بازگشت

الجواب


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله

بل المشهد المنسوب الي الحسين بن علي - رضي الله عنهما - الذي بالقاهرة كذب مختلق، بلا نزاع بين العلماء المعروفين عند أهل العلم، الذين يرجع اليهم المسلمون في مثل ذلك، لعلمهم و صدفهم. و لا يعرف عن عالم مسمي معروف بعلم و صدق أنه قال: ان هذا المشهد صحيح. و انما يذكره بعض الناس قولا عمن لا يعرف، علي عادة من يحكي من مقالات الرافضة [1] و أمثالهم من أهل الكذب.

فانهم ينقلون أحاديث و حكايات، و يذكرون مذاهب و مقالات. و اذا


طالبتهم بمن قال ذلك و نقله؟ لم يكن لهم عصمة يرجعون اليها. و لم يسموا أحدا معروفا بالصدق في نقله، و لا بالعلم في قوله. بل غاية ما يعتمدون عليه. أن يقولوا: أجمعت طائفة الحقة. و هم عند أنفسهم الطائفة الحقة، الذين هم عند أنفسهم المؤمنون، و سائر الأمة كفار.

و يقولون: انما كانوا علي الحق لأن فيهم الامام المعصوم، و المعصوم عند الرافضة الامامية الاثني عشرية [2] : هو الذي يزعمون أنه دخل سرداب سامرا بعد موت أبيه الحسن بن علي العسكري، سنة ستين و مائتين. و هو الي الآن لم يعرف له خبر، و لا وقع له أحد علي عين و لا أثر.

و أهل العلم بأنساب أهل البيت [3] يقولون: ان الحسن بن علي العسكري لم يكن له نسل و لا عقب. و لا ريب أن العقلاء كلهم لا يعدون مثل هذا القول.

و اعتقاد الامامة و العصمة في مثل هذا: مما لا يرصاه لنفسه الا من هو أسفه الناس، و أضلهم و أجهلهم. و بسط الرد عليهم له موضع غير هذا [4] .

و المقصود هنا: بيان جنس المقولات و المنقولات عند أهل الجهل و الضلالات.

فان هذا المنتظر عند الجهال الضلال: يزعمون أنه عند موت أبيه. كان عمره اما سنتين، أو ثلاثا، أو خمسا، علي اختلاف بينهم في ذلك.

و قد علم بنص القرآن و السنة المتواترة، و جماع [5] الأمة: أن مثل هذا يجب أن يكون تحت ولاية غيره في نفسه و ماله. فتكون نفسه محضونة مكفولة لمن


يستحق كفالته الشرعية، تحت من يستحق النظر في ماله من وصي أو غيره. و هو قبل السبع لا يؤمر بالصلاة. فاذا بلغ السبع أمر بها، فاذا بلغ العشر و لم يصل أدب علي فعلها. فكيف يكون مثل هذا اماما معصوما، يعلم جميع الدين، و لا يدخل الجنة الا من يؤمن به؟!

ثم بتقدير وجوده، و امامته و عصمته، انما يجب علي الخلق أن يطيعوا من يأمرهم بما أمرهم الله به و رسوله، و ينهاهم عما نهاهم عنه الله و رسوله، فاذا لم يروه و لم يسمعوا كلامه، لم يكن لهم طريق الي العلم بما يأمر به و ما ينهي عنه، فلا يجوز تكليفهم طاعته، اذ لم يأمرهم يشي ء، و طاعة من لا يأمر، ممتنعة لذاتها، و ان قدر أنه يأمر، و لم يصل اليهم أمره، و لا يتمكنون من العلم بذلك، كانوا عاجزين غير مطيقين لمعرفة ما أمروا به، و التمكن من العلم شرط في الأمر، لاسيما عند الشيعة المتأخرين، فانهم من أشد الناس منعا لتكليف ما لا يطاق، لموافقتهم المعتزلة في القدر و الصفات أيضا.

و ان قيل: ان ذلك بسبب ذنوبهم، لأنهم أخافوه أن يظهر.

