بازگشت

شمر بن ذي الجوشن


و شمر بن ذي الجوشن الأبرص الكريه الذي يمضه من الحسين ما يمض كل لئيم مشنوء من كل كريم محبوب و سيم.

و كان كلاهما يفهم لؤم صاحبه و يعطيه فيه حقه و عذره، فهما في هذه الخلة متناصحان متفاهمان...!

و لم يكن أيسر من حل قضية الحسين علي وجه يرضي يزيد و يمهد له الولاء في قلوب المسلمين و لو الي حين... لولا ذلك الضغن الممتزج بالخليقة الذي هو كسكر الخمور لا موضع معه لرأي مصيب، و لا لتفكير في عاقبة بعيدة أو قريبة...فالحسين في أيديهم ليس أيسر عليهم من اعتقاله و ابقائه بأعينهم في مكان ينال فيه الكرامة و لا يتحفز لثورة.


لكنهما لم يكفرا في أيسر شي ء و لا أنفع شي ء للدولة التي يخدمانها.. و انما فكرا في النسب المغموز و الصورة الممسوخة، فلم يكن لهما من هم غير ارغام الحسين و اشهاد الدنيا كلها علي ارغامه.

تلقي ابن زياد من عمر بن سعد كتابا يقول فيه أن الحسين «أعطاني أن يرجع الي المكان الذي أقبل منه أو أن نسيره الي أي ثغر من الثغور شئنا، أو أن يأتي يزيد فيضع يده في يده.»

و الذي نراه نحن من مراجعة الحوادث و الأسانيد أن الحسين ربما اقترح الذهاب الي يزيد ليري رأيه، و لكنه لم يعدهم أن يبايعه أو يضع يده في يده... لأنه لو قبل ذلك لبايع في مكانه و استطاع عمر بن سعد أن يذهب به الي وجهته، و لأن أصحاب الحسين في خروجه الي العراق قد نفوا ما جاء في ذلك الكتاب و منهم عقبة بن سمعان حيث كان يقول: «صحبت الحسين من المدينة الي مكة و من مكة الي العراق، و لم أفارقه حتي قتل و سمعت جميع مخاطباته الي يوم قتله... فوالله ما أعطاهم ما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد و لا أن يسيروه الي ثغر من الثغور، و لكنه قال: «دعوني أرجع الي المكان الذي أقبلت منه أو دعوني أذهب في هذه الأرض العريضة حتي ننظر الي ما يصير اليه أمر الناس.»

و لعمل عمر بن سعد قد تجوز في نقل كلام الحسين عمدا ليأذنوا له


في حمله الي يزيد فيلقي عن كاهله مقاتلته و ما تجر اليه من سوء القالة و وخز الضمير، أو لعل الأعوان الأمويين قد أشاعوا عن الحسين اعتزامه للمبايعة ليلزموا بالبيعة أصحابه من بعده، و يسقطوا حجتهم في مناهضة الدولة الأموية..

و أيا كانت الحقيقة من هذه الدعوي فهي تكبر مأثمة عبيدالله و شمر و لا تنقص منها. و لقد كانا علي العهد بمثليهما... كلاهما كفيل أن يحول بين صاحبه و بين خالجة من الكرم تخامره أو تغالب اللؤم الذي فطر عليه، فلا يصدر منهما الا ما يوائم لئيمين لا يتفقان علي خير...

و كأنما جنح عبيدالله الي شي ء من الهوادة حين جاءه كتاب عمر ابن سعد، فابتدره شمر ينهاه و يجنح الي الشدة و الاعتساف، فقال له:

- أتقبل هذا منه و قد نزل بأرضك و الي جنبك! و الله لئن رحل من بلادك و لم يضع يده في يدك ليكونن أولي بالقوة و العزة و لتكونن أولي بالضعف و العجز.. فلا تعطه هذه المنزلة، و لكن لينزل علي حكمك هو و أصحابه، فان عاقبت كنت ولي العقوبة، و ان عفوت كان ذلك لك.

ثم أراد أن يوقع بعمر و يتهمه عند عبيدالله ليخلفه في القيادة ثم يخلفه في الولاية، فذكر لعبيدالله أن الحسين و عمر يتحدثان عامة الليل بين المعسكرين...

فعدل عبيدالله الي رأي شمر و أنفذه بأمر منه أن يضرب عنق عمر


ان هو تردد في اكراه الحسين علي الحسين علي المسير الي الكوفة أو مقاتلته حتي يقتل. و كتب الي عمر يقول له:

«أما بعد.. فأني لم أبعثك الي الحسين لتكف عنه و لا لتمنيه السلامة و البقاء و لا لتطاوله و لا لتعتذر عنه و لا لتقعد له عني شافعا...

أنظر فان نزل الحسين و أصحابه و استسلموا فابعث بهم الي مسلما، و ان أبوا فازحف اليهم حتي تقتلهم و تمثل بهم، فانهم لذلك مستحقون فان قتل الحسين فأوطي ء الخيل صدره و ظهره فانه عاق مشاق قاطع ظلوم.. فان أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع، و ان أنت أبيت فاعتزل جندنا و خل بين شمر بن ذي الجوشن و بين العسكر و السلام».

و ختمت مأساة كربلاء كلها بعد أيام معدودات..

و لكنها أيام بقيت لها جزيرة لم يحمدها طالب منفعة و لا طالب مروءة، و مضت مئات السنين و هي لا تمحو آثار تلك الأيام في تاريخ الشرق و الاسلام...