بازگشت

اهداف معاوية


و قد كان معاوية و لا ريب ينوي أن يجعلها دولة أموية متعاقبة في ذريته من بعده، منذ تصدي للخلافة و خلاله المجال من أقوي منافسيه، الا أنه كان يتردد و يتكتم و لا يفضي بنيته الي أقرب المقربين اليه، ثم كبرت سنه و خاف أن يعجل عن قصده، فمهد لبيعة ابنه يزيد بعض التمهيد و توصل الي ذلك بما طاب له من وسيلة.. فلباه أهل الشام و كتب بيعته الي الآفاق، ثم همه أمر الحجاز فكتب الي مروان بن الحكم عامله أن يجمع من قبله لأخذ البيعة منهم ليزيد، فأبي مروان و أغري رؤوس قريش بالاباء، لأنه كان يتطلع الي الخلافة بعد معاوية و يحسبه أقدر عليها من يزيد، لما اشتهر به من نقص و عبث.. فعزله معاوية و ولي سعيد ابن العاص مكانه، فلم يجبه أحد الي ما أراد. فكتب معاوية الي عبدالله ابن عباس، و عبدالله بن الزبير، و عبدالله بن جعفر، و الحسين بن علي،


و أمر عامله سعيدا أن يوصل كتبه اليهم و يبعث اليه بجواباتها. و قال لسعيد: «فهمت ما ذكرت من ابطاء الناس، و قد كتبت الي رؤسائهم كتبا فسلمها اليهم.. و لتشد عزيمتك و تحسن نيتك، و عليك بالرفق. و انظر حسينا خاصة فلا يناله منك مكروه، فان له قرابة و حقا عظيما لا ينكره مسلم و لا مسلمة.. و هو ليث عرين، و لست آمنك ان ساورته ألا تقوي عليه».

فأعيت سعيد بن العاص كل حيلة في اقناع و جهاء الناس و عامتهم بهذه البيعة البغيضة، و خف معاوية الي مكة و معه الجند و حقائب الأموال، و دعا بأولئك النفر فقال لهم: «قد علمتم سيرتي فيكم وصلتي لأرحامكم، يزيد أخوكم و ابن عمكم، و أردت أن تقدموا يزيد باسم الخلافة و تكونوا أنتم تعزلون و تؤمرون و تجبون المال و تقسمونه».

فأجاب عبدالله بن الزبير، و خيره بين أن يصنع كما صنع رسول الله اذ لم يستخلف أحدا، أو كما صنع أبوبكر، اذ عهد الي رجل ليس من بني أبيه.

فقال معاوية مغضبا: «هل عندك غير هذا؟»

قال: «لا.»

و التفت الي الآخرين يسألهم قائلا: «فأنتم؟» فوافقوا ابن الزبير.


فقال متوعدا: «أعذر من أنذر!.. اني كنت أخطب فيكم فيقوم الي القائم منكم فيكذبني علي رؤوس فأحمل ذلك و أصفح، و اني قائم بمقالة... فأقسم بالله لئن رد علي أحدكم كلمة في مقامي هذا، لا ترجع اليه كلمة غيرها حتي يسبقها السيف الي رأسه، فلا يبقين رجل الا علي نفسه».

ثم أمر صاحب حرسه أن يقيم علي رأس كل منهم رجلين مع كل و احد منهما سيف، و قال له: «ان ذهب رجل منهم رجل منهم يرد علي كلمة بتصديق أو تكذيب، فليضرباه بسيفهما».

ثم خرج بهم الي المسجد و رقي المنبر، فحمد الله و أثني عليه و قال:

- هؤلاء الرهط سادة المسلمين و خيارهم، لا يبرم أمر دونهم و لا يقضي الا علي مشورتهم، و انهم قد رضوا و بايعوا ليزيد فبايعوه علي اسم الله.

فبايع الناس...

و هكذا كانت البيعة ليزيد في الحجاز...

و مات معاوية و هو يعلم أن بيعة كهذه لا تجوز و لا تؤمن عقباها...

فأوصي ابنه «انه لا يخاف الا هؤلاء من قريش: الحسين بن علي، و عبدالله بن عمر، و عبدالله بن الزبير». قال: «فأما عبدالله بن عمر فرجل قد وقذته العبادة و اذا لم يبق أحد غيره بايعك. و أما الحسين


ابن علي فلا أظن أهل العراق تاركيه حتي يخرجوه.. فان خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه، فان له رحما ماسة و حقا عظيما.

«أما ابن الزبير فانه خب ضب، فاذا أمكنته فرصة و ثب.. فان هو فعلها فقدرت عليه، فقطعه اربا اربا الا أن يلتمس منك صلحا، فان فعل فاقبل و احقن دماء قومك ما استطعت»...