بازگشت

جوده و كرمه


وبنفس كبيرة كان الإمام الحسين بن علي(عليهما السلام) يعين الفقراء والمحتاجين، ويحنو علي الأرامل والأيتام، ويثلج قلوب الوافدين عليه، ويقضي حوائج السائلين من دون أن يجعلهم يشعرون بذلّ المسألة، ويصل رحمه دون انقطاع، ولم يصله مال إلاّ فرّقه وأنفقه وهذه سجية الجواد وشنشنة الكريم وسمة ذي السماحة.

فكان يحمل في دجي الليل البهيم جراباً مملوءً طعاماً ونقوداً الي منازل الأرامل واليتامي حتّي شهد له بهذا الكرم معاوية بن أبي سفيان، وذلك حين بعث لعدّة شخصيات بهدايا، فقال متنبّئاً: أمّا الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفّين، فإن بقي شيء نحر به الجزور وسقي به اللبن [1] .

وفي موقف مفعم باللطف والإنسانية والحنان جعل العتق رداً للتحية، فقد روي عن أنس أنّه قال:

كنت عند الحسين فدخلت عليه جارية بيدها طاقة ريحان فحيّته بها، فقال لها: أنت حرّة لوجه الله تعالي. وانبهر أنس وقال: جارية تجيئك بطاقة ريحان فتعتقها؟! فقال (عليه السلام): كذا أدّبنا الله، قال تبارك وتعالي: (وإذا حيّيتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها)، وكان أحسن منها عتقها [2] .

ومن كرمه وعفوه أنّه وقف(عليه السلام) ليقضي دين اُسامة بن زيد وليفرّج عن همّه الذي كان قد اعتراه وهو في مرضه [3] ، رغم أنّ اُسامة كان قد وقف في الصفّ المناوئ لأبيه أمير المؤمنين(عليه السلام).

ووقف ذات مرّة سائل علي باب الحسين(عليه السلام) وأنشد قائلاً:



لم يخب الآن من رجاك

حرّك من دون بابك الحلقة



أنت جواد أنت معتمد

أبوك قد كان قاتل الفسقة



فأسرع اليه الإمام الحسين(عليه السلام) وما أن وجد أثر الفاقة عليه حتّي نادي بقنبر وقال متسائلاً: ما تبقّي من نفقتنا؟ قال: مائتا درهم أمرتني بتفرقتها في أهل بيتك، فقال(عليه السلام): هاتها فقد أتي مَن هو أحقّ بها منهم، فأخذها ودفعها الي السائل معتذراً منه، وأنشد قائلاً:



خـذها فـإنّي اليك معتذر

واعلم بأنّي عليك ذو شفقة



لو كان في سيرنا الغداة عصاً

أمست سمـانا عليك مندفقة



لكـنّ ريب الزمان ذو غِير

والكـفّ منّي قليلـة النفقة



فأخذها الأعرابي شاكراً وهو يدعو له(عليه السلام) بالخير، وأنشد مادحاً:



وأنتم أنتم الأعلـون عندكمُ

علم الكتاب وما جاءت به السورُ



من لم يكن علويّاً حين تنسبه

فما له في جميع الناس مفتخـر [4] .




پاورقي

[1] حياة الإمام الحسين: 1 / 128 عن عيون الأخبار.

[2] کشف الغمّة: 2 / 31، والفصول المهمة: 167.

[3] بحار الأنوار: 44 / 189، ومناقب آل أبي طالب: 4 / 65.

[4] تأريخ ابن عساکر: 4 / 323، ومناقب آل أبي طالب: 4 / 65.