بازگشت

للامام تقي الدين أبي العباس أحمدبن عبدالحليم ابن تيمية الحراني الدمشقي


ولد الامام العلامة ابن تيمية [1] سنة 661 ه في أيام الملك الظاهر بيبرس و الذي كان حاكما علي مصر و الشام آنذاك، و قد كان من أقوي الملوك المسلمين بعد صلاح الدين الأيوبي.

و قد ولد ابن تيمية بعد تدمير بغداد بخمس سنوات، و دخل التتار حلب و دمشق قبل مولده بثلاث سنوات فلما شب و كبر و حكي له معاصر و هذه الحملات الضارية و الوحشية من التتار، حتي أن مسقط رأسه (حران) لم تسلم من أذي هؤلاء القوم المجرمين الذين لم يراعوا الله و لا الانسانية في هذه البلاد الآمنة. و سمع ابن تيمية و رأي و هو صبي أنهار الدماء المسفوك المسفوح تجري حوله من كل مكان و هو ابن سبع سنين تقريبا في بلدته حران التي نشأت فيها أسرته و بيته.

و في هذه الجو المشحون بالكمد و الاحن نهض لفيف من العلماء و الأئمة الكبار و الفقهاء أمثال ابن الصلاح و النووي و العز بن عبدالسلام و المزي و الذهبي، كما نبغ في عصر ابن تيمية أيضا قاضي القضاة كمال الدين


الزملكاني، و القزويني و السبكي و ابن حيان التوحيدي. و رغم وجود هؤلاء العلماء الأفذاذ الا أن العلماء كان مقسما بالبساطة و السطحية و قلة التعمق في المسائل الفقهية و الشرعية.

و اتسم الفقه آنئذ بالجمود و التحجر و ليس ثمة أضر علي الاسلام و المسلمين من تحجر الفكر و جمود القرائح و هذا ما حدث ابان الحروب التترية و الصليبية في عصر ابن تيمية.

و اذا احتدمت الحروب لجأ الناس الي الدين، و ما أضر الناس و لا أضر المسلمين مثل القضايا الجدلية و المسائل الكلامية و الفلسفة السفسطائية التي تظهر فصاحة و بيانا و تضمر جهلا مشينا بحقائق الدين و فطرته الجميلة.

و قد كانت أسرة العلامة الفقيه الحافظ ابن تيمية أسرة علم و فضل علي مذهب الامام أحمد بن حنبل بل كانت زعيمة للمذهب الحنبلي في تلك الديار اذ كان جده اماما للمذهب الحنبلي في عصره.

قال الذهبي: - «قال لي شيخ الاسلام ابن تيمية بنفسه أن الشيخ ابن مالك كان يقول: لقد ألان الله الفقه لممجد الدين بن تيمية كما ألان الحديد لداود عليه السلام» ا. ه.

و قد درس ابن تيمية العلوم المعروفة في عصره و عني عناية خاصة باللغة العربية و النحو و الصرف كما اهتم بدارسة الحساب و الرياضة و الحظ و أبدي اهتماما خاصا بالفقه و علم الأصول و الحديث و التفسير و علم الفرائض، و لعل علم التفسير كان من أحب العلوم و آثرها عند ابن تيمية حتي قيل انه كان يقرأ في الآية الواحدة نحو مائة تفسير، تأمل قوله في ذلك: -

«ربما طالعت علي الآية الواحدة نحو مائة تفسير، ثم أسأل الله الفهم و أقول يا معلم آدم و ابراهيم علمني، و كنت أذهب الي المساجد المهجورة و نحوها، و أمرغ وجهي في التراب و أسأل الله و أقول: يا معلم ابراهيم فهمني» ا. ه.


و قد كان ابن تيمية رحمه الله متوقد الذكاء كثير الزكانة و الفطنة سريع الفهم و الاستيعاب فقد كان يفتي في أمور الدين و هو ابن الثانية و العشرين من عمره.

و مصنفات ابن تيمية و مؤلفاته تدل علي سعة اطلاعه و عمق ثقافته و قوة شخصية فهو عندما يعرض لمسألة من المسائل أو قضية من القضايا يحشد لك كل البراهين و الأدلة العقلية و العلمية ليقوي بها حجته و يؤكد بها رأيه و هو لا ينفك يستشهد بآيات القرآن الكريم في كل ما يتعرض له من أدلة و اثباتات فقهية أو شرعية و هو بذلك لا يترك القاري ء حتي يقنعه تماما بوجهة نظره و صلابة رأيه.

و لا يخفي علي أحد أن تيمية حمل لواء بعث الفكر الاسلامي و تجديد العلوم الشرعية و رفع لواء التوحيد و محاربة البدع و الأهواء و الردود العنيفة القوية علي الفرق الهالكة التي كادت للاسلام و نقده العنيف المر للفلسفة و الميتافيزيقا و علم الكلام و ترجيح منهج الكتاب و السنة و أسلوبهما علي كل أسلوب و منهج.

لقد كان ابن تيمية حربا حامية الوطيس لم يخمد لظاها و ما أخبي سعيرها علي رعونة المبتدعين في عصره انما كان سيفا مصلتا علي رقاب الخارجين و المارقين المرجفين.

و قد أورد الحافظ ابن كثير في كتابه التاريخي المشهور (البداية و النهاية) كثيرا من مناظرات ابن تيمية مع فقهاء عصره.

و قد كانت ثمة صراعات شتي بين ابن تيمية و تلميذه ابن القيم الجوزية من ناحية و بين الصوفية من ناحية أخري و قد شدد علي أقطابهم و لاسيما الذين قالوا بالحلول و بالوحدة أمثال محيي الدين بن عربي و الحلاج و رماهم بالزندفة و الكفر و الالحاد.

و لقاء اخلاصه في دعوته كابد ابن تيمية رحمه الله و عاني من البطش و التعذيب فقد كاد له خصومه و أعداؤه و دخل السجن مرات عديدة، و قد توفي و هو في السجن رحمه الله و جزاه عن الاسلام خيرا و ألحقنا به في دار كرامته. آمين.

السيد الجميلي.



پاورقي

[1] راجع ترجمة شيخ الاسلام ابن‏تيمية في فوات الوفيات (45 - 35: 1) و الدرر الکامنة (144: 1) و البداية و النهاية (135: 14) و ابن الوردي (284: 2) و آداب اللغة (243: 3) و النجوم الزاهرة (271: 9) و تهذيب ابن‏عساکر (28: 2) و دائرة المعارف الاسلامية (109: 1).