بازگشت

فصل


ثم نقول: بل نحن نعلم و نجزم بأنه ليس رأس الحسين، و لا كان ذلك المشهد العسقلاني مشهدا للحسين، من وجوه متعددة.

منها: أنه لو كان رأس الحسين هناك لم يتأخر كشفه و اظهاره الي ما بعد مقتل الحسين بأكثر من أربعمائة سنة، و دولة بني أمية انقرضت قبل ظهور ذلك بأكثر من ثلاثمائة و بضع و خمسين سنة. و قد جاءت خلافة بني العباس و ظهر في أثنائها من المشاهد بالعراق و غير العراق ما كان كثير منها كذبا. و كانوا عند مقتل الحسين بكربلاء قد بنوا هنالك مشهدا. و كان ينتابه أمراء عظماء. حتي أنكر ذلك عليهم الأئمة، و حتي ان المتوكل تقدم فيه بأشياء، يقال: انه بالغ في انكار ذلك، و زاد علي الواجب.

دع خلافة بني العباس في أوائلها، و في حال استقامتها، فانهم حينئذ لم يكونوا يعظمون أبدا المشاهد، سواء كانت صدقا أو كذبا، كما حدث فيما بعد. لأن الاسلام كان حينئذ يغد في قوته و عنفوانه. و لم يكن علي عهد الصحابة و التابعين و تابعيهم في شي ء في بلاد الاسلام - لا الحجاز، و لا اليمن و لا الشام، و لا العراق، و لا مصر، و لا خراسان، و لا المغرب - مشهد، لا علي قبر نبي، و لا صاحب، و لا أحد من أهل البيت، و لا صالح أصلا. بل عامة المشاهد محدثة بعد ذلك.


و كان ظهورها و انتشارها حين ضعفت خلافة بني العباس، و تفرقت الأمة و كثرت فيهم الزنادقة المنتسبون الي الاسلام. و علت فيهم كلمة أهل البدع. و ذلك في دولة المقتدر في أواخر المائة الثالثة، فانه اذ ذاك ظهرت القرامطة العبيدية القداحية [1] بأرض الغرب. ثم جاءوا بعد ذلك الي أرض مصر.

و قريبا من ذلك: يقال انه حدثت المكوس [2] في الاسلام.

و قريبا من ذلك: ظهر بنو بويه الأعاجم: و كان في كثير منهم زندقة و بدع قوية. و في دولتهم قوي بنوعبيد القداح بأرض مصر، و في دولتهم أظهر المشهد المنسوب الي علي رضي الله عنه بناحية النجف، و الا فقيل ذلك لم يكن أحد يقول: ان قبر علي هناك، و انما دفن علي رضي الله عنه بقصر الامارة بالكوفة، و انما ذكروا أنه حكي عن الرشيد. أنه جاء الي بقعة هناك، و جعل يعتذر الي المدفون فيها، فقالوا: انه علي، و انه اعتذر اليه مما فعل بولده، فقالوا: هذا هو قبر علي، و قد قال قوم: انه قبر المغيرة بن شعبة، و الكلام عليه مبسوط في غير هذا الموضع.

فاذا كان بنو بويه و بنو عبيد - مع ما كان في الطائفين من الغلو في التشيع. حتي انهم كانوا يظهرون في دولتهم ببغداد يوم عاشوراء من شعار الرافضة ما لم يظهر مثله، مثل تعليق المسوح علي الأبواب، و اخراج النوائح بالأسواق، و كان الأمر يفضي الي قتال تعجز الملوك عن دفعه. و بسبب ذلك خرج الخرقي صاحب المختصر في الفقه من بغداد، لما ظهر بها سب السلف. و بلغ من أمر القرامطة الذين كانوا بالمشرق [3] في تلك الأوقات: أنهم أخذوا الحجر الأسود، و بقي معهم مدة، و أنهم قتلوا الحجاج و ألقوهم ببئر زمزم.


فاذا كان مع هذا لم يظهر حتي مشهد للحسين بعسقلان، مع العلم بأنه لو كان رأسه بعسقلان لكان المتقدمون أعلم بذلك من المتأخرين، فاذا كان مع توفر الهمم و الدواعي و التمكين و القدرة لم يظهر ذلك، علم أنه باطل مكذوب مثل من يدعي أنه شريف علوي: و قد علم أنه لم يدع هذا أحد من أجداده، مع حرصهم علي ذلك لو كان صحيحا، فانه بهذا يعلم كذب هذا المعي، و بمثل ذلك علمنا كذب من يدعي النص علي علي، أو غير ذلك من الأمور التي تتوفر الهمم و الدواعي علي نقلها و لم ينقل.

الوجه الثاني أن الذين جمعوا أخبار الحسين و مقتله - مثل أبي بكر بن أبي الدنيا، و أبي القاسم البغوي و غيرهما - لم يذكر أحد منهم أن الرأس حمل الي عسقلان، و لا الي القاهرة.

و قد ذكر نحو ذلك أبوالخطاب بن دحية في كتابه الملقب بالعلم المشهور في فضائل الأيام و الشهور،! ذكر أن الذين صنفوا في مقتل الحسين أجمعوا علي أن الرأس لم يغترب [4] ، و ذكر هذا بعد أن ذكر أن المشهد الذي بالقاهرة كذب مختلق: و أنه لا أصل له، و بسط القول في ذلك، كما ذكر في يوم عاشوراء ما يتعلق بذلك.

الوجه الثالث أن الذي ذكره من يعتمد عليه من العلماء و المؤرخين أن الرأس حمل الي المدينة [5] و دفن عند أخيه.


و من المعلوم: أن الزبير بن بكار، صاحب كتاب الأنساب، و محمد ابن سعد كاتب الواقدي، صاحب الطبقات، و نحوهما من المعروف بالعلم و الثقة و الاطلاع: أعلم بهذا الباب، و أصدق فيما ينقلو به [6] من المجاهيل و الكذابين، و بعض أهل التواريخ الذين لا يوثق بعلمهم و لا أصدقهم، بل قد يكون الرجل صادقا، ولكن لا خبرة له بالأسانيد. حتي يميز بين المقبول و المردود، أو يكون سي ء الحفظ أو متهما بالكذب، أو بالتزيد في الرواية، كحال كثير من الاخبارين و المؤرخين، و لاسيما اذا كان مثل أبي مخنف لوط بن يحيي [7] و أمثاله.

