بازگشت

الحر بن يزيد الرياحي


هـو الحرّ بن يزيد بن ناجية بن قَعنَب بن عتّاب [الردف] [1] بن هَرميّ بن رياح ابن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم التميمي اليربوعي الرياحي.

كان الحرّ شريفاً في قومه جاهليّة وإسلاماً، فإنّ جدّه عتّاباً كان رديف النعمان، وولد عتاب قيساً وقـعـنـبـاً ومـات، فـردف قـيـس للنعمان ونازعه الشيبانيون، فقامت بسبب ذلك حرب يوم الطخفة والحـرّ هـو ابن عمّ الأخوص الصحابي الشاعر، وهو زيد بن عمرو بن قيس بن عتاب. وكان الحرّ في الكوفة رئيساً ندبه ابن زياد لمعارضة الحسين عليه السلام، فخرج في ألف فارس.

روي الشـيـخ ابـن نـمـا: أنّ الحـر لمـّا أخـرجـه ابن زياد إلي الحسين وخرج من القصر نودي من خـلفـه أبـشـر يـا حـر بـالجـنـّة. قـال: فـالتـفـت فـلم يـر أحـداً، فـقـال فـي نـفـسه: واللّه ما


هذه بشارة وأنا أسير إلي حرب الحسين، وما كان يحدّث نفسه في الجـنـّة، فـلمـّا صـار مـع الحـسـيـن قـصّ عـليـه الخـبـر، فـقـال له الحـسـيـن: (لقـد أصبت أجراً وخيراً) [2] .

وروي أبـو مـخـنـف عـن عـبـداللّه بـن سـليـم والمـذري بـن المـشـمعل الأسديين قالا: كنا نساير الحسين فنزل شراف، وأمر فتيانه باستقأ الماء والإكثار مـنـه، ثـمّ سـاروا صـبـاحـاً، فـرسـمـوا صـدر يـومـهـم حـتـّي انـتـصـف النـهـار فـكـبـّر رجـل مـنـهـم؛ فـقـال الحـسـيـن: اللّه أكـبـر لِمَ كـبـّرت؟ قـال: رأيـت النـخـل، قـالا: فـقـلنـا إنّ هـذا المـكـان مـا رأيـنـا بـه نـخـلة قـط، قـال: فـمـا تـريـانـه رأي؟ قـلنـا: رأي هـَوادِيَ الخـيـل؛ فـقـال: (وأنـا واللّه أري ذلك)؛ ثـمّ قـال الحـسـيـن: (أمـا لنـا مـلجـأ نـجـعـله فـي ظـهـورنـا ونـسـتـقـبـل القـوم مـن وجـه واحـد)؟ قـلنـا: بـلي هـذا ذو حـُسـُم عـن يـسـارك تـمـيـل إليـه، فـإن سبقت القوم فهو كما تريد فأخذ ذات اليسار؛ فما كان بأسرع من أن طلعت هوادي الخيل؛ فتبيّناها فعدلنا عنهم، فعدلوا معنا كأنّ أسنتهم اليعاسيب، وكأن راياتهم أجنحة الطير، فسبقناهم إلي ذي حُسُم، فضربت أبنية الحسين عليه السلام وجاء القوم فإذا الحـر في ألف فارس فوقف مقابل الحسين في حَرّ الظهيرة، والحسين وأصحابه معتمون متقلّدون أسـيـافـهـم، فـقـال الحـسـيـن لفـتـيـانـه: (إسـقـوا القـوم ورَّشـفـوا الخيل) فلمّا سقوهم ورشفوا خيولهم، حضرت الصلاة، فأمر الحسين الحجّاج بن مسروق الجعفي، وكان معه، أن يؤذّن، فأذّن، وحضرت الإقامة فخرج الحسين في إزار وردأ ونعلين، فحمد اللّه وأثـنـي عـليه ثمّ قال: (أيّها الناس إنّها معذرة إلي اللّه وإليكم، إنّي لم آتكم حتّي أتـتـنـي كـتـبـكـم) إلي آخـر مـا قـال، فـسـكـتـوا عـنـه، فـقـال للمـؤذّن: أقـم فـأقـام، فـقـال الحـسـيـن للحـرّ: (أتـريـد أن تـصـلّي بـأصـحـابـك)؟ قـال: لا بـل بـصـلاتـك، فـصـلّي بـهـم الحـسـيـن، ثـمّ دخـل مـضـربـه واجـتـمـع إليه أصحابه ودخل الحر خيمة نصبت له واجتمع عليه أصحابه، ثمّ عـادوا


