بازگشت

الشعائر الحسينية



الشعائر الحسينية

الفطرةُ السليمةُ هي التي تحث الإنسان علي محاولة الانقياد ونيل الرضا الإلهي والتسليم لأمره تعالي، فالعبادة نابعةٌ من الذات الإنسانية السلمية والشعائر الإلهية إحدي مصاديق هذا التسليم لله تعالي والمودة التي امرنا الله بها وهي اجر الرسالة (قل لا أسالكم عليه أجراً إلا المودة في القربي) فهي تلتقي مع الشعائر الإلهية لأنها إظهار المحبة المكنونة، فهي المرحلة المتقدمة التي تحتاج إلي مؤنة وحب شديد وشوق مؤكد حتي تظهر بمظاهر الوفاء وهي مرحلة الصدق والعلانية بما يترتب عليها من الانتصار لمن يواليه وهذه المظاهر تتشكل بأشكال حسب مراتب الحب والولاء وهي مقولة قابلة للتشكيك بمراتبها.

وقد عبّر القرآن الكريم عنها بالشعائر وهي جمع شعيرة وهي العلامة وشعائر الله الأعلام التي نصبها الله تعالي، فهي تظهر تارة في السعي بين الصفا والمروة لقوله تعالي (إن الصفا والمروة من شعائر الله) لان السعي والطواف بينهما يؤدي من قبل النفوس الطاهرة (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوي القلوب) سورة الحج31. والحالة الخاصة للإنسان المؤمن التي هي كاشف عن تقوي القلوب وفيها تعظيم للشعائر الإلهية النابعة من التقوي والرضا للأمر الإلهي فإضافة التقوي إلي القلوب للإشارة إلي أن حقيقة التقوي وهي التحرز والتجنب عن سخطه تعالي والتورع عن محارمه، أمرٌ معنوي يرجع إلي القلوب وهي النفوس ولا تقتصر علي الأعمال الجسدية فحسب إذ العمل قد يكون اعم من الطاعة والمعصية فيمكن أن يكون رياءً مثلاً ولا هي من العناوين المنتزعة من الأفعال كالإحسان مثلاً بل هي ترجع إلي التسليم بالأمر إلي النفوس وتقوي القلوب آخر مراحل الطاعة المحضة وهي روح العبادة فتعظيم الشعائر في الحقيقة لا يرجع إلي ممارسات الجسد فقط بل التعظيم يرجع إلي تقوي النفوس وتقوي القلوب فما هو بالعرض ينتهي إلي ما هو بالذات.

فالقرآن الكريم عندما جعل اجر الرسالة المودة في القربة وجعل السبيل إلي الله هي المودة فقال تعالي (قل لا أسألكم أجرا إلا من اتخذ إلي ربه سبيلا) فالسبيل إلي الله تعالي هم أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام والشعائر الحسينية أوضح مصداق لشعائر أهل البيت (عليهم السلام) فالحسين (عليه السلام) مصباح الهدي وسفينة النجاة وقول النبي الأعظم (حسين مني وأنا من حسين) حيث كان بقاء الشريعة المحمدية بجهاده لذا فقد أقدم سيد الشهداء علي محاولة الإبقاء علي الشعائر الإلهية بتضحيته بعد ما استباح يزيد شعائر الله تعالي ومن ثم أمعن في هتك الشعائر بهدم الكعبة المشرفة واستباحة المدينة المنورة، ومن هنا حاول الإمام زين العابدين والأئمة من بعده (عليهم السلام) إحياء الدين بواسطة إظهار مظلومية الحسين (عليه السلام) والطلب بثأره فجاءت الروايات المستفيضة بإظهار الجزع والحزن عليه وهي تغطي جميع أشكال الشعائر لأنها مصداق للجزع والحزن. والمشي إلي مقامه الشريف وزيارته (عليه السلام) وأحياء أمره أحياءً لأمر الدين ومصداقاً لقول الرسول الأعظم حسين مني وأنا من حسين بغض النظر عن إشكال الشعائر حتي التي يحسبها ضعفاء الإيمان والنفوس إنها شعائر قديمة أو غير ملائمة للعصر أو غير حضارية فهل الصفا والمروة من شعائر الله كذلك لقد جعل البّدن. فقال الله تعالي (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله) سورة الحج35. والمراد بالبّدن الشاة التي تساق وهو الهدي وتشعر، أي يشق سنامه من الجانب الأيمن ليُعلم إنها هدي علي ما في تفسير أئمة أهل البيت (عليه السلام) ويؤيده ظاهر قوله (لكم فيها منافع إلي اجل مسمي ثم محلها إلي البيت العتيق) الحج 32. ثم ذكر بعد ذلك والبّدن جعلناها إلي أخره كما في تفسير الميزان مجلد 14 صفحة 373 فالله سبحانه وتعالي جعل البّدن شعيرة من شعائر الله في الحج حتي يتعبد الإنسان بأمر الله وهذا التعبد من تقوي القلوب فالشعائر الحسينية إذن بما فيها من جمال في السيرة وإظهار الحزن بأشكال مختلفة كلها أصبحت شعيرة لأنها مصداق لتعظيم شعائر الله ولا يسمع لقول من يدعي الثقافة والعصرية بأنها شعائر قديمة كما دفع الله سبحانه وتعالي الدخل المتوهم عن البّدن أن الله له نفعاً في هذه الضحايا ولحومها ودمائها فأجاب (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوي منكم) إلي آخر الآية، لان الله منزه عما يحتاجه العباد فأجيب بتقرير الكلام وأن الأمر ليس كذلك لكن هذه التضحية والأشعار يتصف سائقها بصفة معنوية ويتقرب بها وهذه الصفة من شأنها أن تنال رضا الله سبحانه فهي تصعد إليه تعالي وتقّرب صاحبها منه تقريبا لا يبقي بينه وبين الله حجاب يحجبه عنه (لن ينال الله لحومها ولا دماءها ولكن يناله التقوي منكم).

كذلك الشعائر الحسينية تقرب إلي الله بالصفة المعنوية بأي شكل كانت وتقرب صاحبها، فهي كلها من مصاديق إظهار الجزع والحزن كما في الرواية الصحيحة سواء كان التمثيل أو ضرب السلاسل فكل نوع يناله التقوي منكم لا تصاف صاحبها بالتعظيم للشعائر، ونستعلم من القرآن الكريم أن مسألة الشعائر ليست جديدة ففي كل امة لها شعائرها الخاصة كما قال الله سبحانه (ولكل أمةٍ جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله.. إلي آخر الآية).

والمنسك مصدر ميمي واسم زمان ومكان فكل يوم عاشوراء وكل ارض كربلاء وأيام عاشوراء وكربلاء للأمة منسكاً وفيها تقريب الناس إلي الدين الحنيف ويذكروا الله فيها ففيها إعلاء لكلمة الله وولاية أهل البيت (عليهم السلام) فعن الإمام الباقر (عليه السلام) ما نودي بمثل ما نودي بالولاية وورد عن أهل البيت أن الدين هو حبهم وهل الدين إلا الحب في الله والبغض في الله والبراءة من أعداء الله واظهر مصاديقها الشعائر الحسينية التي أراد الباري تعالي بقائها ورفعها (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه).


السيد حسين التبريزي