و معلوم أن الواقدي نفسه خير عند الناس من مثل هشام بن الكلبي و أبيه محمد بن السائب و أمثالها، و قد علم كلام الناس في الواقدي، فان ما يذكره هو و أمثاله يعتضد به، و يستأنس به. و أما الاعتماد عليه بمجرده في العلم: فهذا لا يصلح.

فاذا كان المعتمد عليهم يذكرون أنه دفن بالمدينة، و قد ذكر غيرهم: أنه اما أنه عاد الي البدن، و اما أنه بحلب، أو بدمشق، أو نحو ذلك من الأقوال التي لا أصل لها، و لم يذكر من يعتمد عليه أنه بعسقلان - علم أن ذلك باطل، اذ يمتنع أن يكون أهل العلم و الصدق: علي الباطل. و أهل الجهل و الكذب: علي الحق في الأمور النقلية، التي تؤخذ عن أهل العلم و الصدق،


لا عن أهل الجهل و الكذب.

الوجه الرابع الذي ثبت في صحيح البخاري «أن الرأس حمل الي قدام عبيدالله بن زياد، و جعل ينكت بالقضيب علي ثناياه بحضرة أنس بن مالك» [8] و في المسند «أن ذلك كان بحضرة أبي برزة الأسلمي» [9] ولكن بعض الناس روي باسناد منقطع «أن هذا النكت كان بحضرة يزيد بن معاوية» و هذا باطل. فان أبابرزة، و أنس بن مالك، كانا بالعراق لم يكونا بالشام، و يزيد بن معاوية كان بالشام، لم يكن بالعراق حين مقتل الحسين، فمن نقل أنه نكث بالقضيب بحضرة هذين قدامه فهو كاذب قطعا، كذبا معلوما بالنقل المتواتر.

و معلوم بالنقل المتواتر: أن عبيدالله بن زياد كان هو أمير العراق حين مقتل الحسين، و قد ثبت بالنقل الصحيح: أنه هو الذي أرسل عمر بن سعد مقدما علي الطائفة التي قاتلت الحسين، و امتنع عمر من ذلك، فأرغبه و أرهبه حتي فعل ما فعل [10] .

و قد ذكر المصنفون من أهل العلم بالأسانيد المقبولة: أنه لما كتب أهل العراق الي الحسين، و هو بالحجاز: أن يقدم عليهم، و قالوا: انه قد أميتت السنة، و أحييت البدعة. و أنه، و أنه، حتي يقال: انهم أرسلوا اليه كتبا مل ء صندوق و أكثر، و أنه أشار عليه الأحباء الأنباء. فانه كما قيل:



و ما كل ذي لب بمؤتيك نصحه

و ما كل مؤت نصحه بلبيب



فقد أشار عليه مثل عبدالله بن عباس، و عبدالله بن عمر، و غيرهما


بأن لا يذهب اليهم. و بذلك كان قد وصاه أخوه الحسين [11] : و اتفقت كلمتهم علي أن هذا لا مصلحة فيه، و أن هؤلاء يكذبونه و يخذلونه، اذ هم أسرع الناس الي فتنة، و أعجزهم فيها، و أن أباه كان أفضل منه و أطوع في الناس، و جمهور الناس معه. و مع هذا فكان فيهم من الخلاف عليه و الخذلان له ما الله به عليم. حتي صار يطلب السلم بعد أن كان يدعو الي الحرب. و ما مات الا و قد كرههم كراهة الله بها عظيم. و قد دعا عليهم و تبرم بهم.

فلما ذهب الحسين رضي الله عنه، و أرسل ابن عمه عقيل [12] اليهم، و تابعه طائفة. ثم لما قدم عبيدالله بن زياد الكوفة، قاموا مع ابن زياد، و قتل عقيل و غيرهما. فبلغ الحسين ذلك، فأراد الرجوع، فوافه سرية عمر بن سعد، و طلبوا منه أن يستأسر لهم، فأبي، و طلب أن يردوه الي يزيد بن عمه، حتي يضع يده في يده، أو يرجع من حيث جاء، أو يلحق ببعض الثغور، فامتنعوا من اجابته الي ذلك، بغيا و ظلما و عدوانا. و كان من أشدهم تحريضا عليه: شمر بن الجوشن [13] . و لحق بالحسين طائفة منهم، و وقع القتل حتي أكرم الله الحسين و من أكرمه من أهل بيته بالشهادة، رضي الله عنهم و أرضاهم. و أهان بالبغي و الظلم و العدوان من أهانه بما انتهكه من حرمتهم، و استحله من دمائهم (و من يهن الله فما له من مكرم، ان الله يفعل ما يشاء) [14] و كان ذلك من نعمة الله علي الحسين، و كرامته له، لينال منازل الشهداء، حيث لم يحصل له من أول الاسلام من الابتلاء و الامتحان ماحصل لسائر أهل بيته، كجده صلي الله عليه و سلم، و أبيه و عمه، و عم أبيه رضي الله عنهم. فان بني هاشم أفضل قريش، و قريشا أفضل العرب، و العرب أفضل بني آدم، كما صح ذلك عن النبي صلي الله عليه و سلم، قوله في الحديث الصحيح: «ان الله اصطفي


بني اسماعيل، و اصطفي كناية من بني اسماعيل، و اصطفي قريشا من كنانة، و اصطفي بني هاشم من قريش».

و في صحيح مسلم عنه أنه قال يوم غدير خم: «أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي».

و في السنن: «أنه شكا اليه العباس: أن بعض قريش يحقرونهم، فقال: و الذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتي يحبوكم لله و لقرابتي».

و اذا كانوا أفضل الخلائق فلا ريب أن أعمالهم أفضل الأعمال [15] .

و كان أفضلهم رسول الله صلي الله عليه و سلم، الذي لا عدل [16] له من البشر، ففاضلهم أفضل من كل فاضل من سائر قبائل قريش و العرب، بل و بني اسرائيل و غيرهم.

ثم علي و حمزة و جعفر و عبيدة بن الحارث: هم من السابقين الأولين من المهاجرين. فهم أفضل من الطبقة الثانية من سائر القبائل. و لهذا لما كان يوم بدر أمرهم النبي صلي الله عليه و سلم بالمبارزة لما برز عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و الوليد بن عتبة. فقال النبي صلي الله عليه و سلم: «قم يا حمزة. قم يا عبيدة. قم يا علي» فبرز الي الثلاثة ثلاثة من هاشم.