إلي مـصـافّهم فأخذ كلّ بعنان دابّته وجلس في ظلّها، فلمّا كان وقت العصر أمر الحسين بـالتـهـيـؤ للرحـيـل، ونـادي بـالعـصـر، فـصـلّي بـالقـوم ثـمّ انـفـتـل مـن صـلاتـه وأقـبـل بـوجـهـه عـلي القـوم فـحـمـد اللّه وأثـنـي عـليـه، وقـال: (أيـّهـا النـاس إنـّكـم إن تـتـقـوا) إلي آخـر مـا قـال. فـقـال الحـرّ: إنـّا واللّه مـا نـدري مـا هـذه الكـتـب التـي تـذكـر، فـقـال الحـسين: (يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إليّ)، فأخرج خرجين مـمـلويـن صحفاً فنشرها بين أيديهم، فقال الحر: فإنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد أُمـرنـا إذا نـحـن لقـيـنـاك ألاّ نـفـارقـك حتي نقدمك علي عبيدالله، فقال له [الحسين]: (الموت أدني إليك من ذلك)، ثّم قال لأصحابه: (اركبوا)، فركبوا و انتظروا حتي ركبت النساء، فقال: (انصرفوا)، فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم و بين الإنصراف،فقال الحسين للحرّ: (ثكلتك أمك! ما تريد)؟ قال: أما و الله لو غيرك من العرب يقولها لي و هو علي مثل هذه الحالة التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل أن أقوله كائنا من كان، ولكن و الله مالي إلي ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما يقدر عليه، فقال الحسين: (فما تريد)؟ قال: أريد أن أنطلق بك إلي عبيدالله، فقال: (إذن لا أتبعك)، قال الحرّ: إذن لا أدعك، فترادّا القول ثلاث مرّات، ثمّ قال الحر: إني لم أؤمر بقتالك، و أنما أمرت ألاّ أفارقك الكوفة، و لا تردّك إلي المدينة تكون بيني و بينك نصفاً حتي أكتب إلي ابن زياد، وتكتب إلي يزيد إن شئت، فلعلّ الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشيء من أمرك، قال: فتياسر عن طريق العذيب و القادسية، و بينه وبين العذيب ثمانية و ثلاثون ميلاً، و سار و الحر يسايره، حتّي إذا كان بالبيضة خطب أصحابه بما تقدّم فأجابوه بما ذُكر في تراجمهم، ثمّ ركب فسايره الحرّ و قال له: اذكّرك الله يا أبا عبدالله في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ، ولئن قوتلت لتهلكنّ فيما أري، فقال له الحسين: (أفبالموت تخوّفني!؟ و هل يعدو بكم


الخطب أن تقتلوني!؟ ما أدري لك! ولكني أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه حين لقيه وهو يريد نصرة رسول الله صلي الله عليه و آله، فـقـال له أيـن تـذهـب؟ فـإنـّك مـقـتـول؛ فقال:



سأمضي فما بالموت عار علي الفتي

إذا ما نوي حقّاً وجاهد مسلما



وآسي الرجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبوراً وباعد مجرما



فإن عشت لم أندم وإن مت لم اُلم

كفي بك عاراً أن تلام وتندما



فـلمـّا سـمـع ذلك الحـر تـنـحّي عنه، حتّي انتهوا إلي عذيب الهِجانات [3] فإذا هم بأربعة نفر يجنُبون فرساً لنافع بن هلال ويدلّهم الطرماح بن عدي، فأتوا إلي الحسين وسـلّمـوا عـليـه، فـأقـبـل الحـرّ وقـال: إنّ هـؤلاء النـفـر الذيـن جـاءوا مـن أهـل الكـوفـة ليـسـوا مـمـّن أقـبـل مـعـك وأنـا حـابـسـهـم أو رادّهـم، فـقـال الحـسـين: (لأمنعنّهم ممّا أمنع منه نفسي، إنّما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد كنت أعطيتني ألاّ تـعـرض لي بـشـي ء حـتـّي يـأتـيـك جـواب عـبـيـداللّه)، فقال: أجل، لكن لم يأتوا معك، قال: (هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي، فإن تممت علي مـا كـان بـيـنـي وبـيـنـك وإلاّ نـاجـزتـك)، قـال: فـكـفّ عـنـهـم الحـرّ [4] ، ثـمّ ارتـحل الحسين من قصر بني مقاتل فأخذ يتياسر والحرّ يردّه فإذا راكب علي نجيب له وعـليـه السـلاح مـتـنـكب قوساً مقبل من الكوفة، فوقفوا ينتظرونه جميعاً؛ فلمّا انتهي إليهم سلّم علي الحرّ وترك الحسين فإذا هو مالك بن النسر [5] البدي من كندة، فدفع إلي الحـرّ كتاباً من عبيداللّه فإذا فيه: أمّا بعد فجعجع بالحسين عليه السلام حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسـولي فلا تنزله إلاّ بالعراء في غير


