بازگشت

مسلم بن عوسجة الأسدي


هـو مـسـلم بـن عـوسـجـة بـن سـعـد بـن ثـعـلبـة بـن دودان بـن أسـد بـن خـزيـمـة، أبـو حجل الأسدي السعدي، كان رجلاً شريفاً سرياً عابداً متنسكاً.


قـال ابـن سـعـد فـي طـبـقـاتـه [1] : وكـان صـحـابـيـّاً مـمـّن رأي رسـول اللّه صلي الله عليه وآله، وروي عـنـه الشـعبي. وكان فارساً شجاعاً، له ذكر في المغازي والفتوح الإسلاميّة، وسيأتي قول شبث فيه.

وقال أهل السير: إنّه ممّن كاتب الحسين عليه السلام من الكوفة ووفي له، وممّن أخذ البيعة له عند مجيي ء مسلم بن عقيل إلي الكوفة.

قـالوا: ولمـّا دخـل عـبيداللّه بن زياد الكوفة وسمع به مسلم خرج إليه ليحاربه، فعقد لمسلم بـن عـوسـجـة علي ربع مذحج وأسد، ولأبي ثمامة علي ربع تميم وهمدان، ولعبيداللّه بن عمرو بـن عـزيـز الكـنـدي عـلي ربـع كـنـدة وربـيـعـة، وللعـبـاس بـن جـعـدة الجـدلي عـلي أهـل المـديـنـة، فـنـهـدوا إليـه حـتـّي حـبـسـوه فـي قـصـره، ثـمّ إنـّه فـرّق النـاس بـالتـخـذيل عنه فخرج مسلم من دار المختار التي كان نزلها إلي دار هاني بن عروة، وكان فيها شـريـك بـن الأعـور كـمـا قـدّمـنـا ذلك، فـأراد عبيداللّه أن يعلم بموضع مسلم فبعث معقلاً مولاه وأعـطـاه ثـلاثـة آلاف درهـم وأمـره أن يـسـتـدلّ بـهـا عـلي مـسـلم، فـدخـل الجـامـع وأتـي إلي مـسـلم بـن عـوسـجـة فـرآه يـصـلّي إلي زاويـة فـانـتـظـره حـتـّي انـفـتـل مـن صـلاتـه فـسـلّم عـليـه ثـمّ قـال: يـا عـبـداللّه إنـّي امـرؤ مـن أهـل الشـام مـولي لذي الكـلاع وقـد مـنّ اللّه عليّ بحب هذا البيت وحبّ من أحبّهم فهذه ثلاثة آلاف درهـم أردت بـهـا لقـاء رجـل مـنـهـم بـلغـنـي أنـّه قـدم الكـوفـة يـبـايـع لابـن رسول اللّه صلي الله عليه وآله فلم يدلّني أحد عليه، فإنّي لجالس آنفاً في المسجد إذ سمعت نفراً يقولون: هـذا رجـل له عـلم بـأهـل هـذا البـيـت، فـأتـيـتـك لتـقـبـض هـذا المـال وتـدلّنـي عـلي صـاحـبـك فـأُبـايـعـه وإن شـئت أخـذت البـيـعـة له قـبـل لقـائه، فـقـال له مـسـلم بـن عـوسـجـة: أحـمـد اللّه عـلي لقـائك إيـّاي فـقـد سـرّنـي


ذلك لتـنـال مـا تحبّ ولينصر اللّه بك أهل بيت نبيّه صلي الله عليه وآله، ولقد سائتني معرفتك إيّاي بهذا الأمر من قـبـل أن يـنـمـي مـخـافـة هـذا الطـاغـيـة وسـطـوتـه. ثـمّ إنـّه أخـذ بـيـعـتـه قـبـل أن يـبـرح وحـلّفـه بـالأيـمـان المـغـلّظـة ليـنـاصـحـنّ وليـكـتـمـن فـأعـطـاه مـا رضي، ثمّ قـال له: اخـتـلف إليّ أيـّامـاً حـتـّي أطـلب لك الإذن، فـاخـتـلف إليـه ثـمّ أذن له فدخل، ودلّ عبيداللّه علي موضعه، وذلك بعد موت شريك [2] .

قـالوا: ثـمّ إنّ مـسلم بن عوسجة بعد أن قُبض علي مسلم وهاني وقُتلا اختفي مدّة ثمّ فرّ بأهله إلي الحسين فوافاه بكربلا وفداه بنفسه.

وروي أبـو مـخـنـف عـن الضـحـّاك بـن عـبـداللّه الهـمـدانـي المـشـرقي: أنّ الحسين خطب أصحابه فـقـال فـي خـطـبـتـه: (إنّ القـوم يـطـلبـونـنـي ولو أصـابـونـي لهـوا عـن طـلب غـيـري، وهـذا الليـل قـد غـشـيـكـم فـاتـّخـذوه جـمـلاً، ثـمّ ليـأخـذ كـلّ رجـل مـنـكـم بـيـد رجـل مـن أهـل بـيـتـي) فـقـال له أهـله وتـقـدّمـهـم العـبـّاس بـالكـلام: لِم نـفـعـل ذلك!؟ لنـبـقـي بـعـدك، لا أرانـا اللّه ذلك أبـداً. ثـمّ قـام مـسـلم بـن عـوسـجـة فـقال: أنحن نخلّي عنك ولم نعذر إلي اللّه في أداء حقّك!؟ أمَ واللّه لا أبرح حتّي أكسر في صـدورهـم رمـحـي وأضـربـهـم بـسـيـفـي ما ثبت قائمه بيدي ولا أُفارقك، ولو لم يكن معي سلاح أُقـاتـلهـم بـه، لقـذفـتـهـم بـالحـجـارة دونك حتّي أموت معك، ثمّ تكلّم أصحابه علي نهجه [3] .