و قد ثبت في الصحيح: أن فيهم نزل قوله: (هذان خصمان اختصموا في ربهم - الآية) [17] و ان كان في الآية عموم.

و لما كان الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة، و كانا قد ولدا بعد الهجرة في عز الاسلام، و لم ينلهما من الأذي و البلاء ما نال سلفهما الطيب،


فأكرمهما الله بما أكرمهما به من الابتلاء، ليرفع درجاتهما. و ذلك من كرامتهما عليه لا من هوانهما عنده، كما أكرم حمزة و عليا و جعفرا و عمر و عثمان و غيرهم بالشهادة.

و في المسند و غيره: عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين عن النبي صلي الله عليه و سلم أنه قال: «ما من مسلم يصاب بمصيبة فيذكر مصيبة، و ان قدمت، فيحدث لها استرجاعا [18] ، الا أعطاء الله من الأجر مثل أجره يوم أصيب بها».

فهذا الحديث رواه الحسين، و عنه بنته فاطمة التي شهدت مصرعه.

و قد علم الله أن مصيبته تذكر علي طول الزمان.

فالمشروع اذا ذكرت المصيبة و أمثالها أن يقال: (انا لله و انا اليه راجعون) «اللهم آجرنا في مصيبتنا و اخلف لنا خيرا منها». قال تعالي: (و بشر الصابرين. الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا: انا لله و انا اليه راجعون) قال تعالي: (أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و أولئك هم المهتدون).

و الكلام في أحوال الملوك علي سبيل التفصيل: متعسر أو متعذر، لكن يعلم من حيث الجملة، و هم أنهم هم و غيرهم من الناس ممن له حسنات و سيئات يدخلون بها في نصوص الوعد [19] ، أو نصوص الوعيد [20] .

و تناول نصوص الوعد للشخص مشروط بأن يكون عمله خالصا لوجه


الله، موافقا للسنة [21] . فان النبي صلي الله عليه و سلم قيل له: «الرجل يقاتل شجاعة، و يقاتل حمية، و يقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله».

و كذلك شمول نصوص الوعيد له مشروط بأن لا يكون متأولا تأويلا مخطئا. فان الله عفا لهذه الأمة عن الخطأ و النسيان.

و كثير من تأويلات المتقدمين و ما يعرض لها فيها من الشبهات معروفة بما يحصل بها من الهوي و الشهوات؛ فيأتون ما يأتونه بشبهة و شهوة.

و السيئات التي يرتكبها أهل الذنوب تزول بالتوبة، و قد تزول بحسنات ماحية، و مصائب مكفرة. و قد تزول بصلاة المسلمين عليه، و بشفاعة النبي صلي الله عليه و سلم يوم القيامة في أهل الكبائر [22] . فلهذا كان أهل العلم يختارون فيمن عرف بالظلم و نحوه مع أنه مسلم له أعمال صالحة في الظاهر - كالحجاج و أمثاله - لأنهم لا يلعنون أحدا بعينه، بل يقولون كما قال الله تعالي: (ألا لعنة الله علي الظالمين) [23] فيلعنون من لعنه الله و رسوله عاما، كقوله صلي الله عليه و سلم: «لعن الله الخمر و عاصرها و معتصرها، و بائعها، و مشتريها، و ساقيها و شاربها، و حاملها و المحمولة اليه و آكل ثمنها» و لا يلعنون المعين.

كما ثبت في صحيح البخاري و غير: «أن رجلا - كان يدعي حمارا - و كان يشرب الخمر، و كان النبي صلي الله عليه و سلم يجلده، فأتي به مرة، فلعنه رجل، فقال النبي صلي الله عليه و سلم: «لا تلعنه. فانه يحب الله و رسوله».

و ذلك لأن اللعنة من باب الوعيد، و الوعيد العام قد ينتفي في حق


المعين لأحد الأسباب المذكورة، من توبة، أو حسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو شفاعة مقبولة. و غير ذلك.

و طائفة من العلماء يلعنون المعين، و طائفة بازاء هؤلاء يقولون: بل نحبه، لما فيه من الايمان يوالي عليه، اذ ليس كافرا.

و المختار عند الأئمة: أنا لا نلعن معينا، و لا نحب معينا، فان العبد قد يكون فيه سبب هذا و سبب هذا اذا اجتمع فيه من حب الأمذبن.

اذ كان من أصول أهل السنة، التي فارقوا بها الخوارج [24] و المعتزلة [25] و المرجئة [26] : أن الشخص الواحد تجتمع فيه حسنات و سيئات، فيثاب علي حسناته، و يعاقب علي سيئاته. و يحمد علي حسناته، و يذم علي سيئاته. و أنه من وجه: مرضي محبوب، و من وجه: بغيض مسخوط، فلذا كان لأهل الأحداث: هذا الحكم.

و أما أهل التأويل المحض، الذي يسوخ تأويلها: فأولئك مجتهدون مخطئون خطؤهم مغفور لهم. و هم مثابون علي ما أحسنوا فيه من حسن قصدهم و اجتهادهم في طلب الحق و اتباعه. كما قال النبي صلي الله عليه و سلم: «اذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران. و اذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر».

و لهذا كان الكلام في السابقين الأولين و من شهد له بالجنة، كعثمان و علي و طلحة و الزبير و نحوهم: له حكم آخر، بل و من هو دون هؤلاء، مثل أكابر أهل الحديبية الذين بايعوا تحت الشجرة. و كانوا أكثر من ألف و أربعمائة..

و قد ثبت في الصحيح عن النبي صلي الله عليه و سلم أنه قال: «لا يدخل النار أحد بايع الشجرة».


فهؤلاء و نحوهم فيما شجر بينهم: اما أن يكون عما أحدهم سعيا مشكورا أو ذنبا مغفورا، أو اجتهادا قد عفي لصاحبه عن الخطأ فيه، فلهذا كان من أصول أهل العلم: أنه لا يمكن أحد من الكلام في هؤلاء بكلام يقدح في عدالتهم و ديانتهم، بل يعلم أنهم عدول مرضيون، رضي الله عنهم و أرضاهم - لاسيما و المنقول عنهم من العظائم كذب مفتري، مثلما كان طائفة من شيعة عثمان يتهمون عليا بأنه امر بقتل عثمان، أو أعان عليه، و كان بعض من يقاتله يظن ذلك فيه، و كان ذلك من شبههم التي قاتلوه بها و هي شبهة باطلة. و ان علي يحلف - و هو الصادق البار -: «اني ما قتلت عثمان، و لا أعنت علي قتله» و يقول «اللهم شئت قتلة عثمان في البر و البحر و السهل و الجبل» و كانوا يجعلون امتناعه من تسليم قتله عثمان من شبههم في قتاله. و علي لم يكن متمكنا من أن يعمل. كل ما يريده من اقامة الحدود، و نحو ذلك، لكون الناس مختلفين ملتاث أمرهم، و عسكره و أمراء عسكره غير مطيعين له في كل ما كان يأمرهم به. فان التفرق و الاختلاف يقوم فيه من الشر و الفساد و تعطيل الأحكام ما يعلمه من يكون من العلم العارفين بما جاء من النصوص في فضل الجماعة و الاسلام.

