رأينا الخاص في هذه القضيه
لم يختلف المؤرخون فيما عرض لهم و عرض عليهم من مسائل التاريخ مثلما اختلفوا في قضية مقتل الامام الحسين، من بدايتها حتي نهايتها من الدوافع الأولية الي الخديعة و خيانة الأعراب.
و قد اختلطت كما أسلفنا الروايات الحقيقية بالمكذوبة التي افتراها البعض و روجوا لها بأسلوب يهدر كل القيم و المثل و مهما كان من أمر فان الجريمة بشعة لكنها لا تخرج عن منافحة و مجاهدة في سبيل الحق، رجل رغب عن الدنيا و رغب في الآخرة، و كلف بالباقية فهانت عليه الفانية، فنال خير ما يتمني الصالحون نال الشهادة و هي أعظم و أجل ما يطمح اليه و يطمع فيه المسلم الصدوق.
ولكن لي في هذه المسألة جملة من الخواطر و الآراء أوجزها فيما يلي:
أن الحسين بن علي رضي الله عنه قد أحسن الظن بالأعراب فكان تعويله علي خطاباتهم و رسلهم اليه ثقة مطلقة لم يضع لها احتمالا للخيانة أو الخديعة.
اصرار الحسين علي الخروج رغم تحذير أقربائه و أصحابه و ناصحيه فلم يأخذ برأي أي منهم كانت نقطة عليه لاله، و كأنه نسي قول جده صلي الله عليه و سلم: - «ما خاب من استخار و ما ضل من استشار»
لما قتل مسلم ابن عقيل روي ابن كثير أن الحسين اقتنع في آخر لحظة بالقفول و الاياب من حيث خرج لكن أخوة مسلم بن عقيل أصروا علي التقدم و لم يمتثلوا ارادة الحسين رضي الله عنه مصممين علي الأخذ بالثأر لأخيهم فكان الحسين في أعصي جند.
و ذلك مثل الذي حدث لأبيه علي اذ خذله الشيعة، و لذلك قال معاوية: «نصرت علي علي بأربع: كان يفشي سره و كنت أكتمه، و كان في أعصي جند و كنت في أطوع جند... ألخ».
الذي يدان به يزيد أنه أضمر الانتقام رغم دهاء سمته الذي ورثه عن أبيه معاوية و عن جده أبي سفيان و ان لم يعدم الحلم الموروث عنهما الا أنه كان مصرا علي أشد الانتقام عندما عمد الي تعيين عبيدالله بن زياد في قيادة الجند و وكل اليه و شمر بن ذي الجوشن مواجهة الحسين تحت قيادة عمرو بن سعد و هؤلاء الثلاثة معروفون بعدائهم الشديد و سخيمتهم الملتهبة وحدة شرتهم نحو أهل البيت لذلك فلم يراعوا الله في ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و سلم و شددوا عليه و حصروه و أحصروا بجنوده و رجاله و قد احتوشوهم جميعا و أعملوا في رقابهم السيف اثخانا و تنكيلا بلا رحمة أو هوادة، ثم يأتي بعد ذلك يزيد فيقول: «قبحه الله ابن مرجانة - و في رواية سمية - أما والله لو كنت صاحبه لتركته، رحم الله أبا عبدالله و غفر له [1] .
فان كان الذي حدث لم يكن يرضي يزيد فكيف يكون ذلك متمشيا مع المنطق و مع الواقع، و هل تم القتل و الاثخان من أهل البيت و الكلاب المسعورة الضالة تحتوشهم من كل جانب تلغ في دمائهم هل تم ذلك الا بأمره و هل كان عبيدالله بن زياد أو عمرو بن سعد أو غيرهما الا مأمورين من يزيد؟؟!!
و لماذا لم يعاقب يزيد بن معاوية القاتل أو القتلة علي هذه الجريمة النكراء؟
ثم يقال بعد ذلك انه كان حزينا مغتما، و كيف ذلك و يروي لنا القرطبي
في التذكرة (667: 2) أن يزيد بن معاوية وضع رأس الحسين في طست من ذهب و جعل ينظر اليه و يقول هذه الأبيات:
صبرنا و كان الصبر منا عزيمة
و أسيافنا يقطعن كفا و معصما
نعلق هاما من رجال أعزة
علينا و هم كانوا أعق و أظلما
ثم يقول القرطبي بعد ذلك «ثم تكلم بكلام قبيح، و أمر بالرأس أن تصلب بالشام» ا. ه.
فكيف يقال بد ذلك أن يزيد أظهر الضيق و الندم، و قد كان حريا به أن يكون أقرب الي العفو منه الي الانتقام و التشفي و التمثيل، و كان ذلك أكرم و أطيب و لذلك فمهما بدر من الحسين، كان خليقا بيزيد أن يتجمل و يشدد علي رجاله ألا يقربوه بسوء و أن يحملوه اليه، و لا جرم أن يزيد فجع القلوب و جرح الخواطر و قطع الرحم بذلك و ألب عليه الرأي العام في عصره و في كل العصور و الأمصار الي يوم القيامة.
أنني أري - و هذا رأي خاص - أن الحسين انتصر علي المدي البعيد، فهو ان لم يظفر بمراده في معركة حربية و مواجهة عسكرية الا أن نيله الشهادة في حذ ذاته كان انتصارا له ثم أنه زرع بذور الحسيكة و الحقد و السخيمة في قلوب الناس جميعا نحو بني أمية و لا يخامرني شك في أن الحسين انتصر علي المدي البعيد و كان استشهاده سببا مباشرا في زلزلة عرش دولة الأمويين، مع انصباب جام اللعنات و السخطات عليهم بسبب و من جراء هذه الجريمة البشعة.
أخيرا... نقول اننا مأمورون بالاستغفار لهؤلاء و هؤلاء و الدعاء لهم فاذا ما بعثوا يوم القيامة يفصل الله بينهم فأمرهم راجع الي ربهم فهو وحده الذي يعلم السر و أخفي و هو وحده أعرف بحقيقة نوايا كل منهم و هو أعلم بالسرائر.
اللهم انا نسألك العفو و الصفح و النجاة من النار و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
پاورقي
[1] العقد الفريد لابن عبد ربه (381: 4).