قيل: هب أن أعداءه أخافوه، فأي ذنب لأوليائه و محبيه، و أي منفعة لهم من الايمان به، و هو لا يعلمهم شيئا و لا يأمرهم بشي ء؟

ثم كيف جاز له - مع وجوب الدعوة عليه - أن يغيب هذه الغيبة التي لها الآن [6] أكثر من أربعمائة و خمسين سنة.

و ما الذي يسوغ له هذه الغيبة، دون آبائهم الموجودين قبل موتهم: كعلي، و الحسن، و الحسين، و علي بن الحسين، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد، و موسي بن جعفر، و علي بن موسي، و محمد بن علي، و علي بن محمد، و الحسين بن علي العسكري؟!

فان هؤلاء كانوا موجودين يجتمعون بالناس و قد أخذ عن علي و الحسين


و الحسين، و علي بن الحسين، و محمد بن علي، و جعفر بن محمد - من العلم ما هو معروف عند أهله، و الباقون لهم سبر معروفة، و أخبار مكشوفة.

فما باله استحل هذا الاختفاء هذه المدة الطويلة أكثر من أربعمائة سنة، و هو امام الأمة، بل هو علي زعمهم، هاديها و داعيها و معصومها، الذي يجب عليها الايمان به. و من لم يؤمن به فليس بمؤمن عندهم؟

فان قالوا: الخوف.

قيل: الخوف علي آبائه كان أشد، بلا نزاع بين العلماء، و قد حبس بعضهم.

ثم الخوف انما يكن اذا حارب. فأما اذا فعل كما كان يفعل سلفه من الجلوس مع المسلمين و تعليمهم لم يكن عليه خوف.

و بيان ضلال هؤلاء طويل.

و انما المقصود بيانه هنا: أنهم يجعلون هذا أصل دينهم.

ثم يقولون: اذا اختلفت الطائفة الحقة علي قولين، و أحدهما يعرف قائله، و الآخر، لا يعرف قائله، كان القول الذي لا يعرف قائله الحق، و هكذا وجدته في كتب شيوخهم، و عللوا ذلك، بأن القول لا يعرف هو قائله يكون من قائليه الامام المعصوم، و هذا نهاية الجهل و الضلال.

و هكذا ما ينقلونه من هذا الباب، ينقلون سيرا و حكايات و أحاديث، اذا ما طالبتهم باسنادها، لم يحلوك علي رجل معروف بالصدق، بل حسب أحدهم أن يكون سمع ذلك من آخر مثله، أو قرأه في كتاب ليس فيه اسناد معروف، و ان سموا أحدا: كان من المشهورين بالكذب و البهتان. لا يتصور قط أن ينقلوا شيئا مما لا يعرفه علماء السنة الا عن مجهول لا يعرف، أو عن معروف بالكذب.

و من هذا الباب نقل الناقل: أن هذا مشهد الحسين رضي الله عنه، بل و كذلك مشاهير غير هذا مضافة الي الحسين، بل و مشاهد مضافة الي قبر


الحسين رضي الله عنه، فانه باتفاق الناس: أن هذا المشهد بني عام بضع و أربعين و خمسمائة و أنه نقل من مشهد بعسقلان! و أن ذلك المشهد - بعسقلان - كان قد أحدث بعد التسعين و أربعمائة.

فأصل هذا المشهد القاهري: هو ذلك المشهد العسقلاني. و ذلك العسقلاني محدث بعد مقتل الحسين بأكثر من أربعمائة و ثلاثين سنة، و هذا بعد مقتله بقريب من خمسمائة سنة، و هذا مما لم يتنازع فيه اثنان ممن تكلم في هذا الباب من أهل العلم، علي اختلاف أصنافهم - كأهل الحديث، و مصنفي أخبار القاهرة، و مصنفي التواريخ، و ما نقله أهل العلم طبقة عن طبقة [7] . و هذا بينهم مشهور متواتر، سواء قيل: ان اضافته الي الحسين صدق أو كذب - لم يتنازعوا أنه نقل من عسقلان في أواخر الدولة العبيدية.

