بازگشت

الامام الحسين الشهيد في سطور


ـ الإمام أبو عبدالله الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام) الشهيد بكربلاء، ثالث أئمّة أهل البيت بعد رسول الله(صلي الله عليه وآله) وسيّد شباب أهل الجنة بإجماع المحدّثين، وأحد اثنين نسلت منهما ذرية الرسول (صلي الله عليه وآله) وأحد

الأربعة الذين باهل بهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) نصاري نجران، ومن أصحاب

الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، ومن القربي الذين أمر الله بمودّتهم، وأحد الثقلين اللذين من تمسّك بهما نجا ومن تخلّف عنهما ضلّ وغوي.

ـ نشأ الحسين مع أخيه الحسن(عليهما السلام) في أحضان طاهرة وحجور طيّبة ومباركة اُمّاً وأباً وجدّاً، فتغذي من صافي معين جدّه المصطفي (صلي الله عليه وآله) وعظيم خلقه ووابل عطفه، وحظي بوافر حنانه ورعايته حتي أنّه ورّثه أدبه وهديه وسؤدده وشجاعته، ممّا أهّله للإمامة الكبري التي كانت تنتظره بعد إمامة أبيه المرتضي وأخيه المجتبي(عليهم السلام) وقد صرّح بإمامته للمسلمين في أكثر من موقف بقوله(صلي الله عليه وآله):«الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا»، «اللّهمّ إنّي اُحبّهما فأحب من يحبّهما».

ـ لقد التقي في هذا الإمام العظيم رافدا النبوّة والإمامة، واجتمع فيه شرف الحسب والنسب، ووجد المسلمون فيه ما وجدوه في جدّه وأبيه واُمّه من طهر وصفاء ونبل وعطاء، فكانت شخصيّته تذكّر الناس بهم جميعاً؛ فأحبّوه وعظّموه، وكان الي جانب ذلك كلّه مرجعهم الأوحد بعد أبيه وأخيه فيما كان يعترضهم من مشاكل الحياة واُمور الدين، لا سيما بعد أن دخلت الاُمّة الإسلامية حياة حافلة بالمصاعب نتيجة سيطرة الحكم الاُموي الجاهلي، حتّي جعلتهم في مأزق جديد لم يجدوا له نظيراً من قبل، فكان الحسين(عليه السلام) هو الشخصية الإسلامية الرسالية الوحيدة التي استطاعت أن تخلّص اُمّة محمّد(صلي الله عليه وآله) خاصّة والإنسانية عامّة من براثن هذه الجاهلية الجديدة وأدرانها.

ـ لقد كان الحسين بن عليّ(عليهما السلام) كأبيه المرتضي وأخيه المجتبي في جميع مراحل حياته ومواقفه العملية مثالاً للإنسان الرسالي الكامل، وتجسيداً حيّاً للخلق النبويّ الرفيع في الصبر علي الأذي في ذات اللّه، والسماحة والجود والرحمة والشجاعة وإباء الضيم والعرفان والتعبّد والخشية لله والتواضع للحقّ والثورة علي الباطل، ورمزاً شامخاً للبطولة والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واُسوة مثلي للإيثار والتضحية لإحياء المُثل العليا التي اجتمعت في شريعة جدّه سيّد المرسلين، حتّي قال عنه جدّه المصطفي(صلي الله عليه وآله): «حسين منّي وأنا من حسين» معبّراً بذلك أبلغ التعبير عن سموّ هذه الشخصية العظيمة التي ولدها (صلي الله عليه وآله) وربّاها بيديه الكريمتين.