قـال الشـيـخ المـفـيـد: ولمـّا أضـرم الحـسـين عليه السلام القصب في الخندق الذي عمله خلف البيوت مرّ الشـمـر فـنـادي: يـا حـسـيـن أتـعـجـّلت بـالنـار قـبـل يـوم القـيـامـة؟ فـقـال له الحـسـيـن: (يابن راعية المعزي، أنت أولي بها صَليّاً)، فرام مسلم بن عوسجة أن يـرميه فمنعه الحسين عليه السلام عن ذلك، فقال له مسلم: إنّ الفاسق من أعداء اللّه وعظمأ الجبّارين،


وقـد أمـكـن اللّه مـنـه، فـقـال الحـسـيـن عليه السلام: (لا تـرمـه فـإنـّي أكـره أن أبـدأهـم فـي القتال) [4] .

وقـال أبـو مـخنف: لمّا التحم القتال حملت ميمنة ابن سعد علي ميسرة الحسين، وفي ميمنة بن سعد عـمـرو بـن الحجّاج الزبيدي، وفي ميسرة الحسين زهير بن القين، وكانت حملتهم من نحو الفرات فـاضـطـربـوا سـاعـة، وكـان مـسـلم بـن عـوسـجـة فـي المـيـسـرة، فـقـاتـل قـتـالاً شـديـداً لم يـسـمـع بـمـثـله، فـكـان يـحـمـل عـلي القـوم وسـيـفـه مـصـلت بـيمينه فيقول:



إن تسألوا عنّي فإنّي ذو لبد

وإنّ بيتي في ذري بني أسد



فمن بغاني حائد عن الرشد

وكافر بدين جبّار صمد



ولم يـزل يـضـرب فـيـهم بسيفه حتّي عطف عليه مسلم بن عبداللّه الضبابي وعبدالرحمن بن أبي خشكارة البجلي، فاشتركا في قتله، ووقعت لشدّة الجلاد غبرة عظيمة، فلمّا إنجلت إذا هم بمسلم بـن عـوسـجـة صـريـعـاً، فـمـشـي إليـه الحـسـيـن عليه السلام فـإذا بـه رمـق، فـقـال له الحـسـيـن عليه السلام: (رحـمـك اللّه يـا مـسـلم (فـمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً) [5] ، ثمّ دنا منه فقال له حبيب ما ذكرناه في ترجمته.

قـال: فـمـا كـان بأسرع من أن فاظ بين أيديهم، فصاحت جارية له: واسيّداه يابن عوسجتاه فتباشر أصحاب عمر بذلك، فقال لهم شبث بن ربعي: ثكلتكم أُمهاتكم إنّما تقتلون أنفسكم بـأيـديـكـم، وتـذلّون أنـفـسـكـم لغـيـركـم، أتـفـرحـون أن يـقـتـل مـثـل مسلم ابن عوسجة؟ أما والذي أسلمتُ له، لرُبّ موقف له قد رأيته في المسلمين كريم، لقـد رأيـتـه يـوم سـَلَق آذربـايـجـان قـتـل سـتـة مـن المـشـركـيـن قبل أن تتام خيول المسلمين،


أفيقتل منكم مثله وتفرحون [6]

وفي مسلم بن عوسجة يقول الكميت بن زيد الأسدي:

وإنّ أبا حجل قتيل مجحل

وأقول أنا:



إنّ إمرءاً يمشي لمصرعه

سبط النبي لفاقد التِّرب



أوصي حبيباً أن يجود له

بالنفس من مقة ومن حب



أعزز علينا يابن عوسجة

من أن تفارق ساحة الحرب



عانقت بيضهم وسمرهم

ورجعت بعد معانق التُّرب



أبكي عليك وما يفيد بكا

عيني وقد أكل الأسي قلبي



(ضبط الغريب)

ممّا وقع في هذه الترجمة:

(فاظ): بالظاء المعجمة مات، فإذا قلت فاضت نفسه فبالضاد وأجازوا الظاء.

(سـلق آذربـايـجـان): السلق بالتحريك الأرض الصفصف، وآذربايجان قطر معروف قاعدته أولاً أردبـيـل، فـتحه حذيفة بن اليمان [7] سنة عشرين من الهجرة، وكان معه مسلم بن عوسجة.

(مجحل): بالجيم قبل الحاء المهملة المشدّدة، أي صريع.

(الترب): لدة الإنسان ونظيره.



پاورقي

[1] لم أعـثـر عـليـه فـي الطـبقات الکبري، وأورده الجزري في أُسد الغابة: 4: 264 بعنوان مسلم أبو عوسجة، وابن حجر في الإصابة: 6: 96، الرقم 7978.

[2] راجع الأخبار الطوال:235،الکامل:4:25،الإرشاد:2:45،مقاتل الطالبيين: ص 100.

[3] تاريخ الطبري: 3: 315، الکامل: 4: 58، الإرشاد: 2: 92.

[4] الإرشاد: 2: 96 بتفاوت في بعض الکلمات.

[5] سورة الأحزاب: 23.

[6] تاريخ الطبري: 3: 325، الکامل: 4: 68.

[7] راجع ترجمته في تهذيب الکمال: 5: 495.