حصن وعلي غير ماء، وقد أمرتُ رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّي يأتيني بإنفاذك أمري، والسلام.

فـلمـّا قـرأ الكـتـاب جـاء بـه إلي الحـسـيـن ومـعـه الرسـول، فـقـال: هـذا كـتـاب الأمـيـر يـأمـرنـي أن أُجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه وهذا رسـوله قـد أمـره أن لا يـفـارقـنـي حـتـّي أنـفـذ رأيـه وأمـره، وأخـذهـم بـالنـزول فـي ذلك المـكـان، فـقـال له: (دعـنـا نـنـزل في هذه القرية أو هذه أو هذه) يعني نينوي والغـاضـريـّة وشـفـيـة. فـقـال: لا واللّه لا أسـتـطـيـع ذلك، هـذا الرجل بعث إليّ عينا، فنزلوا هناك [6] .

قـال أبـو مـخـنـف: لمـّا اجـتـمـعـت الجـيـوش بـكـربـلا لقـتـال الحـسـيـن جعل عمر بن سعد علي ربع المدينة عبداللّه بن زهير بن سُليم الأزدي، وعلي رُبع مَذحِج وأسد عـبـدالرحـمـن بـن أبي سبرة الجعفي، وعلي رُبع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث، وعلي ربع تميم وهـمـدان الحـرّ بـن يـزيـد، وعـلي الميمنة عمرو بن الحجّاج، وعلي الميسرة شمر بن ذي الجوشن، وعـلي الخـيـل عـَزرة بـن قـيـس، وعـلي الرجـّالة شـَبـَث بـن ربـعـي، وأعـطـي الرايـة مـولاه دريـداً [7] فـشـهـد هـؤلاء كـلّهـم قـتـال الحـسـيـن إلاّ الحـرّ فـإنـّه عدل إليه وقُتل معه.

قـال أبـو مـخـنـف: ثـمّ إنّ الحـُرّ ـ لمـا زحـف عـمـر بـن سـعـد بـالجـيـوش ـ قـال له: أصـلحـك اللّه! أمـُقـاتـِل أنـت هـذا الرجـل؟ فـقـال: إي واللّه قـتـالاً أيـسـره أن تـسـقـط الرؤوس وتـطـيـح الأيـدي، قـال: أفـمـالك [8] فـي واحـدة مـن الخـصـال التـي عـرض عـليـكـم رضـا؟ فـقـال: أمـا واللّه لو كـان الأمـر إليّ لفـعـلت، ولكـن أمـيـرك قـد أبـي، فـأقـبـل الحـرّ حـتـّي وقـف مـن النـاس


