بازگشت

اسباب التنافس و الخصومة


قبل أن يقف الحسين و يزيد متناجزين، كانت الحوادث قد جمعت لهما أسباب التنافس و الخصومة منذ أجيال، و كان هذا التنافس بينهما يرجع الي كل سبب يوجب النفرة بين رجلين: من العصبية، الي الترات الموروثة، الي السياسة، الي العاطفة الشخصية، الي اختلاف الخليفة و النشأة و التفكير..

تنافس هاشم و أمية علي الزعامة قبل أن يولد معاوية.. فخرج أمية ناقما الي الشام و بقي هاشم منفردا بزعامة بني عبدمناف في مكة. فكان هذا أول انقسام و تقسيم بين الأمويين و الهاشميين: هؤلاء يعتصمون بالشام، و هؤلاء يعتصمون بالحجاز..

ثم علا نجم «أبي سفيان بن حرب بن أمية» في الحجاز، فأصبحت له زعامة مرموقة الي جانب الزعامة الهاشمية. فلما ظهرت الدعوة المحمدية أخذته الغيرة علي زعامته، فكان في طليعة المحاربين للدعوة الجديدة.

و ندرت غزوة من الغزوات لم تكن لأبي سفيان أصبح ظاهرة في تأليب القبائل و جمع الأموال. و شاءت المصادفات زمنا من الأزمان أن


يظل وحده علي زعامة قريش في حربها للنبي عليه الصلاة و السلام. فمات الوليد بن المغيرة زعيم مخزوم، و دان زعماء تيم و بني عدن و غير هم من البطون القرشية الصغيرة بالاسلام، و بقي أبوسفيان وحده علي رأس الزعامة الجاهلية و الزعامة الأموية في منازلة النبي و من معه من المهاجرين و الأنصار، و بلغ من تغلغل العداء في هذه الأسرة للنبي عليه الصلاة و السلام، أن أبالهب عمه كان أوحد أعمامه في الكيد له و التأليب عليه، و انما جاءه هذا من بنائه بأم جميل بنت حرب، أخت أبي سفيان التي و صفها القرآن بأنها «حمالة الحطب» كناية عن السعي في الشر و تأريث نار البغضاء..

ثم فتحت مكة، فوقف أبوسفيان ينظر الي جيش المسلمين و يقول للعباس بن عبدالمطلب: «و الله يا أباالفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيما».. فلما قال العباس: «انها النبوة!». قال: «نعم اذن!..»

و قد أسلم أبوسفيان و ابنه معاوية عند فتح مكة، و كان اسلام بيته أعسر اسلام عرف بعد فتحها. فكانت زوجه هند بنت عتبة تصيح في القوم بعد اسلامه: «اقتلوا الخبيث الدنس الذي لا خير فيه.. قبح من طليعة قوم.. هلا قاتلتم و دفعتم عن أنفسكم و بلادكم!..»

و ظل أبوسفيان الي ما بعد اسلامه زمنا يحسب غلبة الاسلام غلبة عليه، فنظر الي النبي مرة و هو بالمسجد نظرة الحائر المتعجب و هو


يقول لنفسه: «ليت شعري بأبي شي ء غلبني!» فلم يخف عن النبي عليه السلام معني هذه النظرة، و أقبل عليه حتي ضرب يده بين كتفيه و قال له: «بالله، غلبتك يا أباسفيان!»..

و كان في غزوة حنين يشهد هزيمة المسلمين الأولي فيقول: «ما أراهم يقفون دون البحر!» و قيل انه كان في حروب الشام يهتف كلما تقدم الروم: «ايه بني الأصفر» فاذا تراجعوا عاد فقال: «ويل لبني الأصفر!»

و قد تألفه النبي عليه السلام ما استطاع قبل فتح مكة و بعد فتحها، فتزوج بنته أم حبيبة قبل الفتح و جعل بيته بعد الفتح حرما «من دخله فهو آمن و من أغلق عليه داره فهو آمن» و أقامه علي رأس المؤلفة قلوبهم الذين يزاد لهم في العطاء عسي أن يذهب ما في نفوسهم من الكراهة لغلبة الاسلام..

و مع هذا كان المسلمون يوجسون منه فلا ينظرون اليه و لا يقاعدونه، حتي برم بذلك و أحب أن يمسح ما بصدور هم من قبله.. فتوسل الي النبي أن يجعل معاوية كاتبا بين يديه و أن يأمره فيقاتل الكفار كما كان يقاتل المسلمين.