ـ بقي الحسين بن عليّ(عليهما السلام) بعد جدّه في رعاية الصدّيقة الزهراء سيّدة النساء فاطمة (عليها السلام) وفي كنف أبيه المرتضي سيّد الوصيّين وإمام المسلمين الذي عاش محنة الانحراف في قيادة الاُمّة المسلمة بعد وفاة رسول الله(صلي الله عليه وآله) وقد حفّت بأبيهواُمّه نكبات هذه المحنةوالصراع مع الذين صادروا هذه الإمامة الكبري بكل صلف ودون حجّة أوبرهان...لقد عاش الحسين مع أخيه الحسن وأبيه عليّ واُمّه الزهراء(عليهم السلام) هذه المحنة وتجرّع مرارتها، وهو لا يزال في سنّ الطفولة، ولكنّه كان يعي جيّداً عمق المحنة وشدّة المصيبة.

ـ شبَّ إلامام أبو عبدالله الحسين أيّام خلافة عمر، وانصرف مع أبيه وأخيه عن السياسة والتصدي للحكم في ظاهر الأمر، وأقبل علي تثقيف الناس وتعليمهم معالم دينهم في خطّ الرسالة الصحيح، والذي كان يتمثّل في سلوك والده عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) ومواقفه المبدئية المشرّفة.

ـ وقف الإمام الحسين(عليه السلام) الي جانب أبيه(عليه السلام) في عهد عثمان، وهو في عنفوان شبابه يعمل مخلصاً لأجل الإسلام، ويشترك مع أبيه في وضع حدّ للفساد الذي أخذ يستشري في جسم الاُمّة والدولة معاً في ظلّ حكم عثمان وبطانته، ولم يتعدّ مواقف أبيه(عليه السلام) طيلة هذه الفترة؛ بل عمل كجندي مخلص للقيادة الشرعية التي أناطها رسول الله (صلي الله عليه وآله) بأبيه المرتضي (عليه السلام).

ـ وفي عهد الدولة العلوية المباركة وقف الحسين الي جانب أبيه(عليهما السلام) في جميع مواقفه وحروبه، ولم يتوانَ عن قتال الناكثين والقاسطين والمارقين، بينما كان أبوه حريصاً علي حياته وحياة أخيه الحسن(عليه السلام) خشية انقطاع نسل رسول الله (صلي الله عليه وآله) بموتهما، وبقيا الي جانب أبيهما حتي آخر لحظة، وهما يعانيان من أهل العراق ما كان يعانيه أبوهما المرتضي(عليه السلام) حتّي استشهد في بيت من بيوت الله، وفاز بالشهادة وهو في محراب العبادة بمسجد الكوفة، وفي أقدس لحظات حياته، أعني لحظة العبادة والتوجه الي ربّ الكعبة، حيث خرّ صريعاً وهو يقول: «فزتُ وربِّ الكعبة».

ـ ثمّ وقف الي جانب أخيه الحسن المجتبي (عليهما السلام) بعد أن بايعه بالخلافة كما بايعه عامّة المسلمين في الكوفة من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، ولم يتعدّ مواقف أخيه الذي نصّ علي إمامته كلّ من جدّه وأبيه(عليهما السلام) بالرغم من كلّ المغريات التي كان يستعملها معاوية لإسقاط الإمام الحسن(عليه السلام) وتفتيت قواه والقضاء علي حكومته المشروعة.