مـوقـفـاً، ومـعـه قـرّة بـن قـيـس الريـاحـي، فـقـال: يـا قـرّة هـل سـقـيـت فـرسـك اليـوم؟ قـال: لا، قـال: أمـا تـريـد أن تـسـقـيـه؟ قـال: فـظـنـنـت واللّه أنـّه يـريـد أن يـتـنـحـّي فـلا يـشـهـد القتال، وكره أن أراه حين يصنع ذلك، فيخاف أن أرفعه عليه، فقلت: أنا منطلق فساقيه. قـال: فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه، فواللّه لو أطلعني علي الذي يريد لخرجت معه، قـال: فـأخذ يدنو من الحسين قليلاً قليلاً، فقال له المهاجر بن أوس ‍الرياحي: ما تريد يابن يـزيـد؟ أتـريـد أن تـحـمـل؟ فـسـكـت وأخـذه مـثـل العـروآء، فـقـال له: يـابـن يـزيـد، إنّ أمـرك لمـريـب، ومـا رأيـت مـنـك فـي مـوقـف قـطّ مثل شي ء آراه الآن، ولو قيل لي: من أشجع أهل الكوفة رجلاً ما عدوتك، فما هذا الذي أري منك! قـال: إنـّي واللّه أُخـيـّر نـفـسـي بـيـن الجـنّة والنار، وواللّه لا أختار علي الجنّة شيئاً ولو قطعت وحرقت، ثمّ ضرب فرسه ولحق بالحسين، فلمّا دنا منهم قلب ترسه، فقالوا مستأمن حتّي إذا عـرفـوه سـلّم عـلي الحـسـيـن وقـال: جـعـلنـي اللّه فـداك يـابـن رسـول اللّه! أنـا صـاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المـكـان، واللّه الذي لا إله إلاّ هـو مـا ظـنـنـت أنّ القـوم يـردّون عـليك ما عرضت عليهم أبداً، ولا يـبـلغـون مـنـك هـذه المـنـزلة، فقلت في نفسي لا أُبالي أن أُصانع [9] القوم في بـعـض أمـرهـم، ولا يظنون [10] أني خرجت من طاعتهم. وأمّا هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم، و واللّه إنّي لو ظننتهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك، وإنّي قد جئتك تـائبـاً مـمـّا كان منّي إلي ربي، ومواسياً لك بنفسي حتّي أموت بين يديك، أفتري لي توبة؟ قـال: (نـعـم، يـتـوب اللّه عـليـك، ويـغـفـر لك، فـانـزل) قـال: أنـا لك فـارسـاً خـيـر مـنـّي راجـلاً، أُقـاتـلهـم عـلي فـرسـي سـاعـة، وإلي النـزول مـا يـصـيـر آخـر أمـري. قـال: (فـاصـنـع


مـابدا لك)، فاستقدم إمام إصحابه ثمّ قـال: أيّها القوم إلا تقبلون من حسين هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم الله من حربه؟ قالوا: فكلم الأمير عمر، فكلمه بما قال له قبل، و قال لأصحابه، وقال عمر: قد حرصت، ولو وجدت إلي ذلك سبيلا فعلت، فالتفت الحر إلي القوم وقال: يا أهل الكوفه لأمكم الهبل والعبر دعوتم ابن رسـول الله صلي الله عليه حتي إذا أتاكم أسلمتموه، و زعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه، ثم عدوتم عليه لتقتلوه، أمسكتم بنفسه، و أخذتم بكظمه، و أحطتم به من كل جانب، لتمنعوه [11] التوجه إلي بلاد الله العريضة حتي يأمن و يأمن اهل بيته، فأصبح في أيديكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعا، ولا يدفع ضرا، حلأتموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والنصراني، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه، فهاهم قد صرعهم العطش، بئسما خلفتم محمدا في ذريته! لا سقاكم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا وتنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا في سـاعـتـكـم هـذه. فـحـمـلت عـليـه رجـال تـرمـيـه بـالنـبـل، فأقبل حتّي وقف أمام الحسين [12] .

وروي أبـو مـخـنـف أن يـزيـد بـن أبـي سـفـيـان الثـغـري مـن بـنـي الحـرث بـن تـمـيـم قـال: أمـا واللّه لو رأيـتُ الحـرّ حـيـن خـرج لأتـبـعـتـه السـنـان، قـال: فـبـيـنـا النـاس يـتـجـاولون ويـقـتـتـلون والحـرّ بـن يـزيـد يحمل علي القوم مقدماً ويتمثّل قول عنترة:



مازِلتُ أرميهم بثُغرةِ نحره

ولبانهِ حتّي تَسرَبل بالدّم



وإنّ فـرسـه لمـضـروب عـلي أُذنـيـه وحـاجـبـيـه، وإنّ دمـائه لتـسـيـل، فـقـال الحـصـيـن بـن تـمـيـم التـمـيـمي ليزيد بن سفيان: هذا الحرّ الذي كنت تتمنّي، قـال: نـعـم، وخـرج إليـه فـقـال له: هـل لك يـا حـرّ فـي المـبـارزة؟ قـال: نـعم قد شئت، فبرز له، قال الحصين: وكنت


أنظر إليه، فواللّه لكان نفسه كانت في يد الحر خرج إليه، فما لبث أن قتله [13] .