ثم قبض النبي عليه السلام، و نجم الخلاف علي مبايعة الخليفة بعده بين المهاجرين و الأنصار و بين بعض الصحابة من جهة أخري.. فاشرأب


أبوسفيان الي هذه الفتنة، و خيل اليه أنه مصيب بين فتوقها ثغرة ينفذ منها الي السيادة علي قريش، ثم السيادة من هذا الطريق علي الأمة الاسلامية بأسرها.. فدخل علي «علي» و العباس، يثيرهما و يعرض عليهما المعونة بما في وسعه من خيل و رجل. فنادي بهما: «يا علي! و أنت يا عباس!.. ما بال هذا الأمر في أذل قبيلة من قريش و أقلها؟ و الله لو شئت لأملأنها عليه - علي أبي بكر - خيلا و رجلا و آخذنها عليه من أقطارها»..

و هو لا ريب لم يغضب لأن الخلافة قد فاتت بني هاشم، و لا كان سره أن تصير الخلافة اليهم فتستقر فيهم قرارا لا طاقة له بتحويله.. لكنه أراد خلافا يفتح الباب لزعامة أموية يملك بها زمام قريش و الدولة لعربية جمعاء..

فلم يخف مقصده هذا علي «علي» رضي الله عنه، و قال: «لا و الله لا أريد أن تملأها عليه خيلا و رجلا، و لو لا أننا رأينا أبابكر لذلك أهلا ما خليناه و اياها». ثم أنبه قائلا: «يا أباسفيان!.. ان المؤمنين قوم نصحة بعضهم لبعض، و ان المنافقين قوم غششة بعضهم لبعض. متخاونون و ان قربت ديارهم و أبدانهم».

و انقضت خلافة أبي بكر و خلافة عمر و الأمور تجري في مجراها الذي يأخذ علي المطامع سبيلها، و يخيف أصحاب الفتن أن يبرزوا بها من جحورها..


حتي قامت خلافة عثمان بن عفان فانتصر بها الأمويون أيما انتصار، لأنه رأس من رؤوسهم و ابن عم قريب لز عماء بيوتهم، و أصبحت الدولة الاسلامية أموية لا يطمع في خيراتها و لا ولايتها الا من كان من أمية أو من حزبها. فمروان بن الحكم وزير الخليفة الأكبر يغدق العطاء علي الأقرباء و يحبسها عن سائر الناس، و معاوية بن أبي سفيان و الي الشام يجتذب اليه الأقرباء و الأولياء و من يرجي منهم العون و يخشي منهم الخلاف.

فلما قتل عثمان رضي الله عنه كان المنتفعون بمناصب الدولة و أموالها جميعا من الأمويين أو من صنائعهم المقربين، و مال السلطان الي جانب أمية علي كل جانب آخر من القرشيين و غير القرشيين

لا جرم كان الصراع بعد ذلك صراعا معروف النهاية من مطلع البداية، فقتل علي بن أبي طالب غيلة و خلصت الخلافة لمعاوية ابن أبي سفيان..

ثم بايع من أهل العراق و فارس الحسن بن علي، فلم يستقم له أمرهم و ضاق صدره بجدالهم و محالهم، و كان رجلا سكيتا يكره المنازعة و يجنح الي العزلة، فصالح معاوية علي شروط.. و في له معاوية بالمعجل منها و التوي عليها بمؤجلها. و زاد علي ذلك كما تواتر في شتي الروايات أنه أغري امرأته جعدة بنت الأشعث بسمه، و وعدها أن يزوجها


يزيد و يعطيها مائة ألف درهم، فوفي بوعد المال و لم يف بوعد الزواج. و قد أوصي الحسن رضي الله عنه أن يدفن عند قبر جده الا أن تخاف فتنة. فلما توفي أرادوا دفنه حيث أرصي، فقام مروان بن الحكم و جمع بني أمية و زمرتهم و منعوا مشيعيه.. فأنكر الحسين عليهم منع سبط النبي أن يدفن الي جوار جده، فقيل له: «ان أخاك قال اذا خفتم الفتنة ففي مقابر المسلمين سعة. و هذه فتنة».. فسكت علي مضض.