بازگشت

الفاتحة


في احوال ابي عبدالله الحسين اجمالا من ولادته الي قتله

الحـسين بن علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم، أبو عبداللّه، ولد لثلاث أو خمس من شـعـبـان سـنـة أربـع مـن الهـجـرة بـعـد الحـسـن عليه السلام، فـجـائت بـه أُمـّه فـاطـمـة بـنـت رسول اللّه صلي الله عليه وآله إلي أبيها فسمّاه الحسين وعقّ عنه كبشاً، بقي في بطن أُمّه ستّة أشهر كيحيي بـن زكـريـا عـلي مـا تـنـاصـرت بـه الا خـبار [1] ، وبقي مع جدّه ثماني سنين ومع أبيه ثـمـانـي وثـلاثـين سنة، ومع أخيه الحسن عليه السلام ثماني وأربعين سنة علي التقريب، وبعد أخيه عشر سنين.

و قـتـل صـلوات اللّه عـليـه سـنـة إحـدي وستين فيكون عمره ثماني و خمسين سنة إلاّ ثمانية أشهر تنقص أيّاماً.

و كـان حـبـيـبـاً إلي جـدّه و أبـيـه و أُمـّه و لمـحـبـة أبـيه له لم يدعه ولا أخاه الحسن يحاربان في البـصرة و لا في صفين و لا في النهروان، و قد حضرا الجميع، و كانت إمامته عليه السلام ثابتة بالنص الصـريـح مـن جـدّه رسـول اللّه صلي الله عليه وآله حيث قال فيه و في أخيه: (الحسن والحسين إمامان قاما أو قـعـدا) [2] فـكـان سـكـوته عن حقّه في زمن الحسن، لانّ الحسن إمام عليه و بعده للعهد الذي عاهد عليه معاوية الحسن عليه السلام فوفي به، أو


لغير ذلك ممّا يعلمه هو عليه السلام.

و لمـّا تـوفـّي مـعاوية في نصف رجب سنة ستين و خلّف ولده يزيد، كتب يزيد إلي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان و كان علي المدينة من قبل معاوية أن يأخذ له البيعة من الحسين عليه السلام و عبداللّه بن الزبـيـر، و عـبـداللّه بـن عـمر ففرّ العبدان و امتنع الحسين عليه السلام، و كان ذلك في أواخر رجب. ثمّ ما زال مـروان بن الحكم يغري الوليد بالحسين عليه السلام حتّي خرج الحسين من المدينة ليلة الأحد ليومين بـقـيـا مـن رجـب، و خـرج مـعـه بـنـوه و بـنـو أخـيـه الحـسـن عليه السلام و إخـوتـه و جـلّ أهـل بـيـتـه إلاّ مـحـمـّد بـن الحـنـفـيـّة، فـتـوجـه إلي مـكـّة و هـو يـتـلو (فـخـرج منها خائفاً يترقّب قـال ربّ نـجـّنـي مـن القـوم الظـالمـيـن) [3] ، ولزم الطـريـق الأعـظـم فـقـال له أهـل بـيـتـه: لو تـنـّكـبـتَ كـمـا فـعـل ابـن الزبـيـر كـيـلا يـلحـقـك الطـلب، فـقـال: (لا و اللّه لا أُفـارقـه حـتـّي يـقـضـي اللّه مـا هـو قـاض). و دخـل مـكـّة لثـلاث مـضـيـن مـن شـعـبـان و هـو يـتـلو (و لمـّا تـوجـّه تـلقـأ مـديـن قـال عـسـي ربـّي أن يـهـديـنـي سـوأ السـبـيـل) [4] ثـم نـزل الأبـطح [5] فجعل أهل مكّة و من كان بها من المعتمرين يختلفون عليه و فيهم إبن الزبير.

قـال أهـل السـيـر: و لمـّا بـلغ هـلاك مـعاوية أهل الكوفة أرجفو بيزيد و عرفوا خبر الحسين عليه السلام و امـتـنـاعـه و خروجه إلي مكّة، فاجتمعت الشيعة في دار سليمان بن صرد الخزاعي فذكروا ما كان و تـوامـروا عـلي أن يـكـتبوا للحسين عليه السلام بالقدوم إليهم و خطبت بذلك خطباؤهم، فكتبوا إليه كـتـبـاً و سـرحـوهـا مـع عـبـداللّه بـن مـسـمـع، و عـبـداللّه بـن وال


و أمروهما بالنجّأ [6] ، فجدّا حتّي دخلا مكّة لعشر مضين من شهر رمضان، ثمّ كتبوا إليه بعد يومين، و سرّحوا الكتب مع قيس بن مُسَّهر الصيداوي، و عبدالرحمن بن عبداللّه الا رحبي، ثـمّ كـتـبـوا إليـه بـعـد يـومين آخرين و سرحوا الكتب مع هاني بن هاني السبيعي و سعيد بن عبداللّه الحنفي حتّي بلغت الكتب إثني عشر ألفاً، و هي تنطوي علي الإستبشار بهلاك معاوية و الإستخفاف بـيـزيـد، و طـلب قـدومـه و العهد له ببذل النفس و النفيس دونه. و كان من المكاتبين حبيب بن مُظَهّر، و مـسـلم بـن عوسجة، و سليمان بن صُرَد، و رفاعة بن شدّاد، و المسيّب بن نجبة، و شبث بن ربعي، و حجار ابن أبجر، و يزيد بن الحرث بن رويم، و عزرة بن قيس، و عمرو بن الحجاج، و محمد ابن عمير و أمثالهم من الوجوه [7] .

و بـلغ أهـل البـصـرة مـا عليه أهل الكوفة فاجتمعت الشيعة في دار مارية [8] بنت منقذ العـبـدي ـ و كـانـت مـن الشـيـعـة ـ فـتـذاكـروا أمـر الإمـامـة و مـا آل إليـه الأمـر فأجمع رأي بعض علي الخروج فخرج و كتب بعض يطلب القدوم، فلمّا رأي الحـسـيـن عليه السلام ذلك دعـا مـسلم بن عقيل و أمره بالرحيل إلي الكوفة و أوصاه بما يجب، و كتب معه إلي أهل الكوفة أمّا بعد: (فإنّ هانياً و سعيداً قَدِما عَليّ بكتبكم و كانا آخر من قَدِمَ عَليّ من رُسلُكم و قـد فـهـمـت مـا اقـتـصـصـتـم مـن مـقـالة جـُلّكـم أنـّه ليـس عـليـنـا إمـام فـأقـبـل لعـلّ اللّه يـجـمـعـنـا بـك علي الحق و الهدي. و إنّي باعث إليكم أخي و ابن عمّي و ثقتي من أهـل بـيـتـي مـسـلم بـن عـقـيـل، فـإن كـتـب إليّ أنـّه قـد اجـتـمـع رأيُ مـَلَئِكـم و ذوي الحـجـا


والفـضـل مـنـكـم علي مثل ما قدمت به رُسُلكُم و قرأتُ في كتبُكم، فإنّي أقدم إليكم و شيكاً إن شـأاللّه فـلَعـمـري مـا الإمـام إلاّ الحاكم بالكتاب القائم بالقسطِ الدائنُ بدينِ الحقّ الحابسُ نفسه علي ذات اللّه والسلام) [9] .