ـ لقد كان الحسين(عليه السلام) يعي مواقف أخيه الحسن(عليه السلام) بشكل تامّ والنتائج المترتّبة علي تلك المواقف، لأنّه كان يدرك حراجة الظرف الذي كان يكتنف الاُمّة الإسلامية آنذاك وبعد استشهاد الإمام عليّ(عليه السلام) بشكل خاص، حيث انطلت ألاعيب معاوية وشعاراته الزائفة علي جماعة كبيرة من السذّج والبسطاء، ممّن كانوا يشكّلون القاعدة العظمي في مجتمع الكوفة ومركز الخلافة الإسلامية، فأصبحوا يشكّون ويشكّكون في حقّانية خطّ الإمام عليّ ابن أبي طالب(عليه السلام) بعد ذلك التضليل الإعلامي الذي قام به معاوية وبطانته وعمّاله في صفوف الجيش المساند للإمام(عليه السلام)، ولم يستطع الإمام الحسن(عليه السلام) بكلّ ما اُوتي من حنكة سياسية وشجاعة أدبية ورصانة منطقية أن يقنع تلك القاعدة الشعبية، ويوقفها علي زيف الشعارات الاُموية في عدم صحّة الخضوع لشعار السلم الذي كان قد تسلّح به معاوية لنيل الخلافة بأبخس الأثمان، ممّا اضطرّ الإمام الحسن(عليه السلام) للإقدام علي الصلح من موقع القوة بعد أن نفَّذَ جميع الخطط السياسية الممكنة، وبعد أن سلك جميع الطرق المعقولة التي ينبغي للقائد المحنّك أن يسلكها في تلك الظروف السياسية والاجتماعية والنفسية التي كان يعيشها الإمام الحسن(عليه السلام) وشيعته، فتنازل عن الخلافة، إلا انه لم يوقّع علي شرعيّة حاكميّة معاوية بالإضافة الي أنّه قد اشترط شروطاً موضوعيةً تفضح واقع معاوية والحكم الاُموي علي المدي القريب أو البعيد.

ـ وهكذا أفلح الإمام الحسن(عليه السلام) بعد أن اختار الطريق الصعب، وتحمّل ما تحمّل من الأذي والمكروه من أقرب أفراد شيعته فضلاً عن أعدائه، حيث استطاع أن يكشف حقيقة الحكم الاُموي الجاهلي الذي ارتدي لباس الإسلام ورفع شعار الصلح والسلم، ليقضي علي الإسلام باسم الإسلام وبمن ينتسب الي قريش قبيلة الرسول(صلي الله عليه وآله) بعد أن خطّط بشكل حاذق خطّةً يتناسي المسلمون بسببها أنّ آل أبي سفيان الذين يتربّعون اليوم علي كرسي الحكم الإسلامي، ويحكمون المسلمين باسم الرسول(صلي الله عليه وآله) وخلافته هم الذين حاربوا الإسلام بالأمس القريب.

ـ وبهذا هيّأ الإمام الحسن(عليه السلام) ـ بتوقيعه علي وثيقة الصلح ـ الأرضية اللازمة للثورة علي الحكم الاُمويّ الجاهليّ الذي ظهر بمظهر الإسلام من جديد، وذلك بعد أن أخلف معاوية كلّ الشروط التي اشترطها عليه الإمام الحسن(عليه السلام) بما فيها عدم تعيين أحد للخلافة من بعده، وعدم التعرّض لشيعة عليّ وللإمام الحسن والحسين(عليهما السلام) بمكروه.

ولم يستطع معاوية أن يتمالك نفسه أمام هذه الشروط حتي سوّلت له نفسه أن يدسّ السمّ الفاتك الي الإمام الحسن(عليه السلام) ليستطيع توريث الخلافة لابنه الفاسق يزيد.. ولكنّه لم يعِ نتائج هذا التنكّر للشروط ولنتائج هذه المؤامرة القذرة... وقد أيقن المسلمون ـ بعد مرور عقدين من الحكم الاُموي ـ بشراسة هذا الحكم وجاهليّته، ممّا جعل القواعد الشعبية الشيعية تستعدّ لخوض معركة جديدة ضدّ النظام الحاكم، وبذلك تهيّأت الظروف الملائمة للثورة، واكتملت الشروط اللازمة بموت معاوية ومجيء يزيد الفاسق شارب الخمور والمستهتر بأحكام الدين الي سدّة الحكم، والإقدام علي أخذ البيعة من وجوه الصحابة وعامّة التابعين، والإصرار علي أخذها من مثل أبيّ الضيم أبي عبدالله الحسين(عليه السلام) سيّد أهل الإباء وإمام المسلمين.