و اذا كان أصل هذا المشهد القاهري هو ما نقل عن ذلك المشهد العسقلاني باتفاق الناس و بالنقل المتواتر، فمن المعلوم أن قول القائل: ان ذلك الذي بعسقلان هو مبني علي رأس الحسين رضي الله عنه: قول بلا حجة أصلا. فان هذا لم ينقله أحد من أهل العلم الذين من شأنهم نقل هذا لا من أهل الحديث. و لا من علماء الأخبار و التواريخ، و لا من العلماء المصنفين في النسب: نسب قريش أو نسب بني هاشم و نحوه.

و ذلك المشهد العسقلاني: أحدث في آخر المائة الخامسة، لم يكن قديما، و لا كان هناك مكان قبله، أو نحو مضاف الي الحسين، و لا حجر منقوش و لا نحوه مما يقال، انه علامة علي ذلك.

فتبين بذلك: أن اضافة المضيف مثل هذا الي الحسين قول بلا علم أصلا. و ليس مع قائل ذلك ما يصلح أن يكون معتمدا، لا نقل صحيح و لا ضعيف، بل لا فرق بين ذلك و بين أن يجي ء الرجل الي بعض القبور التي


بأمصار المسلمين، فيدعي أن في واحد منها رأس الحسين أو يدعي أنه قبر نبي من الأنبياء، أو نحو ذلك مما يدعيه كثير من أهل الكذب و الضلال.

و من المعلوم أن مثل هذا القول غير مقبول باتفاق المسلمين.

و غالب ما يستند اليه الواحد من هؤلاء: أن يدعي أنه رأي مناما، أو أنه وجد بذلك القبر علامة تدل علي صلاح ساكنه: اما رائحة طيبة، و اما خرق عادة و نحو ذلك، و اما حكاية عن بعض الناس: أنه كان يعظم ذلك القبر.

فأما المنامات فكثير منها، بل أكثرها كذب، و قد عرفنا في زماننا بمصر و الشام و العراق من يدعي أنه رأي منامات تتعلق ببعض البقاع انه قبر نبي، أو أن فيه أثر نبي، و نحو ذلك، و يكون كاذبا. و هذا الشي ء منتشر.

فرائي المنام قد يكون كاذبا، و بتقدير صدقه: فقد يكون الذي أخبره بذلك شيطان.

و الرؤيا المحضة التي لا دليل يدل علي صحتها لا يجوز أن يثبت بها شي ء بالاتفاق، فانه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلي الله عليه و سلم أنه قال: «الرؤيا ثلاثة: رؤيا من الله، و رؤيا مما يحدث به المرء نفسه، و رؤيا من الشيطان» [8] .


فاذا كان جنس الرؤيا تحته أنواع ثلاثة، فلابد من تمييز نوع منها من نوع.

و من الناس - حتي من الشيوخ الذين لهم علم و زهد - من يجعل مستنده في مثل ذلك: حكاية يحكيها عن مجهول. حتي يقول: حدثني أخي الخضر أن قبر الحسين بمكان كذا و كذا - و من المعلوم الذي بيناه في غير هذا الموضع أن الخضر قد مات [9] - أو رأي شخصا يقول: اني الخضر، أو ظن الرائي أنه الخضر، ان كل ذلك لا يجوز.

و أما ما يذكر من وجود رائحة طيبة، أو خرق عادة أو نحو ذلك بتعلق بالقبر: فهذا لا يدل علي تعينه، و أنه فلان أو فلان، بل غاية ما يدل عليه - اذا ثبت - أن ذلك دليلا علي صلاحه، و أنه قبر رجل صالح أو نبي [10] .

و قد تكون تلك الرائحة مما صنعه بعض المكتسبين من القبر، فان هذا مما يفعله من هؤلاء، كما حدثني بعض أصحابنا: أنه ظهر بشاطي ء الفرات رجلان، كان عند أحدهما قبر تجبي عليه أموال ممن يزوره و ينذر له من الضلال، فعمد الآخر الي قبر - زعم أنه رأي في المنام أنه قبر عبدالرحمن بن عوف - و جعل فيه من أنواع الطيب ما ظهرت له رائحة عظيمة.

