بازگشت

الرأس عند يزيد


و لما قضي الخبيث نهمة كيده من الطواف برأس الحسين في الكوفة و أرباضها، أنفذه و رؤوس أصحابه الي دمشق مرفوعة علي الرماح، ثم أرسل النساء و الصبيان علي الاقتاب، و في الركب علي زين العابدين مغلول الي عنقه يقوده شمر بن ذي الجوشن و محضر بن ثعلبة.. فتلا حق


الركبان في الطريق و دخلا الشام معا الي يزيد.

و تكرر منظر القصر بالكوفة في قصر دمشق عند يزيد.. و لا نستغرب أن يتكرر بعضه حتي يظن انه قد وقع في التاريخ خلط بين المنظرين، لأن المناسبة في هذا المقام تستوحي ضربا واحدا من التعقيب و ضربا واحدا من الحوار..

فارتاع من بمجلس يزيد من نبأ المقتلة في كربلاء حين بلغتهم، و قال يحيي بن الحكم و هو من الأمويين:



لهام بجنب الطف أدني قرابة

من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل



سمية أمسي نسلها عدد الحصي

و بنت رسول الله ليست بذي نسل



فأسكته يزيد.. و قال و هو يشير الي الرأس و ينكث ثناياه بقضيب في يده: (أتدرون من أين أتي هذا؟.. أنه قال: «أبي علي خير من من أبيه و أمي فاطمة خير من أمه، و جدي رسول الله خير من جده و أنا خير منه و أحق بهذا الأمر».. فأما أبوه فقد تحاج أبي و أبوه الي الله و علم الناس أيهما حكم له، و أما أمه فلعمري فاطمة بنت رسول الله خير من أمي، و أما جده فلعمري ما أحد يومن بالله و اليوم الآخر يري. لرسول الله فينا عدلا و لا ندا، و لكنه أتي من قبل فقهه و لم يقرأ: قل اللهم


مالك الملك تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء)..

و هو كلام ينسب مثله الي معاوية في رده علي حجج علي في الخلافة.. و لعل يزيد قد استعاره من كلام أبيه و زاد عليه.

و نظر بعض أهل الشام الي السيدة فاطمة بنت الحسين - و كانت جارية و ضيئة - فقال ليزيد: «هب لي هذه» فأرعدت و أخذت بثياب عمتها... فكان لعمتها في الذود عنها موقف كموقفها بقصر الكوفة، ذيادا عن أخيها زين العابدين، و صاحت بالرجل:

- كذبت و لؤمت... ما ذلك لك و لا له.

فتغيظ يزيد و قال: «كذبت، ان ذلك لي.. و لو شئت لفعلت».

قالت: «كلا و الله.. ما جعل الله لك ذلك، الا أن تخرج من ملتنا و دين بغير ديننا».

فاشتد غيظ يزيد و صاح بها: «اياي تستقبلين بهذا؟.. انما خرج من الدين أبوك و أخوك».

قالت: «بدين الله و دين أبي و أخي و جدي اهتديت أنت و أبوك و جدك»..

فلم يجد جوابا غير أن يقول: «بل كذبت يا عدوة الله».

فقالت: «أنت أمير تشتم ظالما، و تقهر بسلطانك».

فأطرق و سكت..


و أدخل علي بن الحسين مغلولا، فأمر يزيد بفك غله و قال له:

- ايه يا ابن الحسين... أبوك قطع رحمي و جهل حقي و نازعني سلطاني، فصنع الله به ما رأيت...

قال علي:

- ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم الا في كتاب من قبل أن نبرأها. ان ذلك علي الله ليسير، لكيلا تأسوا علي ما فاتكم و لا تفرحوا بما أتاكم و الله لا يحب كل مختال فخور. فتلا يزيد الآية: «و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم» ثم زوي وجهه و ترك خطابه...

و كان لقاء نساء يزيد خيرا من لقائه... فواسين السيدة زينب و السيدة فاطمة و من معها، و جعلن يسألنهن عما سلبنه بكربلاء فيرددن اليهن مثله و زيادة عليه..

و أحب يزيد أن يستدرك بعض ما فاته، فلجأ الي النعمان بن بشير و اليه الذي عزله من الكوفة لرفقه بدعاة الحسين.. و أمره أن يسير آل الحسين الي المدينة و يجهز هم بما يصلحهم. و قيل انه ودع زين العابدين، و قال له: «لعن الله ابن مرجانة... أما و الله لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة أبدا الا أعطيته اياها، و لدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت و لو بهلاك بعض ولدي. و لكن الله قضي ما رأيت يا بني!.. كاتبني من المدينة، و أنه الي حاجة تكون لك»..