بازگشت

موطن الرأس


اتفقت الأقوال في مدفن جسد الحسين عليه السلام، و تعددت أيما تعدد في موطن الرأس الشريف..

فمنها أن الرأس قد أعيد بعد فترة الي كربلاء فدفن مع الجسد فيها..

و منها أنه أرسل الي عمرو بن سعيد بن العاص و الي يزيد علي المدينة، فدفنه بالبقيع عند قبر أمه فاطمة الزهراء..

و منها أنه وجد بخزانة ليزيد بن معاوية بعد موته، فدفن بدمشق عند باب الفراديس...

و منها أنه كان قد طيف به في البلاد حتي وصل الي عسقلان، فدفنه أميرها هناك و بقي بها حتي استولي عليها الافرنج في الحرب الصليبية..

فبذل هم الصالح طلائع وزير الفاطميين بمصر ثلاثين ألف درهم علي أن ينقله الي القاهرة حيث دفن بمشهده المشهور. قال الشعراني في طبقات


الأولياء: «ان الوزير صالح طلائع بن رزيك خرج هو و عسكره حفاة الي الصالحية، فتلقي الرأس الشريف و وضعه في كيس من الحرير الأخضر علي كرسي من الأبنوس و فرش تحته المسك و العنبر و الطيب، و دفن في المشهد الحسيني قريبا من خان الخليلي في القبر المعروف».

و قال السائح الهروي في الاشارات الي أماكن الزيارات: «و بها - أي عسقلان - مشهد الحسين رضي الله عنه: كان رأسه بها، فلما أخذتها الفرنج نقله المسلمون الي مدينة القاهرة سنة تسع و أربعين و خمسمائة».

و في رحلة ابن بطوطة أنه سافر الي عسقلان «و به المشهد الشهير حيث كان رأس الحسين بن علي عليه السلام، قبل أن ينقل الي القاهرة».

و ذكر سبط بن اجوزي فيما ذكر من الأقوال المتعددة أن الرأس بمسجد الرقة علي الفرات، و أنه لما جي ء به بين يدي يزيد بن معاوية قال: «لأبعثنه الي آل أبي معيط عن رأس عثمان» و كانوا بالرقة، فدفنوه في بعض دورهم ثم دخلت تلك الدار بالمسجد الجامع، و هو الي جانب سوره هناك.

فالأماكن التي ذكرت بهذا الصدد ستة في ست مدن هي: المدينة، و كربلاء، و الرقة، و دمشق، و عسقلان، و القاهرة، و هي تدخل في بلاد الحجاز و العراق و الشام و بيت المقدس و الديار المصرية. و تكاد


تشتمل علي مداخل العالم الاسلامي كله من وراء تلك الأقطار، فان لم تكن هي الأماكن التي دفن فيها رأس الحسين فهي الأماكن التي تحيا بها ذكراه لامراء. و للتاريخ اختلافات كثيرة، نسميها بالاختلافات اللفظية أو العرضية، لأن نتيجتها الجوهرية سواء بين جميع الأقوال، و منها الاختلاف علي مدفن رأس الحسين عليه السلام. فأيا كان الموضع الذي دفن به ذلك الرأس الشريف، فهو في كل موضع أهل للتعظيم و التشريف. و انما أصبح الحسين - بكرامة الشهادة و كرامة البطولة و كرامة الأسرة النبوية - معني يحضره الرجل في صدره و هو قريب أو بعيد من قبره. و ان هذا المعني لفي القاهرة، و في عسقلان، و في دمشق، و في الرقة، و في كربلاء، و في المدينة، و في غير تلك الأماكن سواء.