وسـرح مـع مـسـلم، قـيـس بـن مـسـهـر، و عـبـدالرحـمـن بـن عـبـداللّه و جـمـلة مـن الرسل منهم عمارة بن عبداللّه، فرحل مسلم بن عقيل من مكّة و مرّ بالمدينة ثمّ خرج منها إلي العراق، و أخـذ مـعـه دليـليـن مـن قيس فجارا عن الطريق حتّي عطشا ثم أومئا له علي السنن و ماتا عطشاً، فتطيّر مسلم و كتب بذلك إلي الحسين عليه السلام من المضيق و سرّح بكتابه مع قيس بن مُسَهّر، فأجابه الحـسـيـن عليه السلام بـالحـثّ عـلي المـسـيـر فـسـار حـتـّي دخـل الكـوفـة، فـنـزل عـلي المـخـتـار بـن أبـي عـبـيـدة الثـقـفـي، فـهـرع إليـه أهـل الكـوفـة وبايعه ثمانية عشر ألفاً، فكتب بذلك إلي الحسين عليه السلام مع قيس بن مسهر. و كتب الحـسـيـن عليه السلام إلي رؤسـأ الأخـماس في البصرة و إلي أشرافها مع سليمان مولاه فكتب إلي مـالك بـن مـَسـْمـَع البـَكْري، و إلي الأحنف بن قيس، و إلي المنذر بن الجارود، و إلي مسعود بن عـمـرو، و إلي قـيـس بـن الهـيثم، و إلي عمرو [10] بن عبيداللّه بن معمر بنسخة واحدة: (أمـّا بـعـد فـإنّ اللّه اصطفي محمّداً صلي الله عليه وآله علي خلقه و أكرمه بنبوّته و اختاره لرسالته ثمّ قبضه اللّه إليه، و قد نصح لعباده و بلّغ ما أرسل به صلي الله عليه وآله، وكنا أهله و أولياؤه و أوصياؤه و ورثـتـه و أحـقّ النـاس بـمـقـامـه فـي النـاس فـاسـتـأثر علينا قومنا بذلك فأغضينا كراهية للفـرقـة و محبة للعافية، و نحن نعلم أنّا أحقّ بذلك الحقّ المستحقّ علينا ممن تولاّه، و قد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب و أنا أدعوكم إلي كتاب اللّه و سنّة نبيّه، فإنّ السنّة قد أُميتت و إنّ البـدعـة قـد أُحـيـيـت، فـإن تـسـمـعـوا قـولي و تـطـيـعـوا


أمـري أهـدكـم سبيل الرشاد والسلام) [11] .

فـأخـبـر بـالكـتـاب المـنـذر و أتـي بـالرسـول إلي ابـن زيـاد، و كـان ابن زياد في البصرة و النـعـمـان بـن بـشـير الأنصاري في الكوفة عاملين عليها ليزيد فتعتع الشيعة عند ورود مسلم الكوفة بالنعمان فلم يحب الشدّة و تحرّج، فكتب جماعة من العثمانيّة إلي يزيد فعزله و أعطي المـصـريـن إلي عـبـيـداللّه بـن زيـاد، فـلمـّا قـرأ الكـتـاب و نـظـر الرسـول قتله، و جعل أخاه عثمان علي البصرة و توعّدها، و خرج إلي الكوفة و معه شريك بن الأعـور، و كـان قـد جـأ مـن خـراسـان مـعـزولاً عـن عـمـله عـليـهـا، و مـسـلم بـن عـمـرو البـاهـلي و كـان رسـول يـزيـد إلي عـبـيـداللّه بـولايـة المصرين، و حصين بن تميم التميمي و كان صاحبه الذي يـعـتـمـد عـليـه، و جـعـل شـريـك يـتـمـارض فـي الطـريـق ليـحـبـسـه عـن الجـدّ فيدخل الحسين الكوفة فما عاج عليه و تقدّم حتّي دخلها و نظم مسالحها علي ضفة الطف من البصرة إلي القـادسـيـّة [12] . و لمـا جـأ كـتـاب مـسـلم إلي الحـسين عزم علي الخروج، فجمع أصـحـابـه فـي الليـلة الثـامـنـة مـن ذي الحـجـّة فـخـطـبـهـم فـقال: (الحمد للّه و ما شأ اللّه ولا قوّة إلاّ باللّه، خطّ الموت علي ولد آدم مخطّ القلادة؛ علي جيد الفتاة؛ و ما أولهني إلي أسلافي إشتياق يعقوب إلي يوسف، و خيّر لي مصرع أنا لاقيه، فـكـأنـّي بـأوصـالي تـقـطّعها عسلان الفلوات بين النواويس و كربلا فيملأن منّي أكراشاً جـوفـا و أجـربـةً سـغـبـا، لا مـحـيـص عـن يـوم خـُطَّ بـالقـلم، رضـأ اللّه رضـانـا أهـل البـيـت نـصـبـر عـلي بـلائه و يـوفـّيـنـا أجـور الصـابـريـن ولن تـشـذّ عـن رسـول اللّه صلي الله عليه وآله لحـمته و هي مجموعة في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينه و ينجز بهم وعده، فمن كـان بـاذلاً فـيـنـا مـهـجـتـه مـوطـّنـاً عـلي لقـأ اللّه نـفـسـه فـليـرحـل فـإنـّي راحـل مـصبحاً إن شأ اللّه) [13] . ثمّ أصبح فسار، فمانعه ابن عـبـّاس و ابـن الزبير فلم يمتنع، ومرَّ بالتنعيم [14] فمانعه ابن عمر، وكان علي ماء له فلم يمتنع، و مرَّ بوادي العقيق [15] .

ثـمّ سـار مـنـه فـأرسـل إليه عبداللّه بن جعفر ابنيه وكتب إليه بالرجوع فلم يمتنع، وسار مـغـذا [16] لا يـلوي عـلي شـي ء حـتـّي نـزل ذات عـرق [17] فـتـبـعـه مـنـهـا رجـال، ثـمّ نـزل الحـاجـر مـن بـطـن الرمة [18] فبعث قيساً إلي مسلم بكتاب يخبر به أهل الكوفة عن قدومه، ثمّ سار فمرّ بالثعلبيّة [19] فزرود [20] فبلغه خـبـر مـسـلم و هـانـي و قـيـس، ثـمّ سـار فمرّ بزبالة [21] فأُخبر بعبداللّه بن يقطر، فـخـطـب أصـحـابـه و أعلمهم بما كان من أمر مسلم و هاني و قيس و عبداللّه و أذن لهم بالإنصراف فـتـفـرّق النـاس عـنه يميناً و شمالاً إلاّ من كان من أهل بيته و صفوته. ثمّ سار فمرّ ببطن العقبة فـنـزل شـراف وبـات بـهـا، فـلمـّا أصـبـح سـار فـطـلعـت خـيـل عـليـهـم فـلجـأ إلي ذي حـسـم فـإذا هو الحر بن يزيد في


ألف فارس يمانعه عن المسير بـأمـره، و قـد بـعـثـه الحـصـين بن تميم التميمي و كان علي مسلحة الطف التي نظمها ابن زياد من البـصـرة إلي القـادسـيـة، فـصـلّي بـهـم الحـسـيـن الظـهـر، ثـمّ خـطـبـهـم فـقـال: (أيّها الناس إنّي لم آتِكم حتّي أتتني كتبكم و قدمتْ عليّ رسلُكم أن اقدم إلينا فإنّه ليـس عـليـنـا إمـام لعـلّ اللّه أن يـجمعنا بك علي الهدي و الحقّ، فإن كنتم علي ذلك فأعطوني ما أطـمـئن إليـه مـن عـهـودكـم و مـواثيقكم، و إن لم تفعلوا و كنتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم إلي المكان الذي جئت منه إليكم) [22] فسكتوا عنه.

ثمّ صلّي بهم العصر فخطبهم فقال: (أيّها الناس إنّكم إن تتقوا اللّه و تعرفوا أنّ الحق لأهله يكن أرضي للّه عنكم، و نحن أهل بيت محمّد أولي الناس بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدّعين ما ليـس لهـم، و السـائريـن فـيـكـم بالجور و العدوان، فإن أبيتم إلاّ كراهيةً لنا وجهلاً بحقّنا، و كـان رأيـكـم غـيـر مـا أتـتـنـي بـه كـتـبـكـم و قـدمـت عـليّ بـه رسـلكـم انـصـرفـت عـنـكـم). فـقـال له الحـر: و اللّه مـا أدري مـا هـذه الكـتـب التـي تـذكـرُ، فـقـال الحـسـيـن لعقبة بن سمعان غلام لزوجته الرباب ابنة إمرء القيس: قم فأخرج الخُرجَين اللذيـن فـيـهـمـا كـتـبـهـم. فـأتـي بـهـمـا فـنـثـرت بـيـن يـديـه، فـقـال الحـر: إنـّا لسـنـا مـنـهـم، وقـد أُمـرنا بملازمتك و إقدامك الكوفة علي عبيداللّه بن زياد، فـأبـي الحـسـين و ترادّا القول في ذلك، ثمّ رضيا بكتابة الحر إلي ابن زياد في الإستيذان بالرجوع إلي مكّة، فأجابه بالتضييق علي الحسين و القدوم به عليه، فأبي عليه الحسين عليه السلام فـجـعـل يـسير و الحرّ يمانعه، ثمّ عزم علي السير في طريق لا يرجع به إلي مكّة و لا يذهب بـه إلي الكـوفـة فـتـيـاسـر و الحـر يـلازمـه [23] فـنـزل و خـطـب أصـحـابـه فـقـال: (أمـا بـعـد فـإنـّه قـد نـزل بـنا


من الأمر ما قد ترون، ألا و إنّ الدنيا قد تغيّرت و تنكرت و أدبر معروفها و استمرت حـذأ و لم يـبـق مـنـهـا إلاّ صـبـابـة كـصـبـابـة الإنـاء و خـسـيـس عـيـش كـالمـرعـي الوبـيـل، ألا تـرون إلي الحـقّ لا يـعـمـل بـه وإلي البـاطـل لا يـتـنـاهـي عـنـه؟! فليرغب المؤمن في لقأ ربّه محقّاً فإنّي لا أري الموت إلاّ سعادة و الحـيـاة مـع الظـالمـيـن إلاّ برما) [24] . فقام أصحابه و أجابوه بما اقتضي خالص الدين و أوجب محض الإيمان، فركب و تياسر عن طريق العذيب [25] والقادسيّة، فمرّ بـقـصـر بـنـي مـقـاتـل ثـمّ سـار، فـأتـي إلي الحـر أمـرٌ مـن عـبـيـداللّه بـالتـضـيـيـق عـليه، فـنـزل كربلا يوم الخميس ثاني محرّم الحرام من سنة إحدي و ستين و ضرب أخبيته هناك، فأتاه عمر بن سعد بالسيل الجارف من الرجال و الخيل حتّي نادي منادي ابن زياد في الكوفة ألا برئت الذمـة مـمـن و جـد فـي الكـوفـة لم يـخـرج لحـرب الحـسـيـن عليه السلام، فـرئي رجـل غـريـب فـأُحـضـر عـنـد ابـن زيـاد فـسـأله فـقـال: إنـّي رجـل مـن أهـل الشـام جـئت لديـن لي فـي ذمـّة رجـل مـن أهـل العـراق. فـقـال ابـن زيـاد: اقـتـلوه فـفـي قـتـله تـأديـب لمـن لم يـخـرج بـعـد فقتل.

وكان عمر بن سعد أراد الموادعة فسأل الحسين عليه السلام عما أتي به فأخبره، و خيّره بين الرجوع إلي مـكـّة و اللحـوق بـبـعـض الشـعـوب النـائيـة والجبال القاصية، فكتب بذلك إلي ابن زياد فـأجـابـه بـالتـهـديـد و الإيـعـاد و بـاعـتـزال العـمـل و تـوليـته لشمر بن ذي الجوشن إن لم ينازل الحسين عليه السلام أو يستنزله علي حكمه، فوصل الكتاب إلي عمر بن سعد في اليوم السادس من المحرّم، و قد تكامل عنده من الرجال عشرون ألفاً، فقطع المراسلات بينه و بين الحسين و ضيّق عـليـه و مـنـع عـليـه ورود المـاء و طـلب مـنـه إحـدي


الحـالتـيـن النـزول أو المـنـازلة، فـجـعـل يـتـسـلل إلي الحـسـيـن مـن أصـحـاب عـمـر بـن سـعـد فـي ظـلام الليـل الواحـد و الإثنان حتّي بلغوا في اليوم العاشر زهاء ثلاثين ممّن هداهم اللّه إلي السعادة و وفقهم للشهادة.

ثمّ إنّ الحسين عليه السلام عطش في اليوم الثامن فأرسل أخاه العبّاس في عشرين فارساً و مثلهم راجلاً فـأزالوا الحـرس عـن المراصد و شربوا و ملؤا قربهم و رجعوا،ثمّ أتي أمر من عبيداللّه إلي عـمـر بـن سـعـد يـسـتـحـثـّه عـلي المـنـازلة، فـركـبـوا خـيـولهـم و أحـاطـوا بـالحـسـيـن عليه السلام و أهـل بـيـتـه و أصـحـابـه فـأرسـل الحـسـيـن عليه السلام أخـاه العـبـّاس و مـعـه جـمـلة مـن أصـحـابـه و قال: سلهم التأجيل إلي غد إن إستطعت، و كان ذلك اليوم تاسع محرّم فأجّلوه بعد مؤامرة بـيـنـهـم و مـلاومـة، فـلمـّا دجـا الليـل بات أُولئك الأنجاب بين قائم و قاعد و راكع و ساجد، و إنّ الحـرس لتـسـمـع مـنـهـم فـي التـلاوة دويّاً كدوي النحل، ثمّ جاءهم سيّدهم الحسين عليه السلام فخطبهم و قـال: (أُثني علي اللّه أحسن الثناء، و أحمدُه علي السرّاء والضرّاء، اللهمّ إنّي أحمدك علي أن أكرمتنا بالنبوّة و علّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً و أبصاراً و أفئدة، فاجعلنا من الشاكرين).

أمـا بـعـد: (فـإنـّي لا أعـلم أصـحـابـاً أوفـي و لا خـيـراً مـن أصـحـابـي و لا أهل بيتٍ أبرّ و لا أوصل من أهل بيتي فجزاكم اللّه عنّي خيراً، ألا و إنّي لأظنّ أن لنا يوماً من هؤلاء، ألا و إنـّي قـد أذنـتُ لكـم فـانـطـلقـوا جـمـيـعـاً فـي حـِلّ ليـس عـليـكـم مـنـّي ذمـام، و هـذا الليـل قـد غـشـيـكـم فـاتـّخـذوه جـَمـَلاً و دعـونـي و هـؤلاء القـوم فـإنـّهـم ليـس يـريـدون غـيـري) [26] .

فأبي عليه أهل بيته و أصحابه و أجابوه بما شكرهم عليه، فخرج عنهم و تركهم علي ما هم عليه من العبادة ينظر في شؤونه و يوصي بمهماته.

فـلمـّا أصـبـح الحسين عليه السلام عبّأ أصحابه و كان معه إثنان و ثلاثون فارساً و أربعون


راجلاً، فـجـعـل المـيـمـنـة لزهـيـر و المـيـسـرة لحـبـيـب، و أعـطـي أخـاه العـبـّاس الرايـة و جـعـل البـيـوت خلف ظهورهم و عمل خندقاً وراءها فأحرق فيه قصباً و حطباً لئلاّ يؤتي من خلف البيوت.

و أصـبـح عـمـر بـن سـعـد فـعـبـّأ أصـحـابـه، و قـد بـلغـوا إلي ذلك اليـوم ثـلاثين ألفاً، فـجـعـل المـيـمـنـة لعـمـرو بـن الحـجـّاج، و المـيـسـرة لشـمـر بـن ذي الجـوشـن، و عـلي الخـيـل عـزرة بـن قـيس [27] ، و علي الرجّالة شبث بن ربعي، و أعطي مولاه دريداً الراية [28] .

فـلمـّا نظر هم الحسين رفع يديه داعياً و قال: (اللهمّ أنت ثقتي في كلّ كربٍ، و أنت رجائي في كلّ شـدّةٍ و أنـت لي فـي كلّ أمر نزل بي ثقةٌ وعدّة، كم من همّ يضعفُ فيه الفؤاد، و تقلّ فيه الحيلة، و يـخـذلُ فـيـه الصـديـق، و يشمتُ فيه العدوّ، أنزلته بك و شكوتُه إليك رغبةً منّي إليك عمّن سـواك؛ فـفـرّجـتـه عـنـّي و كـشـفـتـه؛ فـأنـت وليّ كـلّ نـعـمـة، و صاحب كلّ حسنة، و منتهي كلّ رغبة) [29] .

ثـمّ دعـا بـراحـلتـه فـركـبـهـا و نـادي بـأعـلي صـوتـه: (يـا أهـل العـراق ـ وجـلّهـم يـسـمـع ـ إسـمعوا قولي و لا تعجلوا حتّي أعظكم بما يحق لكم عليّ، و حتّي أعتذر إليكم في مقدمي هذا و أعذِر فيكم، فإن قبلتم عذري و صدقتم قولي و أعطيتموني النصف مـن أنـفـسـكـم كـنـتـم بـذلك أسـعـد، و إن لم تـقـبـلوا مـنّي العذر و لم تعطوني النصف من أنفسكم فـأجـمـعـوا أمـركـم و شركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمّة ثمّ اقضوا إليّ و لا تُنظِرون، إنّ وليـي اللّه الذي نـزّل الكـتـاب و هـو يـتـولّي الصالحين) [30] فأنصتوا بعض ‍ الإنصات. فحمد اللّه و أثني عليه و ذكره بما هو أهله من المحامد و صلّي علي نبيّه محمّد صلي الله عليه وآله


و علي مـلائكـتـه و أنـبـيـائه بـأحـسـن مـا يـجـب، فـلم يـُر مـتـكـلّم قـط أبـلغ مـنه لا قبله و لا بعده، ثمّ قـال: (أمـّا بـعـد، فـانـسـبـونـي مـن أنـا، ثـمّ ارجـعـوا إلي أنـفـسـكـم و عـاتـبـوهـا، فـانـظـروا هـل يـصـلُح لكـم قـتـلي و انـتـهـاك حـرمـتـي؟ ألسـت ابـن بـنـت نـبـيـّكـم، و ابـن وصـيـّه و ابـن عـمـّه و أوّل المـؤمـنـيـن المـصـدّق لرسول اللّه بما جأ به من عند ربّه؟! أوليس ‍ حمزة سيّد الشهدأ عـمـّي؟! أوليـس جـعـفـر الطـيـّار فـي الجـنـّة بـجـنـاحـيـن عـمـّي؟! أوليـس ‍ بـلغـكـم مـا قـال رسـول اللّه لي و لا خـي هـذان سـيـّدا شـبـاب أهـل الجـنـّة؟! فـإن صـدّقـتـمـونـي بـمـا أقـول و هـو الحق فواللّه ما تعمّدت الكذب منذ علمت أنّ اللّه يمقت عليه أهله؛ و إن كذّبتموني فإنّ فـيـكـم مـن إن سـألتموه عن ذلكم أخبركم، سلوا جابر بن عبداللّه الأنصاري، و أبا سعيد الخُدري، و سهل بن سهل [31] الساعدي، و زيد بن أرقم، و مالك بن أنس، يخبروكم أنـّهـم سمعوا هذه المقالة من رسول اللّه. أما في هذا حاجز لكم عن دمي؟! فقطع عليه شمر كلامه و أجـابـه حـبـيـب بـن مـُظَّهـر بـمـا يـأتـي فـي تـرجـمـتـه. فـعـاد الحـسـيـن إلي خـطـبـتـه و قـال: (فـإن كـنـتـم فـي شـكّ مـن هـذا أفتشكّون أنّي ابن بنت نبيّكم؟! فواللّه ما بين المشرق و المـغـرب ابـن بـنـت نـبـي غـيـري فـيـكـم و لا فـي غـيـركـم، و يـحـكـم أتـطـلبـونـي بقتيل فيكم قتلته أو مال لكم استهلكته، أو بقصاص ‍ جراحة)؟! فأخذوا لا يكلّمونه، فنادي: يا شبث بن ربعي و يا حجّار بن أبجر و يا قيس بن الأشعث و يا يزيد بن الحارث، ألم تكتبوا إليّ أن قـد أيـنـعـت الثـمـار و اخـضـرّ الجـنـابُ، و إنـّمـا تـقـدم عـلي جـنـدٍ لك مـجـنـّدة؟! فـقـال له قـيـس بـن الأشـعـث: نـحـن لا نـدري مـا تـقـول، ولكـن انزل علي حكم بني عمّك فإنّهم لا يرونك إلاّ ما تحب.

فـقـال له الحـسـيـن: (أنـت أخـو أخـيـك، أتـريـد أن تـطـالب بـأكـثـر مـن دم مـسـلم)؟! ثـمّ قال:(لا و اللّه لا أُعطيكم بيدي إعطأ الذليل، و لا أفرّ فرار العبيد، يا عباداللّه، إنّي


عُذتُ بربي و ربّكم أن ترجمون، أعوذ بربّي و ربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب).

ثـم أنـاخ راحـلتـه فـعـقـلهـا عـقـبـة بن سمعان و زحف القوم إليه وجالت خيولهم، فدعا بفرس رسـول اللّه صلي الله عليه وآله المـرتـجـز و عمامته و درعه و سيفه، فركب الفرس و لبس الأثار و وقف قبالة القـوم، فـاسـتنصتهم فأبوا عليه، ثمّ تلاوموا فنصتوا، فخطبهم: حمد اللّه و أثني عليه، و اسـتـنـشـدهـم عـن نـفـسـه الكـريـمـة و مـا قـال فـيـهـا جـدّه رسـول اللّه صلي الله عليه وآله و عـن فـرس رسـول اللّه و درعه و عمامته و سيفه، فأجابوه بالتصديق، فسألهم لِمَ يقتلونه؟ فأجابوه لطـاعـة أمـيـرهم. فخطبهم ثانياً و قال: (تبّاً لكم أيّتها الجماعة و ترحاً،أحين استصرختمونا و الهين فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم، وحششتم [32] علينا نـاراً اقـتـدحـنـاهـا عـلي عـدوّنـا و عـدوّكـم؟ فـأصـبـحـتـم إلبـاً لا عـدائكـم عـلي أوليائكم بغير عـدل أفـشـوه فـيـكـم، و لا أمـل أصبح لكم فيهم، فهلاّ لكم الويلات تركتمونا و السيف مشيم والجـأش طـامـن و الرأي لمـا يـسـتـحـصـف، ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبأ وتداعيتم إليها كـتـهـافت الفراش، فسحقاً لكم يا عبيد الأمة، و شذّاذ الأحزاب، و نبذة الكتاب، و محرّفي الكلم، و عـصـبـة الإثـم و نـفـثـة الشيطان، و مطفيء السنن، و يحكم أهؤلاء تعضدون، و عنّا تتخاذلون؟! أجـل و اللّه، غـدر فـيـكـم قـديـم و شجت عليه أصولكم، و تآزرت عليه فروعكم، فكنتم أخبث ثـمـر، شـجـي للناظر و أكلة للغاصب، ألا و إنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة و الذلّة، و هـيـهـات منّا الذلّة، يأبي اللّه لنا ذلك و رسوله و المؤمنون، و حجور طابت و طهرت، و أُنـوف حميّة، و نفوس أبيّة، من أن نؤثر طاعة اللئام، علي مصارع الكرام، ألا و إنّي زاحف بهذه الأسرة علي قلّة العدد و خذلان الناصر! ثمّ أنشد أبيات فروة بن مسيك


المرادي:



فإن نَهْزِمْ فهزّامون قدماً

و إن نُهْزَم فغير مُهَزِمِّينا



وما إن طبنّا جبن ولكن

منايانا و دولة آخرينا



فقل للشامتين بنا أفيقوا

سيلقي الشامتون كما لقينا



ثمّ قال: (أما واللّه لا تلبثون بعدها إلاّ كرَيْث ما يركب الفرس حتّي تدور بكم دور الرحي، و تـقلق بكم قلق المحور، عهد عهده إليّ أبي عن جدّي صلي الله عليه وآله (فأجمعوا أمركم و شركائكم ثمّ لا يـكـن أمـركـم عـليكم غمّة ثمّ اقضوا إليّ و لا تنظرون) [33] .

(إنّي توكّلت علي اللّه ربـّي و ربـكـم مـا مـن دابـّةٍ فـي الأرض إلاّ هـو آخـذ بـنـاصـيـتـهـا إنّ ربـّي عـلي صـراط مـسـتـقيم ( [34] ، اللهـمّ احـبس عنهم قطر السماء، و ابعث عليهم سنين كسنّي يوسف، و سلّط عليهم غـلام ثـقـيـف يـسـقـيـهم كأساً مصبّرة فإنّهم كذّبونا و خذلونا و أنت ربّنا عليك توكّلنا و إليك المصير) [35] .

ثمّ خرج إليه الحرّ بن يزيد، و أمر عمر بن سعد الناس بالحرب، فتقدّم سالم و يسار فوقعت مبارزات، ثمّ صاح الشمر بالناس و عمرو بن الحجّاج بأنّ هؤلاء قوم مستميتون فلا يبارزنهم أحـد، فـأحـاطـوا بـهـم مـن كـلّ جـانـب و تـعـطـّفـوا عـليـهـم، و حـمل الشمر علي الميسرة، و عمرو علي الميمنة، فثبتوا لهم و جثّوا علي الركب حتّي ردوهم، وبانت القـلّة فـي أصـحـاب الحـسـيـن عليه السلام بـهـذه الحـمـلة التـي تـسـمـّي الحـمـلة الأولي، فـإن الخيل لم يبق منها إلاّ القليل، و ذهبت من الرجال ما يناهز الخمسين رجلاً.


ثـمّ صـلّي الحـسـين عليه السلام الظهر أوّل وقتها صلاة الخوف و وقعت مقاتلات قبلها و في أثنائها ممّن وقـف لمـحـامـاتـه و اقـتـتـلوا بـعـد الظـهـر، فـلم يـبـق مـع الحـسـيـن أحـد مـن أصـحـابـه، فـتـقدّم أهـل بـيـتـه حـتـّي لم يـبـق مـنـهم أحد، فتقدّم إلي الحرب بنفسه فوقف بينهم و ضرب بيده علي كـريـمـتـه الشـريـفـة و كـانـت مـخـضـوبـة كـأنـّهـا سـواد السـبـج، قـد نصل منها الخضاب، و قال: (اشتدّ غضب اللّه علي اليهود إذ قالوا عزير ابن اللّه، و اشتدّ غضبه عـلي النـصـاري إذ قالوا المسيح ابن اللّه، و اشتدّ غضبه علي قوم أرادوا ليقتلوا ابن بنت نبيّهم) [36] .

ثـمّ نـادي: (هـل مـن ذاب يـذبّ عـن حـرم رسـول اللّه، هـل مـن مـوحـّد يـخـاف اللّه فـيـنـا، هـل مـن مـغـيـث يـرجـو اللّه بـإغـاثـتنا، هل من معين يرجو ما عند اللّه بإعانتنا)؟! فارتفعت أصوات النـسـاء بـالعـويـل، فمضي إلي مخيّمه ليُسكِت النساء و أخذ طفلاً له من يد أُخته زينب فرماه حـرملة أو عقبة بسهم فوقع في نحره كما سيأتي ذكره في ترجمته، فتلقي الدم بكفّيه و رمي به نحو السماء، و قال: (هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين اللّه).

ثـمّ جـرّد سـيـفـه فـيـهـم فـجـعـل يـنـقـف الهـام و يـوطـئ الأجـسـام، و رمـاه رجـل من بني دارم بسهم فأثبته في حنكه الشريف، فانتزعه و بسط يديه [37] تحت حنكه فلمّا امتلئتا دماً رمي به نحو السمأ و قال: (أللهمّ إنّي أشكو إليك ما يُفعلُ بابنِ بنتِ نـبـيـّك) [38] ثمّ عاد إلي مخيّمه فطلب ثوباً يلبسه تحت ثيابه فأُتي بتُبان، فقال:(لا، هذا لباس من ضُربت عليه الذلّة)، فجيئ له ببرد يماني يلمع فيه البصر ففزره و لبسه تحت ثيابه، ثمّ شدّ عليهم شدّة ليث مغضب و جراحاته تشخب دماً فتطايروا من بين يديه، وحـال


مـن تـيـامـن أو تـيـاسـر بـيـنـه و بـيـن حـرمـه. فـصـاح: (ويـلكـم يـا شـيـعـة آل أبـي سـفـيـان إن لم يـكـن لكـم دين و كنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، و ارجـعـوا إلي أحـسـابـكـم إن كـنـتـم عـربـاً كـمـا تـزعـمـون) فـنـاداه شـمـر: مـا تـقـول يـابـن فـاطـمـة؟ قـال: (أقول: إنّي أُقاتلكم وتقاتلوني و النساء ليس عليهنّ جناح، فـامـنـعـوا عـتـاتـكـم و جـهـّالكـم مـن التـعـرّض لحـرمـي مـا دمـت حـيـّاً)، فـقـال له شمر: لك ذلك يابن فاطمة، فجعل يحمل و يحملون و هو مع ذلك يطلب شربة مأ، فلم يجد حتّي أثخنته جراحاته، فوقف ليستريح فرمي بحجرٍ فوقع في جبهته فسالت الدماء علي وجـهـه فـرفـع ثوبه ليمسح الدم عن وجهه، فرمي بسهم فوقع في قلبه، فأخرجه من ورأ ظـهـره فـانـبـعـث الدم كـالمـيـزاب، فـوقـف بـمـكـانـه لا يـسـتـطـيـع أن يـحـمـل، فـصـاح شـمـر بـن ذي الجـوشـن (لعـنـه اللّه) مـا تـنـتـظـرون بـالرجـل؟ فـطـعـنه صالح بن وهب المزني علي خاصرته، فوقع من ظهر فرسه إلي الأرض عـلي خـدّه الأيـمـن و هـو يـقـول: (بـسـم اللّه و بـاللّه و عـلي مـلّة رسول اللّه)، ثمّ قام فضربه زرعة بن شريك علي كتفه اليسري، وضربه آخر علي عاتقه فـخـرّ عـلي وجـهـه و جـعـل يـنـوء برقبته و يكبو، فطعنه سنان في ترقوته، ثمّ انتزع السنان فـطـعـنـه فـي بـوانـي صـدره، و رمـاه سـنان أيضاً بسهم فوقع في نحره، فجلس قاعداً و نزع السـهـم و قـرن كـفـيـه جـمـيـعـاً حـتـّي امـتـلئتـا مـن دمـائه فـخـضـّب بـهـمـا رأسـه و لحـيـتـه و هـو يقول: (هكذا ألقي اللّه مخضباً بدمي مغصوباً عليّ حقّي).

و جـاء مـالك بـن النـسر الكندي فشتم الحسين و قبض علي كريمته و ضربه بسيفه علي رأسه، و بـدر خـولي بـن يـزيـد الأصـبـحـي ليـحـزّ رأسـه فـأرعد، فجاء سنان فضربه علي ثغره الشـريـف، و جـاء شـمـر فاحتزّ رأسه، ثمّ سلبوا جسده الكريم، وحزّت رؤوس ‍ أصحابه، و وطـئت أجـسـادهم بعوادي الخيول؛ و انتهبت الخيام، و أُسر من فيها، و ذهبوا بالرؤوس و السبايا إلي الكوفة، و منها إلي الشام، و منها إلي المدينة وطن جدّهم عليه و عليهم السلام.




فاجعة إن أردت أكتبها

مجملةً ذكرةً لمدّكر



جرت دموعي فحال حائلها

ما بين لحظ الجفون و الزبر



و قال قلبي بقياً عليَّ فلا

و اللّه ما قد طبعت من حجر



بكت لها الارض و السمأ و ما

بينهما في مدامع حمر



و اهتزّ عرش الجليل و اضطربت

فرائص الكاتبين للقدر



(ضبط الغريب)

فيما وقع في هذا المقدّمة من الألفاظ و شرحه علي الترتيب:

(عبداللّه بن مِسْمَع): بوزن منبر الهمْداني السبَيعي له ذكر في التوابين.

(عـبـداللّه بـن وال): التـيـمـي مـن تـيـم بـن بـكـر بـن وائل، له شـرف قتل بعين الوردة في التوابين مع سليمان بن صرد.

(هاني السُبيعي): بضم السين مصغر سبع بطن من همدان، و له ذكر في التوابين.

(سـليـمـان بـن صـُرَد): بـضـم السـيـن و فـتـح الرأ الخـزاعـي مـن مـشـايـخ الشـيـعـة التـوابـيـن قتل بعين الوردة [39] .

(رُفـاعـة بـن شدّاد): بضم رأ رفاعة وتشديد دال شدّاد البجلي من الشيعة التوابين، خرج في حرب مع اليمانين [40] بالكوفة فسمعهم يقولون: يا لثارات عثمان، فعطف عليهم يضرب بسيفه فيهم و يغوص في أوساطهم و هو يقول:



أنا ابن شدّاد علي دينِ علي

لستُ لعثمانَ بن أروي بوَلي




إلي أن قتل، و له ذكر مع مالك بن الأشتر في تجهيز أبي ذر بالربذة [41] .

(المسيّب بن نجبة): بضم ميم مسيّب و فتح يائه المشدّدة و فتح نون نجبة و جيمها و بائها المفردة، الفـزاري له شـرف و رئاسـة، قـتـل بـعـيـن الوردة فـي التـوابـيـن، و الظـاهـر مـن حال هؤلاء أنّهم مُنِعوا من الخروج إلي الطف و حُبِسوا مع جملة من الشيعة كالمختار و غيره.

(شـبـث بـن ربـعـي): بـفـتح الشين المعجمة و البأ المفردة ثمّ ثأ مثلّثة و كسر رأ ربعي و سكون بـائه المـفـردة، ابـن حـصـن التـمـيـمـي الرياحي، كان مؤذّن سجاح المتنبئة فيما ذكره الدارقطني [42] ثـمّ أسـلم وصـار مـن أصـحـاب أمـيـرالمـؤ مـنـيـن عليه السلام، ثـم تحوّل بعد صفّين خارجيّاً، و ولده عبدالقدوس المعروف بأبي الهندي الشاعر الزنديق السكّير، و سبطه صالح بن عبدالقدوس الزنديق الذي قتله المهدي علي الزندقة و صلبه علي جسر بغداد.

(حـجـار بـن أبـجـر): بـالحـأ المـهـمـلة و الجـيم المشدّدة و الرأ المهملة في حجّار، و البأ و الجيم المـعـجـمـتـين و الرأ المهملة في أبجر بن جابر العجلي، و لحجّار سُمْعة و أبوه أبجر نصراني مـات عـلي النـصـرانـيـّة بـالكـوفـة، فـشـيـّعـه بـالكـوفـة النـصـاري لأجـله و المـسـلمـون لأجـل ولده إلي الجـبـّانـة، فـمـرّ بـهـم عـبـدالرحـمـن بـن مـلجـم فقال: ما هذا؟ فأخبروه فقال:



لئن كان حجّار بن أبجر مسلماً

لقد بوعدت منه جنازة أبجر






و إن كان حجار بن أبجر كافراً

فما مثل هذا من كفور بمنكر



فلولا الذي أنوي لفرقت جمعهم

بأبيض مصقول الغرارين مشهر



و كان عازماً علي قتل أميرالمؤمنين عليه السلام مشتملاً علي السيف الذي ضربه به يزيد ابن الحرث بن يـزيـد بـن رويـم ـ بـضـم الرأ المـهـمـلة و فتح الواو من رويم الشيباني ـ و كان أبوه الحرث من أصـحـاب أمـيـرالمـؤ مـنـيـن عليه السلام، مـرض الحـرث فـعـاده و قـال له: (إنّ عـنـدي جـاريـة لطـيـفة الخدمة لمرضك) فأعطاها إيّاه فسمّاها لطيفة، ولدت له يـزيـد هـذا، فـكـان يـقـال له: ابـن لطـيـفـة ـ و كـان عـثـمـانـيـّاً رأيـه، أمـويـّاً ودّه ـ قتل بالري أيّام مصعب بن الزبير، قتله الخوارج.

(عزرة بن قيس): الأحمسي بفتح العين المهملة و سكون الزأ المعجمة و بعدها الرأ المهملة و صحّفه من لم يضبطه بعروة.

(مـحـمـّد بـن عـمـيـر): بن عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي، و حاجب هو صاحب القوس المرهون عند كسري.

(فجارا عن الطريق): جار بالجيم أي ضلّ و عدل عن الإستقامة من الجور.

(المـضـيـق): مـاء لكلب وهو في الأصل ما ضاق من الوادي المتسع، و هذا الماء في ذلك الموضع من بـطـن خـبـت بـفـتـح خـأ خـبـت المـعـجـمـة و سـكـون بـائهـا المـفـردة تـحـت و التـأ المـثـنـاة فـوق، و أصل خبت واقع حوالي المدينة إلي جهة مكّة فكان الدليلين ضلاّ حتّي مالا إلي جهة مكّة.

(الأخـمـاس): أخـمـاس البـصـرة العـاليـة، و بـكـر بـن وائل، و تميم، و عبد قيس، و الأزد.

(مـالك بـن مـسـمـع): بـوزن مـنـبـر البـكـري سـيـد بـكـر بـن وائل.

(الأحنف بن قيس): المشهور بالحلم التميمي، سيد تميم.

(المـنـذر بـن الجارود): العبدي سيد عبد قيس، و كان عبيداللّه بن زياد تزوّج أُخته بحرية، و له شرف و ذكر في الحروب و المغازي.

(مـسـعود بن عمر): الأزدي الفهمي سيد الأزد و بسبب قتله قامت حرب البصرة بعد هلاك يزيد، و هو الذي مـنع من قتل عبيداللّه بن زياد يومئذ، و يكنّي بأبي قيس، و له شرف، و هو الذي جمع الناس و خـطـبـهـم لنـصـرة الحـسـيـن فـلم يـتـوفـق. و يـمـضـي فـي كـتـب المقاتل أنّه يزيد بن مسعود النهشلي، و هذا تميمي يكنّي بأبي خالد و ليس من رؤساء الأخماس، و لعـله مـكـتـوب إليه أيضاً. و الذي يستظهر من الخطبة و الكتاب إلي الحسين عليه السلام أنّ الذي جمع الناس هذا، لا مسعود. ولكن الطبري و غيره من المؤرخين لم يذكروا الثاني.

(قـيـس بـن الهـيـثـم): بـفتح هأ هيثم و سكون اليأ المثنّاة تحت و بالثأ المثلّثة، بن أسمأ بن الصلت السلمي، سيّد أهل العالية، و له شرف و ذكر في حرب البصرة.

(عـبـداللّه بـن عـبـيـداللّه): بـن مـعـمر بوزن مقعد التيمي تيم قريش، و هذا كان في البصرة و له شرف.

(شـريـك بـن الاعـور): بـفـتـح شـيـن شـريـك بـن الحـرث الهـمداني، من المعروفين بالتشيع و من أصـحـاب أمـيـرالمـؤ مـنـيـن عليه السلام و المـقـاتـليـن بـيـن يـديـه فـي حـروبـه، و لي الأعمال بعده لآل أُميّة، فأمّا أبوه الحرث الأعور فمن خوّاص أميرالمؤمنين عليه السلام كما هو معلوم.

(مـسـلم بـن عـمـرو): البـاهـلي، هـذا أبـو قـتـيـبـة بن مسلم صاحب خراسان و فارس ‍ الحرون الذي جـل خـيـل العـرب مـن نـسـله إلي مـدّة مـائتـي سـنـة، و كـان مـسـلم رسـول يـزيـد لعـبـيـداللّه فـي ولاية المصرين و عزل النعمان فاستصحبه، و يمضي في بعض ‍ الكتب أنّه مسلم بن عقبة، و هو غلط فإنّ ذلك شامي لم يكن له في حرب الكوفة يد، و إنّما تولّي حرب المدينة المعروف بحرب الحرّة ليزيد.

حـصين ـ بضم الحأ المهملة و فتح الصاد و اليأ آخر الحروف و النون ـ بن تميم ابن أُسامة بن زهـيـر بـن دريد التميمي صاحب شرطة عبيداللّه. و يمضي في الكتب


حصين بن نمير السكوني و هو غـلط فـاحـش فـإنّ ذلك عند يزيد حارب به أهل المدينة و مكّة، و له في محاربة عين الوردة رئاسة في أهل الشام و سمعة.

(ضـفـّة الطـف): بـفـتح الضاد و تشديد الفاء جانبه، والطف شاطي النهر، و يطلق علي جانب نهر الفـرات الجـنـوبـي مـن البـصـرة إلي هـيـت [43] ، ويـخـص بـالمـوضـع الذي قتل فيه الحسين عليه السلام.

(القادسية): موضع معروف من منازل الحاج عند الكوفة بينه و بينها خمسة عشر فرسخاً.

(مـخـط القـلادة): يعني موضع خط القلادة و هي في الحقيقة الجلد المستدير من الجيد، فكما أنّ ذلك الجلد لازم علي الرقبة كذلك الموت علي ولد آدم، هذا إذا قلنا إنّ مخطّ اسم مكان، و إن قلنا إنّه إسـم مـصـدر بـمـعـنـي خـطّ، فيعني به إنّ الموت دائرة لا يخرج ابن آدم من وسطها كما إنّ القلادة دائرة لا يخرج الجيد منها في حال تقلّده.

(وما أولهني): يعني ما أشدّ شوقي، والوله شدّة الشوق.

(وخِيرَ لي): يعني خار اللّه لي مصرعاً أي اختار، و يمضي علي بعض الألسنة، و في بعض الكتب خير بالتشديد و هو غلط فاحش.

(عـُسـلان الفـلوات): بـضـم العـيـن و سـكـون السـيـن جـمـع عاسل و هو المهتز و المضطرب، يقال للرمح و للذئب و أمثالهما، و المراد هنا المعني الثاني.

(النواويس): جمع ناوس في الأصل، و هو القبر للنصراني، و المراد به هنا القرية التي كانت عند كربلا.

(جوفا): بضم الجيم و سكون الواو جمع جوفاء و هي الواسعة و يجري علي بعض ‍


الألسن تحريك الواو أو تشديدها و هو غلط.

(أجـربـة سـغـباً): أجربة جمع جراب كأغلمة و غلام، و المراد به البطن مجازاً، و سغباً بضمّتين جمع سغبي من السغب و هو الجوع.

(ورأيـت): في نسخة (أحوية): فكأنّه جمع لحوية البطن و هي أمعاؤها، و المعروف حوايا فإن وردت أحوية فما أحسبها إلاّ خيراً من أجربة.

لا يـقـال: إنّ العـسـلان لا تـتـسـلّط عـلي أوصـال صـفـوة اللّه لطـفـاً مـن اللّه و إيـثـاراً له، لأنّا نـقـول: إنّ الكـلام جـري عـلي القـواعـد العـربـيـّة و الأسـاليـب الفـصـيـحـة كـمـا يـقـول قـائلهـم: عـنـدي جـفـنـة يـقـعـد فـيـهـا الخـمـسـة يـعـنـي لو كـانـت مـمـّا يـفـعـل بـه ذلك لقـعـد فـيـهـا خـمـسـة رجـال، فـيـكـون مـعـني الكلام لو جاز ذلك علي أوصالي لفعل بها، و هذا كناية عن قتله و تركه بالعرأ.

(لن تشذ): لن تنفرد و تتفرّق. (لحمته): بضم اللام و هي القرابة.

(حظيرة القدس): إسم الجنّة أو اسم موضع شريف منها.

(التـنـعـيـم): مـوضـع عـلي أربـعـة فـراسـخ مـن مـكـّة فـي الحل.

(وادي العقيق): موضع عند المدينة و فيه أرض لابن الزبير و لغيره.

(مغّذاً): مسرعاً من أغذ بالسير إذا أسرع.

(ذات عـِرق): بـكـسـر العـيـن مـوضـع يـتـصـل بـعـرق، و هـو جبل حاجز بين تهامة ونجد.

(الحاجر من بطن الرمة): الحاجر بالحاء المهملة و الجيم و الراء المهملة: موضع، وأصله ما أمسك شفة الوادي.

(والرُمـّة): بـضـم الراء المـهـمـلة و التـشـديـد، و قـد يـخـفـّف: واد مـتـسـع فـي طـريـق مـكـّة تنزل بطنه بنو كلاب فبنو عبس فبنو أسد.

(الثعلبيّة): بالثاء المثلثة و العين المهملة و الباء المفردة و الياء المثنّاة تحت موضع في طريق مكّة، يقال: هو ثلثا الطريق من الكوفة.


(زَرود): موضع عند الثعلبيّة بينها و بين الخزيميّة.

(زبالة): بضم الزاء المعجمة موضع عند الثعلبيّة أيضاً بينها و بين الشقوق.

(العقبة): بالحركات موضع عند واقصة.

(شراف): بفتح الشين المعجمة موضع عند واقصة أيضاً بينها و بين الفرعأ.

(ذو حـسـم): بـضـم الحـأ المـهـمـلة و فـتـح السـيـن المـهـمـلة و المـيـم بـعـد: جـبـل هـنـالك كـان النـعـمـان يـصـطـاد فـيـه، و فيه يقول الشاعر: أليلتنا بذي حسم أنيري. و يمضي في الكتب حسب و خشت و جشم و كلّ غلط من النسّاخ.

(إسـتـمـرت حـذأ): إسـتـمـرت دامـت، و (حـذأ): بـالحـأ المـهـمـلة و الذال المشدّدة المعجمة الناقة الماضية بسرعة و نشاط، و الناقة المقطوعة الذنب و الرحم التي لم يـعـلق بـهـا أحـد و يـنـقـطـع عنها كل أحد، و فُسّرت الفقرة في التاج [44] بالمعاني الثـلاثـة، فـعـلي الأوّل يـكـون المـعـنـي أنّ الدنـيـا أدبر معروفها و استمرت علي ذلك ومضت بـسـرعـة، و عـلي الثاني استمرت علي ذلك و لم يبق لها شيء يمسكه اللاحق و لا ذنب لها فيقبض، و علي الثالث استمرّت علي ذلك لم يصلها واصل.

(عمر بن سعد): ابن أبي وقّاص و هو مالك بن أُهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، يكنّي بـأبـي حـفـص. و أُمـّه أمـة، و أُمّ أبيه حمنة بنت سفيان بن أُميّة بن عبدشمس، و هو ابن عم هاشم المرقال بن عتبة بن أبي وقاص صاحب علي عليه السلام.

(عمرو بن الحجاج): بن سلمة الزبيدي سيد زبيد، و له شرف فيهم و ذكر في المغازي.

(شـَمـِر بـن ذي الجـوشـن): بـفـتـح الشـيـن و كسر الميم و يجري علي الألسن و يمضي في الشعر الحـديـث كـسـر الشـيـن و سـكـون المـيـم و هـو خـلاف المـضـبـوط، و ذو الجـوشـن


أبـوه، واسـمـه شـراحـيـل بـن الا عـور قـرط بـن عـمـرو بـن مـعـاويـة بـن كـلاب الكـلابـي الضـبـابـي، و هـو قاتل الحسين عليه السلام وكان أبرص خارجيّاً.

(أنـت أخـو أخـيـك): يـعـنـي أنّ مـحـمـّد بـن الا شـعـث الذي غـدر بـمـسـلم بـن عقيل في الأمان، أخوك فأنت مثله في الغدر.

(أفـر فـرار العـبـيـد): أي لا أتـيـكـم ذليـلاً مـعـطـيـاً بـاليـد و لا أهـرب عـنـكـم هـرب العـبـد، بـل أُنـازلكـم حـتـّي يـقضي اللّه ما هو قاض، و يجري في بعض الألسن أقرّ إقرار العبيد و هو خطأ.

(أصـرخناكم موجفين): أي أجبنا صراخكم مسرعين إليكم السير، والإيجاف نوع من السير فيه سرعة، و الإسم منه الوجيف.

(حششتم): أي أوقدتم وأصله من جمع الحشيش للإيقاد.

(إلبـاً): بـكـسـرة الهـمـزة و فـتـحـهـا: الإجـتـمـاع عـلي الظـلم و العـدوان، يقال: هم إلب واحد أي مجتمعون علي الظلم و العدوان.

(مَشيم): بفتح الميم أي مغمد من شام السيف بمعني أغمده.

(الجأش): القلب و الفكر.

(يـسـتـحـصـف): أي يـسـتـحـكـم، يـقـال: رأي حـصـيـف أي مـحـكـم.

(الدبـا): بـفـتـح الدال و تخفيف البأ المفردة الجراد.

(الفراش): بفتح الفأ الذي يتساقط علي الضوء ليلاً.

(عـبـيـد الأمـة): بـتـخـفـيـف المـيـم بـمـعـنـي الجـاريـة كـنـايـة عـن الذل مـأخـوذة مـن قـوله صلي الله عليه وآله: (ذلّ قوم تملكهم أمة)، و يجري علي الألسن التشديد و هو و إن كان له ضرب من التأويل لم يتعلق ببلاغة.

(شـُذاذ): بـضـم الشـين المعجمة و تشديد الذال المعجمة أيضاً جمع شاذّ، و هم المتفرقون من الجمع و يعبّر عنهم بالفارطة و الغوغأ.


(شـجـاً للنـاظـر): الشـجا الحزن، والشجي ما يعترض بالحق [45] من عظم و غيره للإنسان و غيره.

قال الشاعر:



ربّ من انضجت غيظاً قلبه

قد تمنّي لي موتاً لم يطع



ويراني كالشجي في حلقه

عسراً مخرجه ما ينتزع



و كلّ بالقصر، و المعني يحتمل كلا.

(و مـا إن طـبـنـا إلخ): الطب بكسر الطأ: العلّة و السبب. و الجبن بضم الجيم و سكون البأ: ضدّ الشـجـاعـة بـفـتـح الشـيـن، و الدَولة بـفـتـح الدال: الغـلبـة فـي الحـرب، و بـضـمـّهـا التـداول فـي المـملكة، قال اللّه تعالي (دولة بين الأغنيأ) [46] ، و المراد به المعني الثاني علي الظاهر. و الأبيات لفروة بن مسيك، بفتح فأ فروة و ضم ميم مسيك المرادي. و معني البـيـت إن قـُتـلنـا لم يـكـن عاراً علينا لأنّ سببه لم يكن عن جبن و عدم إقدام علي المكافح، ولكن سببه منايانا و دولة آخرين، و مثل هذا لم يكن عاراً. و قال آخر يعتذر لعدوّه في ذلك:



فلم يكُ طبهم جبناً ولكن

رميناهم بثالثة الأثافي



أنشده ابن قتيبة في ترجمة خفاف له في كتاب معجم الشعر و الشعراء.

(مصبّرة): أي ممزوجة بالصبر.

(السـبـج): بـفـتـح السـيـن المـهـمـلة و فـتـح البـاء المـفـردة حـجـارة سـوداء يعمل منها الخرز.

(قـد نـصل): يقال نصل الخضاب من اللحية إذا بانت أُصولها بأن مضي عليها أكثر من ثلاثة أيـّام فـهـي سـوداء، وأصـل الشـعـر أبـيـض، و يـزعـم بـعـض النـاس أنـّهـا اتصل بها


الخضاب، و ذلك و هم لعدم فهمه المعني و تصحيف.

(بتبان): بثوب قصير يلبسه الفعلة و أمثالهم.

(يلمع فيه البصر): أي لا يثبت فيه البصر لشدّة بياضه.

(بواني صدره): البواني الأضلاع المقدمة في الصدر.

(مـالك بـن النـسـر): بـالنـون و السـيـن، و يـمضي في بعض الكتب النسير بالتصغير الكندي البدي و هم من كندة.

(سنان): بكسر السين بن أنس بن عمرو النخعي كان من أشراف النخع و من الخوارج.

(خـَولي بـن يـزيـد الأصـبـحـي): خـولي بـفـتـح الخـاء المـعـجـمـة و تـسـكـيـن الواو و اللام قـبل ياء في صورة المنسوب، و يجري علي بعض الألسن خِوَلي بكسر الخاء وفتح الواو و اللام قـبـل ألف مقصورة و هو خطأ. و الأصبحي نسبة إلي ذي أصبح أحد ملوك حمير الذي تنسب إليه السياط الا صبحيّة.

قد تم ضبط ما يهم من ألفاظ فاتحة الكتاب فلنبدأ بالمقاصد.



پاورقي

[1] راجع بحار الا نوار: 44: 202.

[2] راجع الإرشاد: 2: 30.

[3] سورة القصص: 21.

[4] سورة القصص: 22.

[5] الأبطح يضاف إلي مکّة و إلي مني.. و ربما کان إلي مني أقرب. راجع معجم البلدان: 1: 74.

[6] النجا: السرعة. راجع القاموس المحيط: 4: 393.

[7] راجع الإرشاد: 2: 36 ـ 37.

[8] قـال المـامـقـانـي: مـارية بنت منقذ أو سعيد العبديّة، يستفاد کونها إماميّة تقيّة مما روي عن أبي جعفر عليه‏السلام من أنّها کانت تتشيّع، وکانت دارها مألفاً للشيعة يتحدّثون فيها... راجع تنقيح المقال: 3: 83.

[9] أورد هـذه الرسـالة المـفـيـد فـي الإرشـاد: 2: 39، و ابـن الأثـيـر فـي الکامل: 3: 386.

[10] في الکامل: عمر بدل عمرو.

[11] راجع الکامل: 3: 388، الإرشاد: 2: 40.

[12] القادسيّة: موضع بالعراق. راجع معجم البلدان: 4: 291.

[13] راجع اللهوف للسيد ابن طاووس، 126.

[14] التـنـعـيـم: مـوضـع بـمـکـّة فـي الحـل، وهـو بـيـن مـکـّة و سـرف، علي فرسخين من مکّة، و قيل: علي أربعة فراسخ. راجع معجم البلدان: 2: 49.

[15] موضع عند المدينة.

[16] الا غذاذ في السير: الإسراع فيه. راجع الصحاح: 2: 567.

[17] ذات عرق: مکان في طريق مکّة، و هو الحد بين نجد و تهامة. معجم البلدان: 4: 107.

[18] بـطـن الرمّة: منزل يجمع طريق البصرة و الکوفة إلي المدينة المنوّرة. راجع مراصد الإطلاع: 2: 634.

[19] الثعلبيّة: من منازل طريق مکّة من الکوفة. راجع معجم البلدان: 2: 78.

[20] زَرود: مـوضـع عـلي طـريـق حـاج الکوفة بين الثعلبيّة و الخزيمية. معجم البلدان: 3: 139.

[21] زبالة: منزل بطريق مکّة من الکوفة. معجم البلدان: 3: 129.

[22] الإرشاد: 2: 79. و فيه زيادة: و لم يتکلم أحد منهم بکلمة.

[23] راجع الإرشاد: 2: 80 ـ 81.

[24] راجـع المـعـجـم الکـبـيـر للطـبـرانـي: 3:114، ح 2942، الحـدائق الورديـة:113، ذخائرالعقبي: 150.

[25] عـذيـب الهـجـانـات قـريب من عذيب القوادس، و عذيب القوادس ما بين القادسيّة و المغيتة، بينه و بين القادسية أربعة أميال. راجع معجم البلدان: 4: 92.

[26] راجع الإرشاد: 2: 91.

[27] في الإرشاد: عروة بن قيس.

[28] الإرشاد: 2: 95.

[29] الإرشاد: 2: 96.

[30] الإرشاد: 2: 97.

[31] في الإرشاد: سهل بن سعد، و هو الصحيح.

[32] قال الجوهري: حَشَشتُ النار أحشُّها حشّاً: أوقدتها. راجع الصحاح: 3: 1001.

[33] سورة يونس: 71.

[34] سورة هود: 55.

[35] اللهوف: 157.

[36] اللهوف: 158.

[37] في الإرشاد: يده.

[38] الإرشاد: 2: 109.

[39] قـال الحـموي: و هو رأس عين المدينة المشهورة بالجزيرة، کانت فيها وقعة للعرب، و يوم من أيّامهم، و کان أحد رؤسائهم يومئذ رفاعة بن شداد. راجع معجم البلدان 4: 180.

[40] هکذا في الأصل، و الصحيح: اليمانيين.

[41] قـال الحـمـوي: الربذة من قري المدينة علي ثلاثة أيّام قريبة من ذات عرق علي طريق الحـجـاز إذا رحـلت مـن فـيـد تـريـد مکّة، و بهذا الموضع قبر أبي ذر الغفاري رضي اللّه عنه.. راجع معجم البلدان: 3: 24. راجع الکامل: 4: 235.

[42] لاحـظ تـهذيب الکمال: 12: 352، و تقريب التهذيب: 1: 344، و المعارف لابن قتيبة: 405.

[43] قـال الحـمـوي: هـي بلدة علي الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار. راجع معجم البلدان:5:421.

[44] راجع تاج العروس: 10: 85.

[45] کذا في الأصل، و الصحيح: بالحلق.

[46] سورة الحشر: الآية 7.