ـ لقد حكم معاوية بن أبي سفيان ما يقارب عشرين سنة متّبعاً سياسة التجويع والإرهاب والخداع والتزوير، ممّا أدّي الي انكشاف حقيقته للاُمّة من جهة، في حين أنّها كانت قد ابتليت بداء موت الضمير وداء فقدان الإرادة من جهة اُخري، وهكذا استيقظت الاُمّة من سباتها وزال شكّها بحقّانية خطّ أهل البيت(عليهم السلام)، بعد أن ارتفع جهلها بحقيقة الاُمويين، ولكنّها لم تقوَ

علي مقارعة الظلم والظالمين، وأصبحت كما قال الفرزدق للإمام الحسين(عليه السلام) حين كان متوجّهاً الي العراق ومستجيباً لدعوة الكوفيين: قلوبهم

معك وسيوفهم عليك.

ومن هنا تأكّد الموقف الشرعي للإمام الحسين(عليه السلام) بعد أن توفّرت كلّ الظروف اللازمة للقيام في وجه الاُمويّين الجاهليّين، بينما لم تكن النهضة مفيدة للاُمّة في حالة الابتلاء بمرض الشكّ والترديد التي كانت تعاني منه في عصر الإمام الحسن السبط(عليه السلام). لقد تمّت الحجّة علي الإمام الحسين بن عليّ(عليهما السلام) حينما راسله أهل العراق وطلبوا منه التوجّه نحوهم، بعد أن أخرجوا عامل بني اُمية من الكوفة وتمرّدوا علي الاُمويين حيث كان هذا أحد مظاهر رجوع الوعي إلي عامّة شيعة أهل البيت(عليهم السلام).

فاستجاب الإمام الحسين(عليه السلام) لطلبهم، وتحرّك نحوهم بالرغم من علمه بعدم ثباتهم وضعف إرادتهم أمام إغراءات الحاكمين واضطهادهم وإرهابهم، وذلك لأنّه كان لابد له من معالجة هذا المرض الجديد الذي يؤدّي باستشرائه الي ضياع معالم الرسالة وفسح المجال لتحويل الخلافة الي كسرويّة وقيصريّة، وإعطاء المشروعية لمثل حكم يزيد وأضرابه من الجاهليّين الذين تستّروا بستار الشريعة الإسلامية لضرب الشريعة وتمزيقها.

ـ وبعد أن استجمعت ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) كلّ الشروط اللازمة لنجاحها وبلوغ أهدافها [1] ؛ نهض مستنفراً كلّ طاقاته وقدراته التي كان قد أعدّها وهيّأها في ذلك الظرف التأريخي في صنع ملحمته الخالدة، فحرّك ضمير الاُمّة، وأعادها لتسلك مسيرة رسالتها، وبعث شخصيّتها العقائدية من جديد، وسلب المشروعية من الحكام الطغاة، ومزّق كلّ الأقنعة الخدّاعة التي كانوا قد تستّروا بها، وأوضح الموقف الشرعي للاُمّة علي مدي الأجيال. ولم يستطع الطغاة أن يشوّهوا معالم نهضته، كما لم يستطيعوا أن يقفوا بوجه المدّ الثوري الذي أحدثه علي مدي العصور، ذلك المدّ الذي أطاح بحكم بني اُميّة وبني العباس ومن حذا حذوهم، فكانت ثورته مصدر إشعاع رسالي لكل الاُمم، كما كانت القيم الرساليّة التي طرحها وأكّد عليها محفّزاً ومعياراً لتقييم كل الحكومات والأنظمة السياسية الحاكمة، فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.


پاورقي

[1] راجع الشروط الضرورية الخمسة للنجاح والتي توفّرت في ثورة الحسين (عليه السلام) في کتاب (ثورة الحسين. النظرية ـ الموقف ـ النتائج) السيّد محمد باقر الحکيم الطبعة الاولي، منشورات مؤسّسة الإمام الحسين(عليه السلام): 62 ـ 92، وراجع مجلّة الفکر الإسلامي العدد (17) مقال الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر حول الثورة الحسينية تحت عنوان (التخطيط الحسيني لتغيير أخلاقية الهزيمة).