وروي أبـو مـخـنـف عـن أيـّوب بـن مـِشـرَح الخـيـوانـي كـان يـقـول: جـال الحـرّ عـلي فـرسـه فـرمـيـتـه بسهم فحشاته فرسه فلما لبث إذا رعد الفرس واضـطـرب وكـبـا، فـوثـب عـنـه الحـر كـأنـّه ليـث والسـيـف فـي يـده وهـو يقول:



إن تعقروا بي فأنا ابنُ الحرّ

أشجع من ذي لبد هزبر



قال: فما رأيت أحد قطّ يفري فرية [14] .

قـال أبـو مـخـنـف: ولمـّا قـُتـل حـبـيـب أخـذ الحـرّ يـقـاتـل راجـلاً وهـو يقول:



آليت لا أُقتل حتّي أقتلا

ولن أصاب اليومَ إلاّ مقبلا



أضربهم بالسيف ضرباً مفصلا

لا ناكلاً عنهم ولا مُهَللا



ويضرب فيهم ويقول:



إنّي أنا الحرّ ومأوي الضيف

أضرب في أعراضكم بالسيف



عن خير من حلّ بأرض الخيف [15] .



ثـمّ أخـذ يـقـاتل هو وزهير قتالاً شديداً، فكان إذا شدّ أحدهما واستلحم شد الآخر حتّي يخلّصه، ففعلا ذلك ساعة. ثمّ شدّت جماعة علي الحرّ فقتلوه [16] .

فـلمـّا صـرع وقـف عليه الحسين عليه السلام وقال له: (أنت كما سمّتك أُمّك الحرّ حرّ في الدنيا وسعيد في الآخرة).

وفيه يقول عبيداللّه بن عمرو الكندي البدي:




سعيد بن عبيداللّه لا تنسينه

ولا الحرّ إذ آسي زهيراً علي قسر



(ضبط الغريب)

ممّا وقع في هذه الترجمة:

(رسموا): ساروا الرسيم وهو نوع من السير معروف.

(البـيـضة): قال أبو محمّد الأعرابي الأسود: البيضة بكسر الباء ما بين واقصة إلي العذيب [17] .

(العـروآء): بـالعين المهملة المضمومة والراء المهملة المفتوحة قرة الحمي ورعدتها، وفي رواية الأفكل: وهو بفتح الهمزة كأحمد الرعدة.

(قـلب تـرسـه): هـو عـلامـة لعـدم الحـرب، وذلك لأن المـقـبـل إلي القوم وهو متترس شاهر سيفه، محارب لهم فإذا قلب الترس وأغمد السيف؛ فهو غير محارب أمّا مستأمن أو رسول.

(الهـبـل): كـجـبـل.

(والعـبـر): كـصـبـر وتـضـم العـيـن هـمـا بـمـعـنـي الثكل، ويمضي علي بعض ‍ الألسنة العير بالياء المثنّاة تحت وهو غلط.

(كـظـمه): كظم الوادي بفتح الكاف وسكون الظاء المعجمة مضيقه، فإذا أخذه الإنسان فقد منع الداخـل فـيـه والخـارج، فـهـو كـنـايـة عـن المـنـع، كـمـا يقال أخذ بزمامه.

(ثغرة النحر): نقرته بين الترقوتين وهي بضم الثاء المثلثة.

(اللبان): كسحاب الصدر من الفرس.

(حشاته): أصبت أحشائه.

(يفري فريه): يفعل فعله في الضرب والمجالدة.



پاورقي

[1] من جمهرة أنساب العرب 227: عتاب الردف، وأورده ابن الکلبي في جمهرة النسب: 1: 307.

[2] مثير الأحزان: 59 ـ 60 بتفاوت.

[3] موضع في العراق قرب القادسيّة. راجع معجم البلدان: 2: 92.

[4] راجع تاريخ الطبري: 3: 307، والإرشاد: 2: 80.

[5] في تاريخ الطبري: النسير.

[6] راجع تاريخ الطبري: 3: 309.

[7] تاريخ الطبري: 3: 317، وفيه: ذويداً.

[8] في المصدر: أفما لکم.

[9] في المصدر: أطيع.

[10] في المصدر: ولا يرون.

[11] في المصدر: فمنعتموه.

[12] تاريخ الطبري: 3: 320 بتفاوت.

[13] تاريخ الطبري: 3: 324.

[14] تاريخ الطبري: 3: 324.

[15] تاريخ الطبري: 3: 327، وفيه:



أضرب في أعراضم بالسيف

عن خير من کلّ منّي والخيف.

[16] تاريخ الطبري: 3: 327.

[17] راجع معجم البلدان: 1: 532.