بازگشت

الناس عبيد الدنيا


فكيف ينخذل الحسين و ينتصر يزيد في عالم شهد النبوة و شهد الخلافة علي سنة الراشدين؟ ان كلمة واحدة قالها الحسين في ساعة يأسه تشف عن مبلغ يقينه بوجوب الحق و عجبه من أن يكون الأمر غير ما وجب، و ذلك حيث قال: «الناس عبيد الدنيا، والدين لعق علي ألسنتهم يحوطونه ما درت به معائشهم، فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون».

ان الطبائع الأرضية لا تنخدع في صلاح الناس و لا تعجب هذا


العجب لأنها لا تخرج من نطاقها المحدود و لا تصدق ما وراءه من الآمال و الوعود.

انها لا تضل عن طريق المنفعة لأنها لا تعرف غيرها من طريق، انها تؤثر القنديل الخافت في يدها علي الكوكب اللامع في السماء، لا لأنها لا تري الكوكب اللامع في السماء، بل لأنها تري القنديل و الكوكب فتعلم أن هذا قريب و أن ذالك جد بعيد...

انها تنخدع بالسراب لأنها لا تخرج من عقر دارها و لا تشعر بظمأ الفؤاد و لا تنظر الي السراب...

و لكن طبيعة الشهداء غير طبيعة المساومة علي البيع و الشراء...

طبيعة المساومة موكلة بالحرص علي الهنات...

و طبيعة الشهادة موكلة ببذل الحياة لما هو أدوم من الحياة...

و شتان طبيعة و طبيعة، و شتان خطأ الشهداء و خطأ المساومين.

و ليست موازين المساومة بالموازين الفذة التي يصلح عليها أمر بني الانسان، فان بني الانسان ما بهم غني قط عن الذين يخطئون لأنهم أرفع من المصيبين، و انهم لهم الشهداء.

و انهم لعلي صواب في المدي البعيد، و ان كانوا علي خطأ في المدي القريب... مدي الأجواف و المعدات و الجلود لا مدي الأرواح و الأخلاد...


من هؤلاء كان الحسين رضي الله عنه، بل هو أبوالشهداء و ينبوع شهادة متعاقبة لا يقرن بها ينبوع في تاريخ البشر أجمعين.

فلا جرم يصيب في المدي البعيد و يخطي ء في المدي القريب... مدي المنفعة التي هو في معيشة يومه، و هو المدي الذي لا يأسف عليه و لا ينص الركاب اليه..