بازگشت

وصايا اميرالمؤمنين للامام الحسين


تدلُّ وصايا أمير المؤمنين(عليه السلام) لولده الحسين(عليه السلام) علي شدّة اهتمامه به ومحبّته له، وقد جاء في نهج البلاغة أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) لمّا ضربه ابن ملجم ـ لعنه الله ـ أوصي للحسن والحسين بالوصية التالية:

«اُوصيكما بتقوي الله، وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تأسفا علي شيء منها زُوِيَ عنكما، وقولا بالحقّ، واعملا للأجر وكونا للظالم خصماً، وللمظلوم عوناً. اُوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوي الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم؛ فإنّي سمعت جدّكما(صلي الله عليه وآله) يقول: «صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام» الله الله في الأيتام! فلا تغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم. والله الله في جيرانكم! فإنّهم وصيّة نبيّكم، ما زال يوصي بهم حتي ظننّا أ نّه سيورّثهم. والله الله في القرآن! لا يسبقكم بالعمل به غيركم. والله الله في الصلاة! فإنّها عمود دينكم. والله الله في بيت ربّكم! لا تخلوه ما بقيتم، فإنّه إن تُرك لم تُناظروا. والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله! وعليكم بالتواصل والتباذل، وإيّاكم والتدابر والتقاطع، لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّي عليكم شراركم، ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم. ثم قال: يابني عبدالمطلب! لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً تقولون: قُتل أميرُ المؤمنين. ألا لا تقتلنّ بي إلاّ قاتلي. اُنظروا إذا أنا متُّ من ضربته هذه فاضربوه ضربةً بضربة، ولا تُمثّلوا بالرجل؛ فإنّي سمعت رسول الله(صلي الله عليه وآله) يقول: «إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور» [1] .

وثمّة وصية اُخري قيّمة وجامعة خاصّة بالإمام الحسين(عليه السلام) ذكرها ابن شعبة في تحف العقول، ونحن ننقلها لأهمّيتها حيث تضمّنت حكماً غرّاء ووصايا أخلاقية خالدة. وإليك نصّ ما رواه ابن شعبة عن الإمام عليّ(عليه السلام):

«يا بُنيّ! اُوصيك بتقوي الله في الغني والفقر، وكلمة الحقّ في الرضي والغضب، والقصد في الغني والفقر، وبالعدل علي الصديق والعدوّ، وبالعمل في النشاط والكسل، والرضي عن الله في الشدّة والرّخاء، أي بنيّ ماشرٌ بعده الجنّة بشرّ، ولا خير بعده النار بخير، وكلّ نعيم دون الجنة محقور، وكلّ بلاء دون النار عافية.

واعلم يا بُنيّ! أنّه مَن أبصر عيب نفسه شُغل عن عيب غيره، ومَن تعرّي من لباس التقوي لم يستتر بشيء من اللباس، ومَن رضي بقسم الله لم يحزن علي ما فاته، ومَن سلّ سيف البغي قتل به، ومَن حفر بئراً لأخيه وقع فيه، ومَن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته، ومَن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره، ومن كابد الاُمور عطب، ومن اقتحم الغمرات غرق، ومن أعجب برأيه ضلّ، ومن استغني بعقله زلّ، ومَن تكبّر علي الناس ذلّ، ومَن خالط العلماء وُ قّر. ومن خالط الأنذال حُقّر. ومَن سفه علي الناس شُتم، ومَن دخل مداخل السوء اتّهم، ومَن مزح استخفّ به، ومَن أكثر من شيء عرف به، ومَن كثر كلامه كثر خطؤه، ومَن كثر خطؤه قل حياؤه، ومَن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومَن قلّ ورعه مات قلبه، ومَن مات قلبه دخل النار.

أي بنيّ! من نظر في عيوب الناس ورضي لنفسه بها فذاك الأحمق بعينه، ومَن تفكّر اعتبر، ومَن اعتبر اعتزل، ومَن اعتزل سلم، ومَن ترك الشهوات كان حرّاً، ومَن ترك الحسد كانت له المحبة عند الناس.