و قد حدثني جيران القبر الذي بجبل لبنان بالبقاع - الذي يقال انه قبر نوح - و كان قد ظهر قريبا في أثناء المائة السابعة، و أصله: أنهم شموا من قبر


رائحة طيبة و وجدوا عظاما كبيرة، فقالوا: هذه تدل علي كبر خلق الجنة فقالوا - بطريق الظن - هذا قبر نوح، و كان بالبقعة موتي كثيرون من جنس ذلك الميت [11] .

و كذلك هذا المشهد العسقلاني قد ذكر طائفة: أنه قبر بعض الحواريين أو غيرهم من أتباع عيسي بن مريم.

و قد يوجد عند قبور الوثنيين أشياء من جنس ما يوجد عند قبور المؤمنين من أمتنا، بل يزعم الزاعم أنه قبر الحسين ظنا و تخرصا.

و كان من الشيوخ المشهورين بالعلم و الدين بالقاهرة من ذكروا عنه أنه قال: هو قبر نصراني.

و كذلك بدمشق بالجانب الشرقي مشهد يقال: انه قبر أبي كعب. و قد اتفق أهل العلم علي أن أبيا لم يقدم دمشق، و انما مات بالمدينة، فكان بعض الناس يقولون: انه قبر نصراني، و هذا غير مستبعد. فان اليهود و النصاري هم ائمة في [12] تعظيم القبور و المشاهد، و لهذا قال النبي صلي الله عليه و سلم في الحديث المتفق عليه: «لعن الله اليهود و النصاري: اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما فعلوا» [13] .


و النصاري أشد غلوا في ذلك من اليهود كما في الصحيحين: «ن النبي صلي الله عليه و سلم ذكرت له أم حبيبة و أم سلمة رضي الله عنهما كنيسة رأرض الحبشة، و ذكرنا من حسنها و تصاوير فيها. فقال: ان أولئك اذا كان فيهم الرجل الصالح، فمات بنوا علي قبره مسجدا، و صوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عندالله يوم القيامة».

و النصاري كثيرا ما يعظمون آثار القديسين منهم. فلا يستعبد أنهم ألقوا الي بعض جهال المسلمين أن هذا قبر بعض من يعظمه المسلمون، ليوافقوهم علي تعظيمه.

كيف لا؟ و هم قد أضلوا كثيرا من جهال المسلمين حتي صاروا يعمدون أولادهم، و يزعمون أن ذلك يوجب طول العمر للولد [14] ، و حتي جعلوهم يزورون ما يعظمونه من الكنائس و البيع، حتي صار كثير من جهال المسلمين ينذرون للمواضع التي يعظمها النصاري، كما قد صار كثير من جهالهم يزورون كنائس النصاري، و يلتمسون البركة من قسيسيهم و رهابينهم و نحوهم.

و الذين يعظمون القبور و المشاهد: لهم شبه شديد بالنصاري، حتي انه لما قدمت القاهرة اجتمع بي بعض فضلاء الرهبان، و ناظرني في المسيح و دين النصاري، حتي بينت له فساد ذلك، و أجبته عما يدعيه من الحجة، و بلغني بعد ذلك أنه صنف كتابا في الرد علي المسلمين، و ابطال نبوة محمد صلي الله عليه و سلم، و أحضره بعض المسلمين، و جعل يقرؤه علي لأجيب عن حجج النصاري و أبين فسادها [15] .

و كان من أواخر ما خاطبت به النصراني: أن قلت له: أنتم مشركون


و بينت من شركهم ما عليه من العكوف علي التماثيل و القبور و عبادتها، و الاستغاثة بها.

فقال لي: نحن ما نشرك بهم و نعبدهم: و انما نتوسل بهم، كما يفعل المسلمون اذا جاءوا الي قبر الرجل الصالح، فيتعلقون بالشباك الذي عليه و نحو ذلك.

فقلت له: و هذا أيضا من الشرك، و ليس هذا من المسلمين، و ان فعله الجهال؟ فأقر أنه شرك، حتي ان قسيسا كان حاضرا في هذه المسألة، فلما قرأها قال: نعم، علي هذا التقدير: نحن مشركون.

و كان بعض النصاري يقول لبعض المسلمين: لنا سيد و سيدة، ولكن س يد و سيدة، لنا السيد المسيح و السيدة مريم، ولكم السيد حسين و السيدة نفيسة.

