بازگشت

حركة الامام في الليلة الثانية


ذكر المؤرّخون أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) أقام في منزله تلك الليلة وهي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين من الهجرة، واشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير في البيعة ليزيد وامتناعه عليهم، وخرج ابن الزبير من ليلته عن المدينة متوجّهاً الي مكة، فلمّا أصبح الوليد سرح في أثره الرجال فبعث راكباً من موالي بني اُميّة في ثمانين راكباً، فطلبوه ولم يدركوه فرجعوا، فلمّا كان آخر نهار يوم السبت بعث الرجال الي الحسين(عليه السلام) ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معاوية، فقال لهم الحسين(عليه السلام): اصبحوا ثم ترون ونري. فكَفّوا تلك الليلة عنه ولم يلحّوا عليه.

فخرج(عليه السلام) من تحت ليلته وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب متوجّهاً نحو مكة ومعه بنوه وبنو أخيه وإخوته وجلّ أهل بيته إلاّ محمد بن الحنفية ـ رحمة الله عليه ـ فإنّه لمّا علم عزمه علي الخروج عن المدينة لم يدرِ أين يتوجّه، فقال له: يا أخي أنت أحبّ الناس اليّ وأعزّهم عليّ ولست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق إلاّ لك وأنت أحقّ بها، تنحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك الي الناس فادعهم الي نفسك فإن بايعك الناس وبايعوا لك حمدت الله علي ذلك، وإن اجتمع الناس علي غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولاعقلك ولاتذهب به مروّتك ولا فضلك، إنّي أخاف عليك أن تدخل مصراً من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم، فمنهم طائفة معك واُخري عليك، فيقتتلوا فتكون لأوّل الأسنّة غرضاً، فإذا خير هذه الاُمّة كلّها نفساً وأباً واُمّاً، أضيعها دماً

وأذلّها أهلاً.

فقال له الحسين(عليه السلام): فأين أذهب يا أخي؟ قال: انزل مكة فإن اطمأنت بك الدار بها فسبيل ذلك، وإن (نَبَتَ بك) [1] لحقت بالرمال وشعف الجبال وخرجت من بلد الي بلد حتي تنظر الي ما يصير أمر الناس إليه؛ فإنّك أصوب ما تكون رأياً حين تستقبل الأمر استقبالاً.

فقال الإمام(عليه السلام): «يا أخي، قد نصحتَ وأشفقتَ وأرجو أن يكون رأيك سديداً موفّقاً» [2] فسار الحسين(عليه السلام) الي مكة وهو يقرأ (فخرج منها خائفاً يترقّب قال ربّ نجّني من القوم الظالمين) [3] .


پاورقي

[1] أي لم تجد بها قراراً ولم تطمئن عليها. انظر لسان العرب: 15/302 مادة نبأ.

[2] الإرشاد: 2 / 35.

[3] القصص (28): 21.