و يزيد بن معاوية: قد أتي أمورا منكرة منها: وقعة الحرة، و قد جاء في الصحيح عن علي رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه و سلم قال: «المدينة حرم ما بين عاثر الي كذا. من أحدث فيها حدثا، أو أوي محدثا فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا و لا عدلا» و قال «من أراد أهل المدينة بسوء امامه الله كما ينماع الملح في الماء».

و لهذا قيل للامام أحمد: أتكتب الحديث عن يزيد؟ فقال: لا، و لا كرامة أو ليس هو الذي فعل بأهل الحرة ما فعل؟.

و قيل له: ان قوما يقولون: انا نحب يزيد: فقال: و هل يحب يزيد أحد يؤمن بالله و اليوم الآخر؟ فقيل: فلماذا لا تلعنه؟ فقال: و متي رأيت أباك يلعن أحدا. انتهي.


و مذهب أهل السنة و الجماعة: أنهم لا يكفرون أهل القبلة بمجرد الذنوب، و لا بمجرد التأويل، بل الشخص الواحد اذا كانت له حسنات و سيئات: فأمره الي الله تعالي.

و هذا الذي ذكرناه: هو المتفق عليه بين الناس في مقتله رضي الله عنه.

و قد رويت زيادات: بعضها صحيح، و بعضها ضعيف، و بعضها كذب موضوع.

و المصنفون من أهل الحديث في ذلك - كالبغوي، و ابن أبي الدنيا، و نحوهما: كالمصنفين من أهل الحديث في سائر المنقولات - هم ذلك أعلم و أصدق بلا نزاع بين أهل العلم. لأنهم يسندون ما ينقلونه عن الثقات، أو يرسلونه عمن يكون مرسله مقارب الصحة؛ بخلاف الاخباريين؛ فان كثيرا مما يسندونه: يسندونه عن كذاب أو مجهول. أما ما يرسلونه: فظلمات بعضها فوق بعض، و هؤلاء لعمري ممن ينقل عن غيره مسندا أو مرسلا.

و أما أهل الأهواء و نحوهم: فيعتمدون علي نقل لا يعرف له قائل أصلا، لا ثقة و لا ضعيف، و أهون شي ء عندهم الكذب المختلق، و أعلم من فيهم لا يرجع فيما ينقله الي عمدة، بل الي سماعات عن المجاهيل و الكذابين، و روايات عن أهل الافك المبين.

فقد تمن أن القصة التي يذكرون فيها حمل الرأس الي يزيد، و نكته بالقضيب: كذبوا فيها: و ان كان الحمل الي ابن زياد - و هو الناكت بالقضيب - و لم ينقل باسناد معروف أن الرأس حمل الي قدام يزيد.

و لم أر في ذلك الا اسنادا منقطعا؛ قد عارضه من الروايات ما هو أثبت منها و أظهر - نقلوا فيها: أن يزيد لما بلغه مقتل الحسين أظهر التألم [27] من ذلك.


و قال: لعن الله أهل العراق، لقد كنت أرضي من طاعتهم بدون هذا.

و قال في ابن زياد: أما انه لو كان بينه و بين الحسين رحم لما قتله [28] ، و أنه ظهر في داره الندب لقتل الحسين، و أنه لما قدم عليه أهله و تلاقي النساء تباكين، و أنه خبر ابنه عليا بين المقام عنده و السفر الي المدينة، فأختار السفر الي المدينة فجهزه الي المدينة جهازا حسنا.

فهذا و نحوه مما نقلوه بالأسانيد التي هي أصح و أثبت من ذلك الاسناد المنقطع المجهول: يبين أن يزيد لم يظهر الرضي بقتل الحسين، و أنه أظهر الألم لقتله. و الله أعلم بسريرته.

و قد علم أنه يأمر [29] بقتله ابتداء، لكنه مع ذلك ما انتقم من قاتليه، و لا عاقبهم علي ما فعلوا، اذ كانوا قتلوه لحفظ ملكه، ولو قام بالواجب في الحسين و أهل البيت رضي الله عنهم أجمعين، و لم يظهر له من العدل و حسن السيرة ما يوجب حمل أمره علي أحسن المحامل، و لا نقل أحد أنه كان علي أسوا الطرائق التي توجب الحد، ولكن ظهر من أمره في أهل الحرة ما لا نستريب أنه عدوان محرم و كان له موقف في القسطنطينية - و هو أول جيش غزاها - ما يعد من الحسنات.

و المقصود هنا: أن نقل رأس الحسين الي الشام لا أصل له في زمن يزيد، فكيف بنقله بعد زمن يزيد؟ و انما الثابت: هو نقله الي أمير العراق عبدالله بن [30] زياد بالكوفة، و الذي ذكر العلماء، أنه دفن بالمدينة.


و أما ما يرويه من لا عقل له يميز به ما يقول، و لا له المام بمعرفة المنقول: من أن أهل البيت سبوا، و أنهم حملوا علي البخاتي، و أن البخاتي نبت لها من ذلك الوقت سنامان: فهذا الكذب الواضح الفاضح لمن يقوله. فان البخاتي لا تستر امرأة، و لا سبي أهل البيت أحد، و لا سبي منهن أحد. بل هذا كما يقولون: الحجاج قتلهم.

و قد علم أهل النقل كلهم. أن الحجاج لم يقتل أحدا من بني هاشم، كما عهد اليه خليفته عبدالملك، و أنه لما تزوج بنت عبدالله بن جعفر: شق ذلك علي بني أمية و غيرهم من قريش، و رأوه ليس بكف ء لها، و لم يزالوا به حتي فرقوا بينه و بينها. بل بنو مروان علي الاطلاق لم يقتلوا أحدا من بني هاشم، لا آل علي، و لا آل عباس، الا زيد بن علي [31] المطلوب بكناسة الكوفة، و ابنه يحيي.

