كان وصفا يجمع علي فعل بالضم فالسكون نحو احمر حمراء حمر و ابيض بيضاء بيض، و اما اذا كان اسما غير وصف يجمع علي فعول. و جوفاء علي ما صرح به في القاموس الدلو الواسع، كما ان الاجوف علي ما صرح به ايضا هو الاسد الكبير البطن، فليسا من الاوصاف حتي يجمع علي فعل.

ثم قد صرح في القاموس و في المنجد و غير ان الجوف بمعني السعه، فجمعه جوف بتحريك الواو و اشابعه. و قد يجي ء الجوف بمعني الواسع علي ما صرحوا به، فيكون وصفا، فجمعه جوفا بالتشديد كركع و سجد.

فقوله: ان يجري علي الالسن تحرين الواو تشديدها غلط فاحش. ليس علي ما ينبغي، و التحقيق ما صرح به في المجمع، قال: اصل الجوف الخلاء، مصدر من باب تعب.

و حينئذ اذا كان المصدر بمعني الفاعل يجمع علي فعل كطلب و اذا بمعناه المصدري يجمع علي فعول كضروب، فالمعني الاكراش الخاليه لا الواسعه، و لعله الانسب و الاظهر، فتدبر.

قوله «اجربه».


جمع قله، مفرده جراب بالكسر كاطعمه و طعام. و الجراب مطلق الظرف، او الظرف الذي يجعل فيه زاد المسافر، او مطلق الزاد علي ما صرح به في القاموس. و في البحار: هو الهيمان.

و قد يكون اجربه جمع جريب كامير، و هو الكيل، صرح به في القاموس.

و المراد به هنا البطن: اما حقيقه اذا كان الجراب بمعني مطلق الظرف يعني مطلق ما يستقر فيه الشي ء، او مجازا لا نصراف اللفظ عرفا عن البطن لو كان المراد مطلق الظرف.

قوله «سغبا».

قال في المنجد: سغب و سغب سغبا و سغوبا و سغبا و سغابه و مسغبه جاع، و هو ساغب و سغب و سغبان، مونث سغبي، جمع سغاب.

و في القاموس: سغبي يجمع علي سغاب.

و قد اتفقوا علي ان فعلي من الوصف يجمع علي فعل، و حينئذ فيصح ان يقرا سغابا او سغبا بضمتين، و هو بمعني الجوع. فالمعني البطون الخاليه.

و المعني- و الله اعلم بمرادات اوليائه- ان اهل الكوفه و هم عسلان الفلوات بعدما يقطعون اوصالي ينالون بمراداتهم فيملاون مني و من قتلي و قتل اصحابي اكراشهم الخاليه و بطونهم الجائعه. اذ هم اذل من الانعام ليس همهم الا بطونهم، فهم يصلون الي مقصودهم و مطلوبهم و مرادهم.

و هذا ظاهر، خصوصا بملاحظه كلمه «من»، لا انهم يملاون اكراشهم و بطونهم من اوصالي كما فهم بعض المحدثين و المحققين. قال في البحار: و المعني اني اصير بحيث يزعنم الناس اني اصير كذلك، فيكون استعاره تمثيليه، او يقال: نسب الي نفسه الشريفه ما يعرض لاصحابه. او يقال: انها تصير ابتداء الي


اجوافها لشده الابتلاء ثم تنتزع منها (و تجتمع في حظيره القدس) [16] .

نعم لولا كلمه «من» لربما بتوهم املاء بطونهم من الاوصال، فيحتاج الي التوجيه و التكلف. و علي ما ذكرنا- كما هو الظهار- لا يحتاج الي عنايه و توجيه. فتدبر.

و علي ما ذكرنا ايضا لا موقع لسوال ان يقال كما قال الفاضل المعاصر: من ان العسلان لا تتسلط علي اوصال صفوه الله لطفا من الله و ايثارا له. فيجاب: ان الكلام جري علي القواعد العربيه و الاساليب الصحيحه، كما يقول قائلهم: عندي جفته يقعد فيها الخمسه. يعني لو كانت مما يفعل به ذلك لقعد فيها خمسه رجال [17] .

قوله «رضي الله رضانا اهل البيت».

ما ابلغ و احسن و الطف هذا التعبير من تقديم كلمه «رضي الله» علي «رضانا»، و لم يقل رضانا رضي الله، ما لا يخفي علي اولي الافهام و الالباب و البصيره، و ان كان المعني بالتقديم و التاخير واحد. فليتامل.

قوله «لن تشذ».

يقال: شذ عنه و يشذ شذوذا: انفرد عنه. اي لن تنفرد عن رسول الله صلي الله عليه و آله «لحمته» اي ما يلصق به، من لا حمت الشي ء بالشي ء اذا لصقته، و منه «لولا لحمه كلحمه النسب» قاله في المجمع. و المراد هنا القرابه.

و الحظيره بفتح الحاء المهمله و كسر الظاء المعجمه: الجنه. قاله في الجمع. و المعني: ان قرابه رسول الله صلي الله عليه و آله لن تنفرد عنه و ان تقطعت اوصاله بل تجتمع معه في الجنه.


يدل علي ما ذكرنا من ان المراد هي الاوصال المعنويه- و هي اصحابه عليه السلام- كلمه «بهم» و «لهم» بصيغه الجمع، فكانهم لما كانوا بمنزله اوصاله عليه السلام كانوا لحمه و قرابه لرسول الله صلي الله عليه و آله، فتقر بهم عينه و ينجز بهم وعده. و لو كان المراد الاوصال الظاهره فحق العباره ان يقال: فتقربها. فتدبر فانه دقيق.


پاورقي

[1] کشف الغمه 239:2، اللهوف ص 26، بحارالانوار 366:44.

و قد ذکرت هذه الخطبه ايضا في نفس المهموم ص 163، لواعج الاشجان ص 70، المجالس السنيه 64:1.

[2] ليس 3 «و لا حول» في اللهوف.

[3] في جميع النسخ «انا لا قيه».

[4] في النسخ «تقطعها».

[5] في اللهوف «کرشا».

[6] في اللهوف «اجر».

[7] في المناقب «لن يشذ».

[8] في الماقب «و يتنجز لهم» و في اللهوف «و ينجز بهم».

[9] في اللهوف «باذلا فينا».

[10] في النسخ «و موطنا».

[11] في اللهوف «فانني».

[12] انظر المجالس السنيه 64:1.

[13] انظر ابصار العين ص: 6 و 17.

[14] انظر بحارالانوار 74:45.

[15] انظر ابصار العين ص 17.

[16] انظر بحارالانوار 74:45.

[17] ابصار العين ص 17.