فالنصاري يفرحون بما يفعله أهل البدع و الجهل من المسلمين مما يوافق دينهم و يشابهونهم فيه، و يحبون أن يقوي ذلك و يكثر، و يحبون أن يجعلوا رهبانهم مثل عباد المسلمين و قسيسيهم مثل قضاة المسلمين، و يضاهؤون المسلمين، فان عقلاءهم لا ينكرون صحة دين الاسلام، بل يقولون: هذا طريق الي الله، و هذا طريق الي الله.

و لهذا يسهل اظهار الاسلام علي كثير من المنافقين الذين أسلموا منهم، فان عنده: أن المسلمين و النصاري كأهل المذاهب من المسلمين، بل يسمون الملل مذاهب، و معلوم أن أهل المذاهب - كالحنفية و المالكية و الشافعية و الحنبلية - دينهم واحد. و كل من أطاع الله رسوله منهم بحسب وسعه كان مؤمنا سعيدا باتفاق المسلمين.

فاذا اعتقد النصاري مثل هذا من الملل يبقي انتقال أحدهم عن ملته كانتقال الانسان من مذهب الي مذهب. و هذا كثيرا ما يفعله الناس لرغبة أو


رهبة، فاذا بقي أقاربه و أصدقاؤه علي المذهب الأول لم ينكر ذلك، بل يحبهم و يودهم في الباطن. لأن المذهب كالوطن، و النفس تحن الي الوطن، اذا لم تعتقد أن المقام به محرم.

فلهذا يوجد كثير ممن أظهر الاسلام من أهل الكتاب لا يفرق بين المسلمين و أهل الكتاب.

ثم منهم من يميل الي المسلمين أكثر، و منهم من يميل الي ما كان عليه أكثر. و منهم من يميل الي أولئك من جهة الطبع و العادة، أو من جهة الجنس و القرابة و البلد، و المعاونة علي المقاصد. و نحو ذلك.

و هذا كما أن الفلاسفة و من سلك سبيلهم من القرامطة [16] و الاتحادية [17] و نحوهم، يجوز عندهم أن يتدين الرجل بدين المسلمين و اليهود و النصاري.

و معلوم أن هذا كله كفر باتفاق المسلمين.

فمن لم يقر باطنا و ظاهرا بأن الله لا يقبل سوي الاسلام [18] ،


فليس بمسلم.

و من لم يقر بأن بعد مبعث محمد صلي الله عليه و سلم ليس مسلم الا من آمن به و اتبعه باطنا و ظاهرا [19] ، فليس بمسلم. و من لم يحرم التدين - بعد مبعثه صلي الله عليه و سلم - بدين اليهود و النصاري، بل من لم يكفرهم و يبغضهم فليس بمسلم باتفاق المسلمين.

و المقصود هنا: أن النصاري يحبون أن يكون المسلمين ما يشابهونهم به ليقوي بذلك دينهم، و لئلا ينفر المسلمون من دينهم.

و لهذا جاءت الشريعة الاسلامية بمخالفة اليهود و النصاري، كما قد بسطناه في كتاب: (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم).

و قد حصل للنصاري من الجهال كثير من مطلوبهم، لاسيما من الغلاة من الشيعة، و جهال النساك و الغلاة في المشايخ؛ فان فيهم شبها قويا للنصاري في الغلو، و البدع في العبادات و نحو ذلك، فلهذا يلبسون علي المسلمين في مقابر تكون من قبورهم، حتي يتوهم الجهال أنها من قبور صالحي المسلمين.

و اذا كان ذلك المشهد العسقلاني قد قال طائفة: انه قبر بعض النصاري أو بعض الحواريين - و ليس معنا ما بدل أنه قبر مسلم - فضلا عن أن يكون قبرا لرأس الحسين - كان قول من قال: انه قبر مسلم - الحسين أو غيره - قولا مردودا علي قائله.

فهذا كاف في المنع من أن يقال: هذا مشهد الحسين.



