بازگشت

وفاء و شجاعة


و قد اشتهر مع الجود بصفتين من أكرم الصفات الانسانية و أليقهما ببيته و شرفه، و هما الوفاء و الشجاعة.

فمن وفائه أنه أبي الخروج علي معاوية بعد وفاة أخيه الحسن لأنه عاهد معاوية علي المسالمة، و قال لأنصاره الذين حرضوه علي خلع معاوية أن بينه و بين الرجل عهدا و عقدا لا يجوز له نقضه حتي تمضي المدة، و كان معاوية يعلم وفاءه وجوده معا، فقال لصحبه يوما و قد أرسل الهدايا الي وجوه المدينة من كسي و طيب و صلات: «ان شئتم أنبأناكم بما يكون من القوم... أما الحسن فلعله ينيل نساءه شيئا من الطيب و يهب ما بقي من حضره و لا ينتظر غائبا، و أما الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه بصفين فان بقي شي ء نحر به الجزر و سقي به اللبن...»

و شجاعة الحسين صفة لا تستغرب منه لأنها «الشي ء من معدنه» كما قيل. و هي فضيلة ورثها عن الآباء و أورثها الأبناء بعده، و قد شهد الحروب في افريقية الشمالية و طبرستان و القسطنطينية، و حضر مع أبيه وقائعه جميعا من الجمل الي صفين. و ليس في بني الانسان من هو أشجع قلبا ممن أقدم علي ما أقدم عليه الحسين في يوم كربلاء.


و قد تربي للشجاعة كما تلقاها في الدم بالوراثة، فتعلم فنون الفروسية كركوب الخيل و المصارعة و العدو من صباه و لم تفته ألعاب الرياضة التي تتم بها مرانة الجسم علي الحركة و النشاط... و منها لعبة تشبه «الجولف» عند الأوروبيين كانوا يسمونها المداحي: جمع مدحاة، و هي أحجار مثل القرصة يحفرون في الأرض حفرة و يرسلون تلك الأحجار، فمن وقع حجره في الحفيرة فهو الغالب.

أما عادته في معيشته فكان ملاكها لطف الحس و جمال الذوق و القصد في تناول كل مباح. كان يحب الطيب و البخور، و يأنق للزهر و الريحان...

و روي أنس بن مالك انه كان عنده فدخلت عليه جارية بيدها طاقة من ريحان فحيته بها. فقال لها: «أنت حرة لوجه الله تعالي» فسأله أنس متعجبا: «جارية تجيئك بطاقة ريحان فتعتقها؟». فقال: «كذا أدبنا الله... قال تبارك و تعالي: (و اذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها)... و كان أحسن منها عتقها».

و كان يميل للفكاهة و يأنس في أوقات راحته لأحاديث أشعب و أضاحيكه، و لكنه علي شيوع الترف في عصره لم يكن يقارب منه الا


ما كان يجمل بمثله... حتي تحدث المتحدثون أنه لا يعرف رائحة الشراب...

و كانت له صلوات يؤديها غير الصلوات الخمس، و أيام من الشهر يصوم نهارها و يقوم ليها...

و قد عاش سبعا و خمسين سنة بالحساب الهجري، و له من الأعداء من يصدقون و يكذبون... فلم يعبه أحد منهم بمعابة و لم يملك أحد منهم أن ينكر ما ذاع من فضله، حتي حار معاوية بعيبه حين استعظم جلساؤه خطاب الحسين له. و اقترحوا عليه أن يكتب اليه بما يصغره في نفسه. فقال انه كان يجد ما يقوله في علي، و لكن لا يجد ما يقوله في حسين.

تلك جملة القول في سيرة أحد الخصمين...