الوجه الخامس أنه لو قدر أنه حمل الي يزيد، فأي غرض لهم في دفنه بعسقلان، و كانت اذ ذاك ثغرا بقيم بها المرابطون؟ فان كان قصدهم تعفية خبره فمثل عسقلان تظهره، لكثرة من ينتابها للرباط، و ان كان قصدهم بركة البقعة فكيف يقصد هذا من يقال: انه عدو له مستحل لدمه، ساع في قتله؟

ثم من المعلوم: أنه دفنه قريبا عند أمه و أخيه بالبقيع أفضل له.

الوجه السادس أن دفنه بالبقيع: هو الذي تشهد له عادة القوم، فانهم كانوا في الفتن، اذا قتل الرجل فيهم - لم يكن منهم - سلموا رأسه و بدنه الي أهله، كما فعل الحجاج بابن الزبير لما قتله و صلبه، ثم سلمه الي أهله.

و قد علم أن سعي الحجاج في قتل ابن الزبير، و أن ما كان بينه و بينه من الحروب: أعظم بكثير مما كان بين الحسين و بين خصومه، فان ابن الزبير ادعاها بعد مقتل الحسين، و بايعه أكثر الناس، و حاربه يزيد حتي مات و جيشه محاربون له بعد الحرة.


ثم تولي عبدالملك غلبه علي العراق مع الشام، ثم بعث اليه الحجاج ابن يوسف، فحاصره الحصار المعروف حتي قتل، ثم صلبه، ثم سلمه الي أمه.

و قد دفن بدن الحسين في مصرعه بكربلاء، و لم ينبش، و لم يمثل به، فلم يكونوا يمتنعون من تسليم رأسه الي أهله، كما سلموا بدن ابن الزبير الي أهله، و اذا تسلم أهله رأسه، فلم يكونوا ليدعوا دفنه عندهم بالمدينة المنورة عند عمه و أمه و أخيه، و قريبا من جده صلي الله عليه و سلم، و يدفنونه بالشام، حيث لا أحد اذ ذاك ينصرهم علي خصومهم؟ بل كثير منهم كان يبغضه و يبغض أباه. هذا لا يفعله أحد.

و القبة التي علي العباس [32] يقال: ان فيها مع العباس الحسن، و علي ابن الحسين و أباجعفر محمد بن علي و جعفر بن محمد. و يقال: ان فاطمة تحت الحائط، أو قريبا من ذلك و أن رأس الحسين هناك أيضا.

الوجه السابع أنه لم يعرف قط أن أحدا، لا من السنة، و لا من الشيعة، كان ينتاب ناحية عسقلان لأجل رأس الحسين، و لا يزورونه و لا يأتونه، كما أن الناس لم يكونوا ينتابون الأماكن التي تضاف الي الرأس في هذا الوقت، كموضع بحلب.

فاذا كانت تلك البقاع لم يكن الناس ينتابونها [33] و لا يقصدونها، و انما كانوا ينتابون كربلاء، لأن البدن هناك. كان دليلا علي أن الناس فيما مضي لم يكونوا يعتقدون أن الرأس في شي ء من هذه البقاع، ولكن الذي اعتقدوه: هو وجود البدن بكربلاء، حتي كانوا ينتابونه في زمن أحمد و غيره، حتي ان في مسائله: مسائل فيما يفعل عند قبره، ذكرها أبوبكر الخلال في جامعة الكبير في زياة المشاهد.

و لم يذكر أحد من العلماء أنهم كانوا يزورون التي بالشام موضع الرأس


في شي ء من هذه البقاع غير المدينة.

فعلم أن ذلك لو كان حقا لكان المتقدمون به أعلم. ولو اعتقدوا ذلك لعملوا ما جرت عادتهم بعمله، و لأظهروا ذلك و تكلموا به، كما تكلموا في نظائره.

فلما لم يظهر عن المتقدمين - بقول و لا فعل - ما يدل علي أن الرأس في هذه البقاع: علم أن ذلك باطل. و الله أعلم.

الوجه الثامن أن يقال: مازال أهل العلم في كل وقت و زمان يذكرون في هذا المشهد القاهري المنسوب الي الحسين: أنه كذب و مين [34] ، كما يذكرون ذلك في أمثاله من المشاهد المكذوبة، مثل المشاهد المنسوبة بدمشق الي أبي بن كعب و أويس القرني، أو هود أو نوح أو غيرهما: و المشهد المنسوب بحران الي جابر بن عبدالله [35] ، و بالجزيرة الي عبدالرحمن بن عوف، و عبدالله بن عمر و نحوهما. و بالعراق الي علي رضي الله عنه و نحوه، و كذلك ما يضاف الي الأنبياء غير قبر نبينا محمد صلي الله عليه و سلم، و ابراهيم الخليل عليه السلام.

فانه لما كان كثير من المشاهد مكذوبا مختلقا، كان أهل العلم في كل وقت يعلمون أن ذلك كذب مختلق، و الكتب و المصنفات المعروفة عن أهل العلم بذلك مملوءة من مثل هذا. يعرف ذلك من تتبعه و طلبه.

و مازال الناس في مصنفاتهم و مخاطباتهم يعلمون أن هذا المشهد القاهري من المكذوبات المختلقات، و يذكرون ذلك في المصنفات، حتي من سكن هذا البلد من العلماء بذلك.

فقد ذكر أبوالخطاب بن دحية في كتابه «العلم المشهور» في هذا المشهد فصلا مع ما ذكره في مقتل الحسين من أخبار ثابتة و غير ثابتة، و مع هذا فقد ذكر أن المشهد كذب بالاجماع، و بين أنه نقل من عسقلان في آخر الدولة العبيدية،


و أنه وضع لأغراض فاسدة، و أنه بعد ذلك بقليل أزال الله تلك الدولة و عاقبها بنقيض [36] قصدها.

و مازال ذلك مشهورا بين أهل العلم حتي أهل عصرنا من ساكني الديار المصرية: القاهرة، و ما حولها.