پاورقي

[1] و من الروافض السبئية الذين أظهروا بدعتهم في زمان علي رضي الله عنه، فقال بعضهم لعل أنت الاله، فأحرق عي قوما منهم، و نفي زعيمهم عبدالله بن سبأ الي ساباط المدائن، و هذه ليست فرقة اسلامية لأنهم قالوا أن عليا اله.

ثم افترقت الرافضة - بعد زمان علي رضي الله عنه أربعة أصناف: زيدية و امامية، و کيسانية و غلاة، و افترقت الزيدية فرقا و الامامية فرقا، و الغلاة فرقا، و کل فرقة تکفر سائرها، و جميع فرق الغلاة خارجون عن فرق الاسلام، و قد جعل البغدادي فرقة الزيدية من الرافضة، مع أن الزيدية أتباع زيدين علي الباقين علي اتباع و الرافضة هم الذين کانوا معه ثم ترکوه.

راجع الفرق بين الفرق للبغدادي بتحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبدالحميد ص 21 بتصرف ط. دار المعرفة بلبنان، و مقالات الاسلاميين (129: 1) و مروج الذهب للمسعودي (220: 3) ط. دار المعرفة أيضا. و عن الکيسانية أرجو مراجعة مروج الذهب (87: 3) و عن الامامة تحدث المسعودي أيضا (236: 3) فراجعه.

[2] و الامامية خمس عشرة فرقة منها الاثنا عشرية.

راجع الفرق بين الفرق للبغدادي ص 23 بتصرف.

[3] مثل الزبير بن بکار نسابة قريش.

[4] راجع کتابه (منهاج السنة النبوية في نقض کلام الشيعة و القدرية).

[5] کذا ورد بالاصل و لعل الأصوب (اجماع).

[6] الآن أي عصر ابن‏تيمية رحمه الله المتوفي سنة 728 ه و من هذه الغيبة الي عصرنا هذا 1137 سنة ه.

[7] يقول القرطبي في التذکرة (668: 2): «و الامامية تقول ان الرأس أعيد الي الجثة بکربلاء بعد أربعين يوما من القتل، و هو يوم معروف عندهم يسمون الزيادة فيه زيادة الأربعين، و ما ذکر أنه في عسقلان في مشهد هناک أو بالقاهرة فشي‏ء باطل لا يصح و لا يثبت» م ه.

[8] قال تعالي: «لهم البشري في الحياة الدنيا و في الآخرة» قالوا انها الرؤيا الصادقة يراها المؤمن أو تري له.

أما الرؤيا التي تنجم عن حديث المرء نفسه فهذه ترجع الي اضطرابات نفسية ينطلق فيها اللاشعور بالرغبات المکبوتة فيري الحالم أمنياته الشاقة التي لم تتحقق في اليقظة يراها تتحقق في المنام.

أما رؤيا الشياطين و هي الأحلام فقد ورد فيها قوله تعالي:

«قالوا أضفاث أحلام، و ما نحن بتأويل الأحلام بعالمين» يوسف (44:12) و في الحديث الصحيح أن النبي صلي الله عليه و سلم أتاه رجل فقال يا رسول الله رأيت کأن رأسي قطع و أنا أتبعه، فقال لا تتحدث بتلاعب الشيطان بک في المنام.

راجع تعطير الأنام في تعبير المنام للنابلسي طبعة الحلبي (4: 1).

[9] و الخضر عليه‏السلام قد مات بنص القرآن القطعي لقوله تعالي:

«و ما جعلنا لبشر من قبلک الخلد» الأنبياء (34: 21) و أرجو أن تراجع تفسير هذه الآية في الجامع لأحکام القرآن (283: 11) ط. دارالکتب، زاد المسير (348: 5) و مختصر ابن‏کثير (507: 2).

و تقول بعض الفرق الهالکة ان الخضر لم يمت و أنهم عيانا و يتحدثون اليه و يتحدث اليهم و يستمدون منه أصول التشريع و يطمئنهم علي معتقداتهم، تلک کلها ضلالات شيطانية يا عزيزي القاري‏ء فلا تتوقف عندها، لأن الخضر مات کأي بشر، و هو ليس أفضل من رسول الله صلي الله عليه و سلم و هو صاحب کل فضل و فضيلة و کان أولي بالخلود من الخضر و غيره.

