بازگشت

مكانة الامام الحسين في آيات الذكر الحكيم


وروي جمهور المحدّثين بطرق مستفيضة أنّها نزلت في أهل البيت، وهم: رسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، كما صرّحوا علي أنّ الأبناء هنا هما الحسنان بلا ريب.

وتضمّنت هذه الحادثة تصريحاً من الرسول بأنّهم خير أهل الأرض وأكرمهم علي الله، ولهذا فهو يباهل بهم، واعترف أسقف نجران بذلك أيضاً قائلاً:

«أري وجوهاً لو سأل الله بها أحد أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله» [1] .

وهكذا دلّت القصة كما دلّت الآية علي عظيم منزلتهم وسموّ مكانتهم وأفضليّتهم، وأنّهم أحبّ الخلق الي الله ورسوله، وأنّهم لا يدانيهم في فضلهم أحد من العالمين.

ولم ينصّ القرآن الكريم علي عصمة أحد غير النبيّ من المسلمين سوي أهل البيت(عليهم السلام) الذين أراد الله أن يطهّرهم من الرجس تطهيراً [2] .

ولئن اختلف المسلمون في دخول نساء النبيّ في مفهوم أهل البيت؛ فإنّهم لم يختلفوا قط في دخول عليّ والزهراء والحسنَيْن(عليهم السلام) في ما تقصده

الآية المباركة [3] .

ومن هنا نستطيع أن نفهم السرّ الكامن في وجوب مودّتهم والالتزام بخطّهم وترجيح حبّهم علي حبّ من سواهم بنص الكتاب العزيز [4] .

فإنّ عصمة أهل البيت (عليهم السلام) أدلّ دليل علي أنّ النجاة في متابعتهم حينما تتشعّب الطرق وتختلف الأهواء، فمن عصمه الله من الرجس وكان دالاًّ علي النجاة كان متّبعه ناجياً من الغرق.

ونصّ النبيّ(صلي الله عليه وآله) ـ كما عن ابن عباس ـ بأنّ آية المودّة في القربي حينما نزلت وسأله بعض المسلمين عن المقصود من القرابة التي أوجبت علي المسلمين طاعتهم بقوله: إنّهم عليّ وفاطمة وابناهما [5] .

ولا يتركنا القرآن الحكيم حتّي يبيّن لنا أسباب هذا التفضيل في سورة «الدهر» التي نزلت لبيان عظمة الواقع النفسي الذي انطوي عليه أهل البيت (عليهم السلام) والإخلاص الذي تقترن به طاعتهم وعباداتهم بقوله تعالي: (إنّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً - إنّا نخاف من ربّنا يوماً عبوساً قمطريراً - فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم ولقّاهم نضرةً وسروراً - وجزاهم بما صبروا جنّةً وحريراً) [6] .

لقد روي جمهور المفسّرين والمحدّثين أنّ هذه السورة المباركة نزلت في أهل البيت بعد ما مرض الحسنان، ونذر الإمام صيام ثلاثة أيام شكراً لله إن برئا، فوفوا بنذرهم أيّما وفاء، إنّه وفاءٌ جسَّد أروع أنواع الإيثار حتّي نزل قوله تعالي:(إنّ الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافوراً - عيناً يشرب بها عباد الله يفجّرونها تفجيراً - يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً) [7] فشكر الله سعيهم علي هذا الإيثار والوفاء بما أورثهم في الآخرة وبما حباهم من الإمامة للمسلمين في الدنيا حتّي يرث الأرض ومن عليها.


پاورقي

[1] نور الأبصار: 100، وراجع تفسير: الجلالين وروح البيان والکشّاف والبيضاوي والرازي، وصحيح الترمذي: 2 / 166، وسنن البيهقي: 7 / 63، وصحيح مسلم: کتاب فضائل الصحابة، ومسند أحمد: 1 / 85، ومصابيح السنة: 2 / 201.

[2] کما نصّت علي ذلک الآية 33 من سورة الأحزاب.

[3] راجع التفسير الکبير للفخر الرازي وتفسير النيسابوري، وصحيح مسلم: 2 / 33 وخصائص النسائي: 4، ومسند أحمد: 4 / 107، وسنن البيهقي: 2 / 150، ومشکل الآثار: 1 / 334، ومستدرک الحاکم: 2 / 416، واُسد الغابة: 5 / 521.

[4] قال تعالي في سورة الشوري الآية 23 مخاطباً رسوله الکريم: (قل لا أسألکم عليه أجراً إلاّ المودة في القربي). وقال في سورة سبأ: (ما سألتکم من أجر فهو لکم).

[5] راجع التفسير الکبير، وتفسير الطبري، والدر المنثور في تفسير آية المودّة.

[6] الانسان (76): 9 ـ 12.

[7] الانسان (76): 5 ـ 7.