فقد حدثني طائفة من الثقات، عن الشيخ أبي عبدالله محمد بن علي القشيري المعروف بابن دقيق العيد، و طائفة عن الشيخ أبي محمد عبدالمؤمن ابن خلف الدمياطي، و طائفة عن الشيخ أبي محمد بن القسطلاني، و طائفة عن الشيخ أبي عبدالله محمد القرطبي، صاحب التفسير و شرح أسماء الله الحسني، و طائفة عن الشيخ عبدالعزيز الديريني - كل من هؤلاء حدثني عنه من لا أتهمه، و حدثني عن بعضهم عدد كثير، كل يحدثني عمن حدثه من هؤلاء: أنه كان ينكر أمر هذا المشهد و يقول: انه كذب، و انه ليس فيه الحسين و لا رأسه. و الذين حدثوني عن ابن القسطلاني ذكروا عنه أنه قال: ان فيه نصرانيا، بل القرطبي و القسطلاني ذكروا بطلان أمر هذا المشهد في مصنفاتهما. و بينا فيها أنه كذب، كما ذكره أبوالخطاب بن دحية.

و ابن دحية هو الذي بني له الكامل دار الحديث الكاملية، و عند أخذ أبوعمرو ابن الصلاح و نحوه كثيرا مما أخذوه من ضبط الأسماء و اللغات، و ليس الاعتماد في هذا علي واحد بعينه، بل هذا اجماع من هؤلاء.

و معلوم أنه لم يكن بهذه البلاد من يعتمد عليه في مثل هذا الباب أعلم و أدين [37] من هؤلاء و نحوهم.

فاذا كانوا متفقين علي أن هذا كذب و مين: علم أن الله قد برأ منه الحسين.


و حدثني من حدثني من الثقات: أن من هؤلاء من كان يوصي أصحابه بأن لا يظهروا ذلك عنه؛ خوفا من شر العامة بهذه البلاد، لما فيهم من الظلم و الفساد. اذ كانوا في الأصل رعية للقرامطة [38] الباطنيين، و استولوا عليها مائتي سنة. فزرعوا فيهم من أخلاق الزنادقة المنافقين، و أهل الجهل المبتدعين، و أهل الكذب الظالمين: ما لم يمكن أن ينقلع الا بعد حين، فانه قد فتحها أهل الايمان و السنة في الدولة النورية و الصلاحية، و سكنها من أهل الاسلام و السنة من سكنها، و ظهرت بها كلمة الايمان و السنة نوعا من الظهور، ولكن النفاق و البدعة فيها كثير متور، و في كل وقت يظهر الله فيها من الايمان و السنة ما لم يكن مذكورا،و يطغي فيها من النفاق و الجهل ما كان مستورا.

و الله هو المسؤول أن يظهر بسائر البلاد ما يحبه و يرضاه، من الهدي و السداد و يعظم علي عباده الخير بظهور الاسلام و السنة. و يحقق ما وعد به في القرآن من علو كلمته، و ظهور أهل الايمان.

و كثير من الناس قد تخلق بأخلاق هي في الأصل من أخلاق الكفار و المنافقين و ان لم يكن بذلك من العارفين، كما يشارك النصاري في أعيادهم، و يعظم ما يعظمونه من الأمكنة و الأزمنة و الأعمال. و هو لا يقصد بذلك تعظيم الكفر، بل و لا يعرف أن ذلك من خصائصهم، فاذا عرف ذلك انتهي عنه و تاب منه.

و كذلك كثير من الناس تخلقوا من أخلاق أهل النفاق بأمور، لا يعرف أنها من أخلاق المنافقين، و اذا عرف ذلك كان الي الله من التائبين. و الله يتوب علينا و علي جميع المذنبين.

و هذا كله كلام في بطلان ذلك، و في كذبه.

ثم نقول: سواء كان صحيحا أو كذبا، فان بناء المساجد علي المقابر ليس من دين المسلمين، بل هو منهي عنه بالنصوص الثابتة عن النبي صلي الله عليه و سلم و اتفاق أئمة الدين، بل لا يجوز القبور مساجد، سواء كان ذلك ببناء


المسجد عليها، أو بقصد الصلاة عندها، بل أئمة الدين متفقون علي النهي عن ذلك، و أنه ليس لأحد أن يقصد الصلاة عند قبر أحد، لا نبي و لا غير نبي، و كل من قال: ان قصد الصلاة عند قبر أحد، أو عند مسجد بني [39] علي قبر أو مشهد، أو غير ذلك: أو مشروع، بحيث يستحب ذلك و يكون أفضل من الصلاة في المسجد الذي لا قبر فيه: فقد مرق من الدين، و خالف اجماع المسلمين. و الواجب أن يستتاب، فان تاب و الا قتل.

بل ليس لأحد أن يصلي في المساجد التي علي القبور [40] ، ولو لم يقصد الصلاة عندها، فلا يفعل ذلك لا اتفاقا و لا ابتغاء، لما في ذلك من التشبه بهم، و الذريعة الي الشرك، و وجوب التنبيه عليه و علي غيره، كما قد نص علي ذلك أئمة الاسلام من أهل المذاهب الأربعة و غيرهم. منهم من صرح


بالتحريم [41] . و منهم من أطلق الكراهة. و ليست هذه المسألة عندهم مسألة الصلاة في المقبرة العامة. فان تلك منهم من يعلل النهي عنها بنجاسة التراب، و منهم من يعلله بالتشبه بالمشركين.

و أما المساجد المبنية علي القبور. فقد كرهوه، معللين بخوف الفتنة [42] بتعظيم المخلوق، كما ذكر ذلك الشافعي و غيره من سائر أئمة المسلمين.

و قد نهي النبي صلي الله عليه و سلم عن الصلاة عند طلوع الشمس، و عند غروبها، و قال «انه حينئذ يسجد لها الكفار» فنهي عن ذلك، لما فيه من المشابهة لهم، و ان لم يقصد السجود الا للواحد المعبود [43] .


فكيف بالصلاة في المساجد التي علي القبور؟

و هذه المسألة قد بسطناها في غير هذا الجواب.

و انما كان المقصود: تحقيق مكان رأس الحسين رضي الله عنه، و بيان أن الأمكنة المشهورة عند الناس بمصر و الشام: أنها مشهد الحسين، و أن فيها رأسه فهي كذب و اختلاق، و افك و بهتان. و الله أعلم.


پاورقي

[1] و الذين جاءوا الي مصر و لقبوا أنفسهم بالفاطميين نسبة الي فاطمة الزهراء، و هي بريئة منهم، لأنهم کذابون فجار و ثنيون أدخلوا الطقوس و الرقص و الطرب في دولة الاسلام و أحالوا شعائر الدين و عباداته الي حانات لمعاقرة المنکرات، و أکثر من عالم مخلص کشف ما هم فيه من زيف و بهتان.