[10] و قبر سيدنا رسول الله صلي الله عليه و سلم هو القبر النبوي الوحيد الذي اتفق عليه بالاجماع و ما سواه من قبور الأنبياء لم يحصل عليه الاجماع مثله.

[11] و منذ فترة يسيرة طالعتنا الصحف و المجلات بخبر عن اکتشاف علمي صارخ و هو العثور علي مومياء يوسف الصديق عليه الصلاة و السلام و أخذت وسائل الاعلام تروج لهذه الأساطير التي تفتقد الدليل العلمي و الديني القوي الذي يوثقها بل و تفتقر الي المنطق السوي المستقيم، قلت: لا حول و لا قوة الا بالله، في القرن العشرين و لا زلنا موضع سخرية من الواقع الأليم، خرافات و أساطير تفرخ و تطير في کل ناحية من غير دليل أو برهان أو سند من علم أو فقه أو کتاب أو سنة.

[12] تأمل شيخ الاسلام ابن تيمية و هو يسخر منهم بقوله (هم الأئمة في تعظيم القبور و المشاهد) رحمه الله و جمعنا به في دار کرامته.

[13] فقد روي عن عائشة و ابن‏عباس رضي الله عنهما انه صلي الله عليه و سلم کشفها عن وجهه و هو يقول: - «لعنة الله علي اليهود و النصاري اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، تقول عائشة: يحذر مثل الذي صنعوا» و الحديث رواه البخاري (386: 6) - (422: 1) و (116: 8) و مسلم (67: 2) و النسائي (115: 1) و الدارمي (326: 1) و أحمد (218: 1) و (34: 6).

[14] و من دواعي الأسف الشديد أن جهال المسلمين يأخذون بهذه الضلالات و الوثنيات فيدخلوا في نطاق الشرک و هو لا يشعرون، حتي أصبحوا يقلدون اليهود و النصاري في طقوسهم الوثنية.

[15] راجع کتاب (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) لشيخ الاسلام أحمد بن تيمية رحمه الله في الرد علي أوهام و أغلاط النصاري و کشف ما هم فيه من زيف و ضلال.

[16] و القرامطة اسم شهرة للاسماعيلية و سموا بالباطنية، لأنهم قالوا أن لکل ظاهر باطنا و لکل تنزيل تأويلا، و لهم أتعاب کثيرة سوي هذه علي لسان قوم قوم:

فبالعراق يسمون الباطنية و القرامطة و المزدکية، و بخراسان يسمون التعليمية و الملحدة، و هم يقولون نحن الاسماعيلية لأنا تميزنا عن فرق الشيعة بهذا الاسم.

راجع الملل و النحل للشهرستاني (192: 1) ط. الحلبي

و الباطنية درجات في دعوتهم. راجع الفرق بين الفرق للبغدادي ص 301.

[17] الاتحادية: و هي فرقة هالکة خرجت علي السنة و الجماعة و فحوي دعوتها الزندقية أن المخلوق اتحد بالخالق فأصبح الاثنان ذاتا واحدة فالخالق عندهم و المخلوق سواء، کذلک القائلين بالحلول مثل محيي الدين بن عربي صاحب الفتوحات المکية الذي قال أن الله روحه حلت في کل الموجودات و کلا الحلوليين و الاتحاديين زنادقة کفرة لتأويلاتهم و شطحاتهم و قد کفرهم ابن‏تيمية و ابن القيم و ابن‏الجوزي و علماء السلف الغيورين علي عقيدة التوحيد.

راجع في الحلولية التبصير (ص 77) و الفرق بين الفرق (ص 259).

[18] لقوله تعالي في صريح النص القرآني: - «ان الدين عندالله الاسلام» آل عمران (19: 3) کذلک لقوله: - «و من يبتغ غير الاسلام دينا قلن يقبل منه» آل عمران (85: 3) راجع تفسير الطبري. (575: 6).

[19] و البعض الصوفيون هم الذين جعلوا للقرآن ظاهرا و باطنا و قالوا أن العلماء و الفقهاء هم أهل الظاهر أما الصوفية فهم أهل الأسراء و أهل الباطن.