بازگشت

مصرع و انتصار


أما نتائج الحركة كلها - اذا نظرنا اليها نظرة واسعة - فهي أنحج للقضية التي كان ينصرها من مبايعة يزيد.

فقد صرع الحسين عام خروجه، و لحق به يزيد بعد ذلك بأقل من أربع سنوات..

و لم تنقض ست سنوات علي مصرع الحسين حتي حاق الجزاء بكل


رجل أصابه في كربلاء، فلم يكد يسلم منهم أحد من القتل و التنكيل مع سوء السمعة و وسواس الضمير.

و لم تعمر دولة بني أمية بعدها عمر رجل واحد مديد الأجل، فلم يتم لها بعد مصرع الحسين نيف و ستون سنة!... و كان مصرع الحسين هو الداء القاتل الذي سكن في جثمانها حتي قضي عليها، و أصبحت ثارات الحسين نداء كل دولة تفتح لها طريقا الي الاسماع و القلوب..

و لاصابة هذه الحركة في نتائجها الواسعة دخل في روع بعض المؤرخين أنها تدبير من الحسين رضي الله عنه، توخاه منذ اللحظة الأولي و علم موعد النصر فيه. فلم يخامره الشك في مقتله ذلك العام، و لا في عاقبة هذه الفعلة التي ستحيق لا محالة بقاتليه بعد أعوام.

فقال ماربين الألماني في كتابه (السياسة الاسلامية): «ان حركة الحسين في خروجه علي يزيد انما كانت عزمة قلب كبير عز عليه الاذعان و عز عليه النصر العاجل، فخرج بأهله و ذويه ذلك الخروج الذي يبلغ به النصر الآجل بعد موته، و يحيي به قضية مخذولة ليس لها بغير ذلك حياة».

فان لم يكن رأي الكاتب حقا كله، فبعضه علي الأقل حق لا شك فيه و يصدق ذلك - في رأينا - علي حركة الحسين بعد أن حيل بينه و بين الذهاب لوجهه الذي يرتضيه، فآثر الموت كيفما كان و لم يجهل ما


يحيق ببني أمية من جراء قتله.. فهو بالغ منهم بانتصارهم عليه ما لم يكن ليبلغه بالنجاة من وقعة كربلاء.

و قد جري ذكر الموت علي لسان الحسين من خطوته الأولي و هو يتهيأ للرحيل و يودع أصحابه في الحجاز؛ فقال لهم: «ان الموت حق علي ولد آدم» و لكم يخف عليه أنه يركب الخطة التي لا يبالي راكبها ما يصيبه من ذلك القضاء.

لكنه لم يكن ييأس من اقناع الناس و التفافهم به منذ خطوته الأولي. و لم يعقد عزمه علي ملاقاة الموت حتي ساموه الرغم، و أبوا عليه أن ينصرف الي أي منصرف قبل التسليم المبين، مسوقا علي الكره منه الي عبيدالله بن زياد..

و تتباين آراء المتأخرين خاصة في خروج الحسين بنسائه و أبنائه، أكان هو الأحزم و الأكرم أم كان الأحزم و الأكرم أن يخرج بمفرده حتي يري ما يكون من استجابة الناس له أو اعراضهم عنه و ضعفهم في تأييده.

و ليس للمتأخرين أن يقضوا في مسألة كهذه بعقولهم و عاداتهم، لأنها مسألة يقضي فيها بحكم العقل العربي و عاداتهم، لأنها مسألة يقضي فيها بحكم العقل العربي و عاداته في أشباه هذه المواقف. و قد


كان اصطحاب النساء و الأبناء عادة عربية في البعوث التي يتصدي لها المرء متعمدا القتال دون غيره فضلا عن البعوث التي قد تشتبك في القتال و قد تنتهي بسلام كبعثة الحسين.

فكان المقاتلون في وقعة ذي قار يصطحبون حلائلهم و ذراريهم و يقطعون وضن الرواحل - أي أحزمتها - قبل خوض المعركة، و كان المسلمون و المشركون معا يصطحبون الحلائل و الذراري في غزوات النبي عليه السلام، و كان مع المسلمين في حرب الروم صفوة نساء قريش و عقائل بيوتاتها، و كان النبي عليه الصلاة و السلام يصطحب زوجة أو أكثر من زوجة في غزواته و حروبه، و حكم الواحدة هنا حكم الكثيرات، و هي عادة عربية عريقة يقصدون بها الاشهاد علي غاية العزم و صدق النية فيما هم مقبلون عليه، و في معلقة ابن كلثوم اشارة مجملة الي معني هذه العادة العربية من قديم عصورها حيث يقول:



علي آثارنا بيض حسان

نحاذر أن تقسم أو تهونا



يقتن جيادنا و يقلن لستم

بعولتنا اذا لم تمنعونا



و قد كان الحسين رضي الله عنه يندب الناس لجهاد يخوضونه ان


قضي عليهم أن يخوضوه فلا يبالون ما يصيبهم في أنفسهم و في أبنائهم و أموالهم، لأنهم يطلبون به ما هو أعز علي المؤمن من النفس و الولد و المال، فليس من المروءة أن يندبهم لأمر و لا يكون قدوة لهم فيه.

و كان علي الحسين و قد أزمع الخروج أن يجمع له أقوي حجة في يديه و يجمع علي خصومه أقوي حجة تنقلب عليهم، اذا غلبوه و أخفق في مسعاته... فيكون أقوي ما يكون و هو منتصر، و يكونون أبعض ما يكونون و هو مخذول..

و المسلم الذي ينصر الحسين الشريف أولي أن ينصره غاية نصره و هو بين أهله و عشيرته، و الا فما هو بناصره علي الاطلاق، و تنقلب الآية في حالة الخذلان، فينال المنتصر من البغضاء و النقمة علي قدر انتصاره الذي يوشك أن ينقلب عليه.