[2] و في الحديث الشريف (لا يدخل صاحب مکس الجنة).

[3] أي بشرق الجزيرة العربية علي شاطي‏ء الخليج الفارسي.

[4] اي لم يذهب به الي أمصار غريبة عنه.

[5] يقول القرطبي: - «لما ذهب بالرأس الي يزيد بعث به الي المدينة فأقدم اليه عدة من موالي بني‏هاشم و ضم اليهم عدة من موالي أبي‏سفيان ثم بعث بثقل الحسين و جهزهم بکل شي‏ء و لم يدع لهم حاجة بالمدينة الا أمر لهم بها، و بعث برأس الحسين عليه‏السلام الي عمرو بن سعيد بن العاص و هو اذ ذاک عامله علي المدنية فقال عمرو وددت أنه لم يبعث به الي، ثم أمر عمرو بن سعيد بن العاص برأس الحسين عليه‏السلام فکفن و دفن بالبقيع عند قبر أمه فاطمة عليها الصلاة و السلام» التذکرة (668: 2).

و قد نقل القرطبي هذا الرأي عن العلامة الحافظ أبوالعلا الهمذاني و هذا ما نطمئن اليه و نثق فيه. المحقق.

و ان کانت الامامية تقول ان الرأس أعيد الي الجثة بکربلاء بعد أربعين يوما أو الي عسقلان في مشهد هناک أو في المشهد القاهري المعروف فهذا شي‏ء باطل لا يصح و قد أنکره القرطبي أيضا و دفع ببطلانه و نحن نؤيده في رأيه.

و ابن‏کثير يؤيد رأي القرطبي فيقول: - «روي محمد بن سعد أن يزيد بعث برأس الحسين الي عمرو بن سعيد نائب المدينة، فدفنه عند أمه بالبقيع» ا. ه. البداية و النهاية (221: 8).

و قد ذکر ابن جرير الطبري أن موضع قتل الحسين بن علي رحمه الله بکربلاء قد عفي أثره حتي لم يطلع أحد علي تعيينه بخبر.

البداية و النهاية. (221: 8) بتصرف.

و قد کان أبونعيم - الفضل بن دکين - ينکر علي من يزعم أنه يعرف قبر الحسين. (السابق).

[6] کذا وردت بالأصل و الأصح (ينقلونه).

[7] ذکره ابن‏عدي و قال: - (شيعي منحرف)

و قال عنه الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال أنه لوط بن يحيي أبومخنف و قال فيه: (أنه لا يوثق به).

[8] راجع التفاصيل في التذکرة للقرطبي (667 - 666: 2) نقلا عن صحيح البخاري.

[9] ولکن الامام الطبري يقول أن يزيد بن معاوية هو الذي نکث بالقضيب في وجود أبي‏برزة الأسلمي. راجع تاريخ الطبري (356: 4)

و نفس القول يؤيده المسعودي في مروج الذهب و معادن الجوهر (71 - 70: 3).

[10] راجع البداية و النهاية (170: 8) و الاصابة (17: 2).

[11] کذا بالأصل و الأصح (الحسن).

[12] مسلم بن عقيل: و هو رسول الحسين الي عبيدالله بن زياد و قتله ابن‏زياد و کان أول رسول مبعث يقتل في الاسلام.

[13] و شمر بن ذي الجوشن کان أبرص قبحه الله و لعنه، و کان معروفا بشدة عدائه و سخيمته علي أهل البيت.

[14] الحج (18: 22).

[15] قال تعالي: - (رحمة الله و برکاته عليکم أهل البيت انه حميد مجيد) هود (73: 11)

و معني الآية: أي رحمکم الله و بارک فيکم يا أهل بيت ابراهيم. الصابوني (620: 12).

[16] العدل: الند و النظير.

[17] الحج (19: 22) راجع تفسير القرطبي (26: 12) لهذا الآية، و الفخر الرازي الکبير (22: 23) و صفوة التفاسير (882: 17).

[18] الاسترجاع: أن يقول عند نزول المصيبة (انا لله و انا اليه راجعون) و قد قال صلي الله عليه و سلم: - «ليسترجع أحدکم في کل شي‏ء حتي في شسع نعله فانها من المصائب» رواه ابن السني في عمل (اليوم و الليلة) رقم 354 و في سنده يحيي بن عبدالله التيمي لم يوثقه غير ابن‏حبان و باقي رجاله ثقات.

و قال تعالي: - (و بشر الصابرين، الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا انا لله و انا اليه راجعون) البقرة (155: 2) و (156: 2).

[19] وعد: و أوعد تقال في الخير و الشر أما الوعيد و الايعاد ففي الشر. راجع المختار ص 728 بتصرف.

[20] وعد: و أوعد تقال في الخير و الشر أما الوعيد و الايعاد ففي الشر. راجع المختار ص 728 بتصرف.

[21] و قد کرر شيخ الاسلام ابن‏تيمية في أکثر من موضع في مصنفاته القيمة الکثيرة أن الله لا يقبل عملا ما لم يتوفر فيه شيئان: الأول: أن يکون خالصا لوجه الله تعالي الثاني: أن يکون صوابا أي علي السنة خاليا من البدع و الضلالات. رحمه الله ابن‏تيمية.

[22] و في الحديث الصحيح يقول النبي صلي الله عليه و سلم: - «شفاعتي لأهل الکبائر من أمتي».

[23] هود (18: 11).

[24] راجع الفرق بين الفرق للبغدادي ص 24.

[25] المرجع السابق ص 24.

[26] السابق ص 25.

[27] و قال في ذلک الامام محمد بن حرير الطبري: -

«... فدمعت عين يزيد و قال: قد کنت أرضي من طاعتکم بدون مقتل الحسين، لعن الله ابن‏سمية، أما و الله لو أني صاحبه لعفوت عنه، فرحم الله الحسين» ا.ه.

ثم بعد ذلک يقول: - «أن يزيد بن معاوية قال لما وضعت الرؤوس بين يديه - رأس الحسين و أهل بيته و أصحابه - قال يزيد:



يفلقن هاما من رجال أعزة

علينا، و هم کانوا أعق و أظلما



أما والله يا حسين لو أنا صاحبک ما قتلتک» ا.ه. تاريخ الطبري (352: 4).

[28] قال يزيد: - «قبح الله ابن‏مرجانة لو کانت بينه و بينکم رحم أو قرابة ما فعل هذا بکم، و لا بعث بکم هکذا» تاريخ الطبري (353: 4).

[29] لعل الأصح و المقصود (لم يأمر).

[30] کذا ورد بالأصل و الأصح (عبيدالله بن زياد).

[31] و قد خرج علي هاشم بن عبدالملک بن مروان لينتزع الملک و الخلافة منه فقتله هشام بن عبدالملک في صفر سنة 122 ه.

[32] بالبقيع في المدينة.

[33] ينتابونها: ينتهون اليها.

[34] المين: بفتح الميم و سکون الياء: الکذب و الافتراء.

[35] و کذلک قبر سيدي جابر بالاسکندرية کذب مفتري روجت له طائفة من المنتفعين.

[36] و أصعب و أشق الأمور معاقبة الجاني بنقيض مقصوده و قد أقر الشارع هذا في ال فقه الاسلامي فان قاتل والديه لا يورث، اذ أنه قتل ليتعجل الميراث فعامله الشرع بنقيض مقصودة فقال لا يرث.

[37] کذا ورد بالأصول و قصد المؤلف رحمه الله أن يقول: - أعلم و أدين أي أکثر علما و أخلص دينا.

[38] و لا تزال أرض القرامطة حتي الآن موجودة في بني‏عبيد، و هي من أعمال مديرية الدقهلية من القطر المصري.

[39] کذا بالأصل و الأصح (نبي) و هو تصحيف.

[40] و لما کان مرض النبي صلي الله عليه و سلم تذاکر بعض نسائه کنيسة بأرض الحبشة يقال لها مارية - و قد کانت أم‏سلمة و أم‏حبيبة قد أتتا أرض الحبشة - فذکرن من حسنها و تصاويرها قالت: فرفع النبي صلي الله عليه و سلم رأسه فقال: - «أولئک اذا کان فيهم الرجل الصالح بنوا علي قبره مسجدا ثم صورا تلک الصور، أولئک شرار الخلق عند الله يوم القيامة» و الحديث رواه البخاري (422 - 416: 1) و مسلم (66: 2) و النسائي (115: 1): و أحمد (51: 6) و ابن‏سعد في طبقاته (241 - 240: 2).

و قال الحافظ بن رجب في فتح الباري (2: 82: 65):

«و هذا الحديث يدل علي تحريم بناء المساجد علي قبور الصالحين و تصوير صورهم فيها کما يفعله اليهود و النصاري و لا ريب أن کل واحد منهما محرم علي انفراده» ا. ه.

و من حديث آخر عن جندب بن عبدالله البجلي أنه سمع النبي صلي الله عليه و سلم قبل أن يموت بخمس و هو يقول: -

«قد کان لي فيکم اخوة و أصدقاء، و اني أبرأ - أنکر - الي الله أن يکون لي فيکم خليل، و ان الله عزوجل قد اتخذني خليلا کما اتخذ ابراهيم خليلا، و لو کنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبابکر خليلا، ألا و ان من کان قبلکم کانوا يتخذون قبور أنبيائهم و صالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فاني أنهاکم عن ذلک» رواه مسلم (68 - 67: 2) و أبو عوانه (401: 1) و الطبراني في معجمه الکبير (2: 84: 1) کذلک رواه ابن‏سعد (340: 2) مختصرا دون ذکر الأخوة و اتخاذ الخليل.

ولکن الحافظ نور الدين الهيثمي ضعفه في مجمع الزوائد (45: 9).

و قد کان من دعائه صلي الله عليه و سلم: - «اللهم لا تجعل قبري و ثنا يعبد، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»

رواه أحمد رقم (7352) و ابن‏سعد (242 - 241: 2) و أبونعيم في الحلية (317: 7) بسند صحيح.

[41] و قد ذهب الشافعية الي أنه کبيرة فقد قال الهيثمي في الزواجر عن اقتراف الکبائر (120: 1): - «الکبيرة الثالثة و الرابعة و الخامسة و السادة و السابعة و الثامنة و التاسعة اتخاذ القبور مساجد و ايقاد السرج عليها، و اتخاذها أوثانا و الطواف بها و استلامها و الصلاة اليها» و عقب علي ذلک الامام محمود الألوسي بقوله: - (و هذا کلام يدل علي فهم و فقه في الدين).

راجع روح المعاني للألوسي (31: 5).

أما مذهب الحنفية فهو الکراهة التحريمية، فالکراهة عند الحنفية انما يقصد بها التحريم يقول تلميذ أبي‏حنيفة الامام محمد: -

«لا نري أن يزداد علي ما خرج من القبر، و نکره أن يجصص أو أو يطين أو يجعل عنده مسجدا» راجع کتاب الآثار ص 45.

أما المالکية فمذهبهم التحريم: يقول القرطبي رحمه الله: - «قال علماؤنا: و هذا يحرم علي المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء و العلماء مساجد» الجامع لأحکام القرآن (38: 10) ط. دار الکتب المصرية.

أما مذهب امام أهل السنة أحمد بن حنبل فهو التحريم: يقول ابن‏القيم: - «... و علي هذا فيهدم المسجد اذا بني علي قبر کما ينبش الميت اذا دفن في المسجد، نص علي ذلک الامام أحمد و غيره فلا يجتمع في دين الاسلام مسجد و قبر، بل أيهما طرأ علي الآخر منع منه، و کان الحکم للسابق، فلو و صعا معا لم يجز و لا يصح هذا الوقف و لا يجوز، و لا تصح الصلاة في هذا المسجد لنبي رسول الله صلي الله عليه و سلم عن ذلک و لعنه من اتخذ القبر مسجدا، أو أوقد عليه سراجا فهذا دين الاسلام الذي بعث الله به رسوله و نبيه و غربته بين الناس کما تري!».

راجع زاد المعاد لابن القيم (22: 3) ط. الکردي.

[42] و هذا قبيل سد الذرائع. راجع تفسير القرطبي (57: 2) و الموافقات للشاطبي (253 - 241: 2) و (122: 4) و اعلام الموقعين لابن القيم (136: 3).

[43] و لذلک فنحن في صلاة الجنازة لا نسجد ولکن نصلي قياما أو قائمين و الحکمة في ذلک أي في خلو صلاة الجنازة من السجود انما لسد ذريعة السجود لغير الله، حتي لا يظن السجود لغير الله.

فتأمل عزيزي القاري‏ء عافاک الله و جعلنا و اياک من المقربين تدبر و تأمل دقة التشريع في سد الذريعة...!!.