أي بُنيّ! عزّ المؤمن غناه عن الناس، والقناعة مال لا ينفد، ومَن أكثر من ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير، ومَن علم أنّ كلامه من عمله قلّ كلامه إلاّ فيما ينفعه.

أي بنيّ! العجب ممّن يخاف العقاب فلم يكفّ، ورجا الثواب فلم يتب ويعمل.

أي بنيّ! الفكرة تورث نوراً والغفلة ظلمة والجهالة ضلالة، والسعيد من وعظ بغيره، والأدب خير ميراث، وحسن الخلق خير قرين، ليس مع قطيعة الرحم نماء ولامع الفجور غني. أي بُنيّ! العافية عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت إلاّ بذكر الله، وواحدة في ترك مجالسة السفهاء.

أي بنيّ! مَن تزيّا بمعاصي الله في المجالس أورثه الله ذلاًّ، ومن طلب العلم علم. أي بنيّ! رأس العلم الرفق، وآفته الخرق، ومن كنوز الإيمان الصبر علي المصائب، والعفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغني، كثرة الزيارة تورث الملالة، والطمأنينة قبل الخبرة ضد الحزم، و إعجاب المرء بنفسه يدلّ علي ضعف عقله. أي بُني، كم نظرة جلبت حسرة، وكم من كلمة سلبت نعمة.

أي بنيّ! لاشرف أعلي من الاسلام، ولا كرم أعزّ من التقوي، ولا معقل أحرزُ من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا لباس أجمل من العافية، ولا مال أذهب بالفاقة من الرضي بالقوت، ومن اقتصر علي بُلغة الكفاف تعجّل الراحة وتبوّأ خفض الدعة.

أي بُنيّ! الحرص مفتاح التعب ومطيّة النصب وداع الي التقحّم في الذنوب، والشره جامع لمساوئ العيوب، وكفاك تأديباً لنفسك ماكرهته من غيرك، لأخيك عليك مثل الذي لك عليه، ومن تورّط في الاُمور بغير نظر في العواقب فقد تعرّض للنوائب، التدبيرُ قبل العمل يؤمنك الندم، من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ، الصبر جُنّة من الفاقة، البخل جلباب المسكنة، الحرص علامة الفقر، وصُول مُعدم خير من جاف مكثر، لكل شيء قوت وابن آدم قوت الموت.

أي بُنيّ! لا تؤيّس مذنباً، فكم من عاكف علي ذنبه خُتم له بخير، وكم من مقبل علي عمله مُفسد في آخر عمره، صائر الي النار.

أي بُنيّ! كم من عاص نجا، وكم من عامل هوي، من تحرّي الصدق خفّت عليه المؤن، في خلاف النفس رُشدُها، الساعاتُ تنتقص الأعمار، ويلٌ للباغين من أحكم الحاكمين وعالم ضمير المضمرين.

يا بُنيّ! بئس الزادُ الي المعاد العدوانُ علي العباد، في كلّ جُرعة شرق، وفي كلّ أكلة غصص، لن تُنال نعمة إلاّ بفراق اُخري.

ما أقرب الراحة من النصب، والبؤس من النعيم، والموت من الحياة، والسقم من الصحة! فطوبي لمن أخلص لله عمله وعلمه وحبّه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته وفعله وقوله، وبخ بخ لعالم عمل فجدّ، وخاف البيات فأعدّ واستعدّ، إن سُئل نصح، وإن تُرك صمت، كلامه صوابٌ، وسكوته من غير عيّ جواب.

والويل لمن بُلي بحرمان وخذلان وعصيان، فاستحسن لنفسه ما يكرهه من غيره، وأزري علي الناس بمثل ما يأتي.

واعلم أي بُنيّ! أنّه من لانت كلمتُه وجبت محبّته، وفّقك الله لرشدك، وجعلك من أهل طاعته بقدرته، إنّه جواد كريم [2] .


پاورقي

[1] نهج البلاغة: باب الکتب والرسائل (47).

[2] تحف العقول: 88 وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام).