بازگشت

السجود علي التربة الحسينية



الاهداء

الي صاحب التربة الدامية الذي قال فيه رسول الله صلي الله عليه وآله: «حسين مني وأنا من حسين» والي روح فقيد الاسلام الأميني رضوان الله عليه.







المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلي الله علي محمد وآله الهداة وصحبه الميامين والتابعين لهم باحسان الي يوم الدين.

ان الشيعة الإمامية الذين اظهروا حبهم وولاءهم لأهل البيت استجابة لقوله تعالي «قل لا أسألكم عليه اجراً الا المودة في القربي» أخرج الإمام أحمد والطبراني والحاكم عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال لما نزلت هذه الآية قالوا يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينا مودتهم فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: علي وفاطمة وابناهما [1] واكباراً لمقامهم لقوله تعالي «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً» روي الترمذي عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلي الله عليه وآله قال: لما نزلت هذه






الآية انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت في بيت أم سلمة رضي الله عنها دعا فاطمة وحسناً وحسيناً وجللهم بكساء وعلي خلف ظهره ثم قال «اللهم هؤلاء أهل بيتي اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً» [2] .

هؤلاء الشيعة يسجدون علي قطع من الأرض مقولبة يحملونها معهم والتربة الحسينية وهي عبارة عن تراب اخذ من أرض كربلاء الشاسعة المترامية الأطراف للسجود عليها لا كما يظن البعض انها من تراب مزج بدم الإمام الحسين عليه السلام ولكن هذه الإضافة اكسبتها شرافة كالإضافة إلي سائر المقامات العالية وجري العقلاء علي الاهتمام بهذه الأمور الاعتبارية والشيعة الإمامية اعتادوا السجود علي التربة الحسينية حيث اجتمعت فيها كل الشروط التي يجب توافرها في مسجد الجبهة من طهارة واباحة الي آخر الشروط المقررة في الموسوعات الفقهية وقد اجمع فقهاء الأمة الإسلامية علي أن السجود علي الأرض هو الأفضل فحملها البعض منهم






معه رعاية للاحتياط وحرصاً علي الأفضلية لأن البيوت اليوم والأماكن العامة كسيت أرضيتها بأبسطة قطنية أو بالسجاد الصوفي أو مسقلبة أو معبدة بما يخرجها عن كونها أرضاً فيقع المصلي بين محذورين إما فوات الأفضلية أو بطلان الصلاة كما سيأتي، ولم يكن السجود علي التربة عند الشيعة من الواجبات في الصلاة ولذا نراهم في المسجد الحرام وفي مسجد الرسول صلي الله عليه وسلم يسجدون علي قاع المسجد لأن أرضية المسجدين الشريفين مبلطة بالحجر الطبيعي أو مفروشة بالحصي وكل منهما يسمي أرضاً ويصح السجود عليه ولكن من المؤسف أن بعض اخواننا المسلمين يرمي الشيعة بالشرك والمروق عن الدين لسجودهم علي هذه القطعة من الأرض وقد قال تعالي «ولا تقولوا لمن القي اليكم السلام لست مؤمناً [3] .

فكيف بمن يشهد الشهادتين ويؤدي الصلوات الخمس ويحج البيت الحرام إلي آخر فروع الدين وهل أن الاختلاف في الفروع الفقهية يوجب الخروج عن الدين والكفر بسنة سيد






المرسلين في حين نري أن المذهب الواحد قد يختلف فقهاؤه في كثير من الفروع الفقهية لأن كل فقيه يفتي بما يؤدي اليه نظره وما أدي إليه نظره فهو حكم الله الظاهري في حقه وهكذا بالنسبة إلي الفقيه الآخر ولا نري أن أحدهما يكفر صاحبه بل قالوا من أخطأ فله حسنة ومن أصاب فله عشر حسنات والشيعة الإمامية تضع جباهها علي التربة الحسينية لأنها أرض طبيعية والأرض أفضل المساجد وقد صح عن الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم انه قال (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) [4] ولو كان الشيعة يسجدون لها لكانوا يسجدون دونها لا أن يضعوا جباههم عليها وهناك فرق بين السجود لها والسجود عليها وليس كل مسجود عليه معبوداً والا لكان الساجد علي البساط ساجداً له والساجد علي السجاد عابداً له وهكذا … في حين لا يقول بذلك أحد وما أفاده العلامة المغفور له الشيخ عبد الحسين الأميني طاب ثراه (مؤلف موسوعة الغدير الكبري) في محاضرة القاها في سوريا وهي التي بين يديك ـ قارئي العزيزـ يغني طالب الحقيقة ومن






أراد أن يطلع علي هذه المسألة الفقهية الهامة وقد خاض قدس سره في كل المسانيد والصحاح وأمهات الكتب الفقهية ثم عرض علينا في محاضرته هذه زبد هذا المخاض من الأحاديث الواردة في هذا الباب وناقشها مناقشة علمية ينجلي فيها الريب عن كل من له قلب أو القي السمع وهو شهيد وصنّف ما ورد من أحاديث في السجود إلي ثلاثة أقسام السجود علي الأرض السجود علي النبات كالحصير والفحل (حصير كبير مصنوع من سعف النخل) والخمرة (حصير صغير من سعف النخل يتخذ للصلاة) السجود علي الثياب القطنية أو الصوفية، وسلط الأضواء علي هذا القسم الثالث وكانت روايات هذا القسم يفسرها ظرفها حيث كانت جميعها الاّ ما شذ صريحاً في أن السجود علي الثوب كان اما في صيف قائظ شديد الحر أو في برد قارس يتعذر أو يتعسر مباشرة المصلين فيه للأرض اللاهبة أو القارسة وقاعدة لا ضرر ولا ضرار في الإسلام لها الحكومة علي سائر الأدلة كما يقول الفقهاء وما ينجم عنه الضرر يحرم فعله ومن هذا نعلم أن السجود علي الصوف أو القطن اختياراً يوقع المسلم في






حيرة من أمره لأن ذلك لا يجوز علي اساس أن العبادات توقيفية فالتعدي عنها الي غيرها ادخال ما ليس من الدين في الدين وهو بدعة محرمة وأمر محدث وقد ورد عنه صلي الله عليه وسلم شر الأمور محدثاتها وسوف يأتي تفصيل ذلك. وهناك فيض من روايات جاءت في كراهة نفخ موضع السجود غصت بها كتب الحديث تفيدنا أن المسلمين ما كانوا يسجدون علي غير الارض وغير الحصر النباتية واليك قارئي الكريم بعضاً منها … فقد أورد الإمام مالك بن أنس في الموطأ قال [5] (حدثني يحيي عن مالك عن أبي جعفر القاريء أنه قال رأيت عبد الله ابن عمر اذا هوي ليسجد مسح الحصباء لموضع جبهته مسحاً خفيفاً). وأورد أيضاً قال (حدثني مالك عن يحيي بن سعيد انه بلغه أن أبا ذر كان يقول مسح الحصباء مسحة واحدة وتركها خير من حمر النعم) [6] .

والملاحظ في هذين الحديثين الالتزام بالسجود علي الارض وأورد أيضاً الحافظ عبد العظيم






المنذري في كتابه الترغيب والترهيب من الحديث الشريف في السجود علي الحصي وكراهة نفخ موضع السجود نورد بعضاً منها.

1 ـ قال (عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم اذا قام احدكم في الصلاة فان الرحمة تواجهه فلا تحركوا الحصي رووه كلهم من رواية ابي الأحوص عنه).

2ـ وعن معيقب أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (لا تمسح الحصي وانت تصلي فان كنت لابد فاعلا فواحدة (تسوية الحصي) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابو داود وابن ماجة).

3 ـ وعن جابر رضي الله عنه قال سألت النبي عن مسح الحصي في الصلاة فقال: واحدة ولئن تمسك خير لك من مئة ناقة كلها سود الحدق رواه ابن خزيمة في صحيحه).

4 ـ وعن ابي صالح مولي طلحة رضي الله عنه قال كنت عند ام سلمة زوج النبي فأتي ذو قرابتها شاب ذو حجة فقام يصلي فلما اراد أن يسجد نفخ فقالت لا تفعل فان رسول الله صلي الله عليه وسلم






كان يقول لغلام لنا أسود يا رباح ترب وجهك رواه ابن حيان في صحيحه [7] .

ومن مجموعة روايات كراهة النفخ وما اكثرها جاء ذكر السجود علي الأرض فيها في حين كان السجود بأماكن خاصة وأماكن عامة فمثلاً هذا الشاب قرابة أم سلمة الذي جاء ضيفاً إلي بيت رسول الله وعادة كما قيل ولكل قادم كرامة فلم لم تفرش له أم سلمة أجود بساط عندها؟ ولا اعتقد ان أم سلمة تفتقد وجود بساط في بيتها ولو كانت صلاته بالمسجد لقلنا إن المسجد فرش بالحصي وكل المسلمين يسجدون عليه أما والشاب يصلي في بيت أم سلمة فلا يمكن أن يأتي هذا الافتراض ومع هذا تنهاه أم سلمة عن نفخ موضع سجوده وتريده أن يضع جبهته علي الحصي ومع غباره والذي يقال في المقام ان الذين وفقهم الله لاستقصاء أحاديث السجود الواردة في مظانها وسبر المسانيد والموسوعات الفقهية لم يوافونا ولا بحديث واحد صريح في ان رسول الله صلي الله عليه وسلم






أو أحد أصحابه المكرمين سجد علي بساط من القطن أو الصوف.. إذن والحالة هذه يتبين لنا أنه لا يجوز السجود.

علي الصوف ولا علي القطن ولا علي أي شيء سوي الأرض وما انبتت ما لم يؤكل أو يلبس وعلي القرطاس دون غيرها والعبادات (قارئي الكريم) توقيفية يقتصر علي فيها مورد النص وفعل الرسول صلي الله عليه وسلم وقوله هو سنة بمثابة نص قرآني نعم قد يستفاد من بعض الاحاديث أن بعض الصحابة سجد علي ثياب وقد تقدم انه يجوز ذلك عند الضرورة والضرورات تبيح المحظورات، كما وقد أورد عمدة القارئ شرح صحيح البخاري للشيخ بدر الدين العيني تعليقاً علي حديث الخمرة قال (الرابع جواز الصلاة علي الحمرة من غير كراهة) وعن ابن المسيب (الصلاة علي الخمرة سنة) وقد فعل ذلك جابر وأبو ذر وزيد بن ثابت وابن عمر رضي الله عنهم [8] … وكانت سيرة الشيعة الإمامية العمل بالأفضل لذا يسجدون علي تربة تصنع من أرض طابت وطهرت والأرض تشقي وتسعد يأخذونها من أرض كربلاء لما ورد






عنه صلي الله عليه وسلم (حسين مني وأنا من حسين) و(الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) [9] وقد قضي الحسين مجاهداً عندما رأي أن الرذيلة استولت علي الفضيلة والمادية علي الروحية والعدالة ذبيحة والحق صريع وقد طغي علي العالم الاسلامي استبداد أموي فنهض هو وأهل بيته وصحبه الغر الميامين لتصحيح المسار والعودة بالإسلام الي منابعه الأصيلة حتي تساقطوا صرعي في هذه البقعة الشريفة التي منها يأخذ الشيعة التربة فهي اذن توحي للمسلم الجهاد في سبيل الله والدفاع عن حياض العقيدة والجهاد باب من ابواب الجنة والجنة تحت ظلال الأسنة.

وورد في تفسير الآية الكريمة (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه) [10] (آية 26 من سورة النور) عن الجلال السيوطي في الدر المنثور في تفسير هذه الآية قال (قال رسول الله صلي الله عليه وسلم أن بيت النبي وبيوت أهل بيته من






أفاضلها واعلاها) فاكتسبت الأرض شرافة بالاجسام الطاهرة الثاوية في رحابها والمكان بالمكين كما قيل وقد ورد في الذخائر القدسية في زيارة خير البرية أن المسلمين كانوا يستشفون بتربة حمزة بن عبد المطلب وتربة صهيب الرومي قال ما نصه [11] (من ذلك الاستشقاء بتربة حمزة وتربة صهيب اللذين استثنيا من حرمة نقل تراب الحرم المدني إلي غيره فيجوز نقلها كما سننبه علي ذلك … أما الأول فهو مجرب للصداع وأما الثاني فقد جربه العلماء للشفاء من الحمي شرباً وغسلاً لكن الشرب هو الوارد في حديث ابن النجار وغيره لما أصابت بني الحرث قال لهم النبي صلي الله عليه وسلم أين انتم من تراب صهيب قالوا وما نصنع به قال تجعلونه في الماء إلي آخر الحديث) ومن المعلوم أن مقام الحسين عليه السلام أجل واسمي من مقام الحمزة وصهيب رضوان الله عليهما عند الله وعند رسوله للاحاديث الواردة فيه من الرسول العظيم والتي تشيد بذكره وعلو مكانته. ولقائل أن يقول لماذا لم يحمل






معهم الصحابة والسلف الصالح تربة من أرض الحرمين الشريفين في سفرهم و حضرهم نقول في جواب ذلك بما ذكره صاحب الذخائر القدسية من حرمة نقل تراب الحرم المدني وطبعاً الحرم المكي بطريق أولي فقد أورد رضوان الله عليه [12] (أن لا ينقل معه شيئاً من حجارة حرم المدينة وترابها فان ذلك حرام عند أئمتنا ولو الي مكة وان نوي رده اليه كما في التحفة نعم استثنوا من ذلك نقل تراب احتيج اليه للدواء كتراب مصرع حمزة رضي الله عنه للصداع وتربة صهيب رضي الله عنه كما مر التنبية عليه لاطباق السلف والخلف علي نقل ذلك ومنه يعلم حرمة نقل الآجر والاكر والأواني المعمولة من تراب المدينة الا إن اضطر الي آنية لنحو ماء بأن لا يجد غيرها حساً وشرعاً والا وجب عليه ردها وان انكسرت الآنية كما استظهره في التحفة والا كان آثماً ولا ينقطع دوام عصيانه الا بردها مادام قادراً عليه) واجماع الفقهاء علي المنع كما ذكره صاحب الذخائر القدسية عاق سكان الحرمين عن حمل تربة من هذه الديار المقدسة، ولو رجعنا الي






مذهب أهل البيت ورد فيهم ان الرسول صلي الله عليه وسلم قال (اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي لن تضلوا ما ان تمسكتم بهما ولن يفترقا حتي يردا علي الحوض [13] لرأينا فيضاً من نصوص حديثية وردت عنهم عليهم السلام صريحة في ان ما يسجد عليه هو الارض او نباتها او القرطاس (الورق) وغير ذلك لا يجوز السجود عليه كصحيح هشام بن الحكم انه قال للامام جعفر الصادق عليه السلام اخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز؟ قال عليه السلام لا يجوز السجود إلا علي الارض او علي ما انبت الارض إلا ما أكل او لبس فقال له عليه السلام جعلت فداك ما العلة في






ذلك؟ قال عليه السلام لان السجود خضوع لله عز وجل فلا ينبغي ان يكون علي ما يؤكل ويلبس لان ابناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل فلا ينبغي ان يضع جبهته في سجوده علي معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها [14] والحقيقة ان الصلاة مظهر عبودي لله، علينا لان نكون مخلصين له الدين ولا نشرك بعبادة ربنا احداً ولذا قال الفقهاء ببطلان الصلاة مع الرياء لان نية القربة بدأت تتأرجح والمردد لا يقع فكذلك السجود علي الملبوس والمأكول له انعكاسات علي نية التقرب يمكن ان تأتي بمردود غير مستحسن تتساقط أمامه نية التقرب الي الله.

والخلاصة يصح للمسلم ان يسجد علي ما يطلق عليه ارضاً سواء أكان تراباً او صخراً او رملاً او طيناً او علي الرخام (الحجر الطبيعي) لان كل ذلك يسمي ارضاً وعلي كل نبات بشرط ان لا يكون مأكولاً كسائر الفواكه والبقول التي اعتاد الناس أكلها كالتمر والتفاح والبصل والبطاطا، اما النوي والقشور وورق الاشجار واخشابها






وسعف النخل فلا مانع من السجود عليها كما لا يجوز السجود علي ما يلبس كالقطن والكتان والقنب والمنسوج منهما، كما ويجوز السجود علي القرطاس (الورق) فقد سأل داود ابن فرقد ابا الحسن عليه السلام عن القراطيس والكواغد المكتوب عليها هل يجوز السجود عليها ام لا؟ فكتب عليه السلام يجوز [15] .

وقد يقال لماذا لم يكن رسول الله يحمل تربة معه؟ يجاب عن ذلك:

(اولاً) بناءاً علي ما تقدم من عدم جواز نقل تراب الحرمين الي غيرهما حتي من احدهما الي الآخر.

(وثانياً) ان تصرفات الرسول الشخصية كلبس ثوب خاص وعمامة خاصة بشكلية خاصة، فنحن غير ملزمين بأن نلبس مثل ذلك لوناً وحجماً وشكلاً وإلا لما جاز ان نحمل أقلاماً في جيوبنا لان رسول الله يكن يحمل






قلماً في جيبه، ويقتضي ان لا يجوز لنا ان نطوق معاصمنا بساعات يدوية لان رسول الله لم يكن يطوق معصميه بساعة يدوية وعلينا ان نترك العوينات الطبية لان رسول الله لم يكن يستعملها وبطلانه واضح.

و(ثالثاً) قد تقدم ان كل الذين نقلوا لنا كيفية سجود رسول الله صلي الله عليه وسلم قالوا انه كان في سجوده يباشر الارض بجبهته الشريفة او يسجد علي الحصر وقد ورد ايضاً عن ابي حميد انّ النبي صلي الله عليه وسلم كان اذا سجد امكن أنفه وجبهته من الارض، رواه ابو داود والترمذي وصححه [16] .

وكان مسجده الشريف في حينه مفروشاً بالحصباء فلماذا يتحمل عناء حمل تربة معه والتاريخ الصحيح والسنة النبوية النقية وكبار الفقهاء يشهدون ان رسول الله صلي الله عليه وسلم ما سجد علي قطن او صوف نعم في حالة ان صحت فهي اضطرارية






حيث كانت في شدة حر او برد كما ورد في نفس الاحاديث، واما التي خلت من ذلك القيد وجاءت مطلقة فالذي يحب فيها ان تقيد بالتي ذكر فيها الحر والبرد علي اصول الجمع بين الاحاديث كما يقرر ذلك أهل العلم من حمل المطلق علي المقيد. وقد أورد القسطلاني في كتابه ارشاد الساري شرح صحيح البخاري قال روي ان عمر بن عبدالعزيز انه كان يؤتي بتراب فيوضع علي الخمرة فيسجد عليها [17] .

وختاماً، اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم واكرمنا بنور الفهم، اللهم افتح علينا ابواب رحمتك ويسر علينا خزائن علومك برحمتك يا ارحم الراحمين.

محمد عبدالحكيم الموسوي الصافي







السجدة وما يصح السجود عليه

واتخاذ الأرض مسجداً، فإن الواجب المتسالم عليه علي المصلي لدي جميع الأمة المسلمة علي بكرة أبيهم أن يسجد علي الأرض، ومرفوعة: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً. من المتفق عليه، أصفق عليها أئمة المذاهب، ولا مندوحة لدي الاختيار والامكان من السجود عليها، أو علي ما ينبت منها كما يأتي حديثه.

وأخذ الصحابة الأولين حصاة المسجد عند حرارتها في الظهائر وتبريدها بتقليبها باليد كما سيوافيك حديثه يومئ الي






عدم كفاية غيرها مهما يتمكن المصلي من السجود عليها ولو بالعلاج ورفع العذر.

وكذلك حديث افتراشه صلي الله عليه وآله تحت يديه اللباس عند حرارة الحصاة وبرودتها والسكوت عن الافتراش علي المسجد والسجود عليه يؤيد ايجاب السجدة علي التراب فحسب ليس الا.

وأما حين عدم تيسر السجود عليها والتمكن منه لحرارة قارصة أو لايجاب عذر آخر فلا وازع عندئذ من السجود علي غيرها. اذ الضرورات تبيح المحظورات.

والاحاديث الواردة في الصلاة علي الحصير والفحل [1] والخمرة وامثالها تسوغ جواز السجدة علي ما ينبت من الأرض غير المأكول والملبوس.

والأنسب بالسجدة التي ان هي الا التصاغر والتذلل تجاه عظمة المولي سبحانه. ووجاه كبريائه. ان تتخذ الأرض لديها مسجداً يعفر المصلي بها خده ويرغم أنفه، لتذكر






الساجد لله طينته الوضيعة الخسيسة التي خلق منها، واليها يعود، ومنها يعاد تارة أخري، حتي يتعظ بها، ويكون علي ذكر من وضاعة أصله، ليتأتي له خضوع روحي، وذل في الباطن. وانحطاط في النفس، واندفاع في الجوارح الي العبودية، وتقاعس عن الترفع والأنانية، ويكون علي بصيرة من أن المخلوق من التراب حقيق وخليق بالذل والمسكنة ليس الا.

ولا توجد هذه الأسرار قط وقط في المنسوج من الصوف والديباح والحرير، وامثاله من وسائل الدعة والراحة، مما يري للانسان عظمة في نفسه، وحرمة وكرامة ومقاماً لديه، ويكون له ترفعاً وتجبراً واستعلاءاً وينسلخ عند ذلك من الخضوع والخشوع.

وها نحن نقدم الي القارئ جميع ما جاء في الصحاح الست، وغيرها من امهات المسانيد والسنن، من سنة رسول الله صلي الله عليه وآله الواردة فيما يصح السجود عليه، ونمضي علي ضوئها ونتخذها سنة متبعة، وطريقة حقه لا محيد عنها، وهي علي ثلاثة أقسام.






القسم الاول:

ما يدل علي السجود علي الأرض:

1ـ جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً.

وفي لفظ مسلم: جعلت لنا الأرض كلها مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهوراً اذا لم نجد الماء.

وفي لفظ الترمذي: جعلت لي الارض كلها مسجداً وطهوراً، عن علي، وعبد الله بن عمر، وأبي هريرة، وجابر، وابن عباس، وحذيفة، وأنس، وابي امامة، وأبي ذر.

وفي لفظ البيهقي: جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً.

وفي لفظ له أيضاً: جعلت لي الأرض طيبة ومسجداً وأيما أدركته الصلاة صلي حيث كان [2] .






2 ـ الأرض لك مسجداً حيثما أدركت الصلاة فصل قاله صلي الله عليه وآله لابي ذر [3] .

3 ـ ابن عباس: ان النبي صلي الله عليه وآله وسلم سجد علي الحجر. أخرجه الحاكم في المستدرك: 3 :473 وصححه هو والذهبي.

4 ـ ابو سعيد الخدري قال: أبصرت عيناي رسول الله صلي الله عليه وسلم وعلي أنفه أثر الماء والطين [4] .

5 ـ رفاعة بن رافع مرفوعاً: ثم يكبر فيسجد فيمكن جبهته حتي تطمئن مفاصلة وتستوي.

أخرجه البيهقي في السنن الكبري: 2 :102.

6 ـ ابن عباس، وانس، وبريدة باسناد صحيح مرفوعاً: ثلاثة من الجفاء: يمسح جبهته قبل ان يفرغ من






صلاته وفي لفظ واثلة بن الأسقع: لا يمسح الرجل جبهته من التراب حتي يفرغ من الصلاة [5] .

7 ـ جابر بن عبد الله قال: كنت أصلي مع رسول الله صلي الله عليه وسلم صلاة الظهر، فآخذ بيدي قبضة من حصي في كفي تبرد حتي أسجد عليها من شدة الحر.

وفي لفظ لأحمد: كنا نصلي مع رسول الله صلي الله عليه وسلم صلاة الظهر، وآخذ بيدي قبضة من حصي فأجعلها في يدي الاخري حتي تبرد ثم أسجد عليها من شدة الحر.

وفي لفظ البيهقي: كنت أصلي مع رسول الله صلي الله عليه وسلم صلاة الظهر فآخذ قبضة من الحصي في كفي حتي تبرد، وأضعها بجبهتي اذ سجدت من شدة الحر.

فقال البيهقي: قال الشيخ: ولو جاز السجود علي ثوب متصل به لكان ذلك اسهل من تبريد الحصي في الكف ووضعها للسجود عليها، وبالله التوفيق.






مسند احمد: 1 :327، السنن الكبري: 2 :105.

8 ـ انس بن مالك: كنا نصلي مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في شدة الحر فيأخذ أحدنا الحصباء في يده فاذا برد وضعه وسجد عليه. السنن الكبري: 2 :106.

9 ـ خباب بن الأرت قال: شكونا الي رسول الله صلي الله عليه وسلم شدة الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا.

السنن الكبري: 2 :105، 107، نيل الأوطار: 2 :268.

10 ـ عمر بن الخطاب: مطرنا من الليل فخرجنا لصلاة الغداة فجعل الرجل يمرّ علي البطحاء فيجعل في ثوبه من الحصباء فيصلي عليه، فلما رأي رسول الله صلي الله عليه وسلم ذاك قال: ما أحسن للذا البساط. فكان ذلك أول بدء الحصباء. واخرج ابو داود عن ابن عمر: مطرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة فجعل الرجل يأتي بالحصي في ثوبه في فيبسطه تحته. الحديث.

ابو دواد: 1 :75، السنن الكبري: 2 :440.

11 ـ عياض بن عبدالله القرشي: رأي رسول الله






صلي الله عليه وسلم رجلا يسجد علي كور عمامته فأومأ بيده: ارفع عمامتك، وأومأ الي جبهته.

«السنن الكبري: 2 :105».

12 ـ علي أمير المؤمنين: اذا كان أحدكم يصلي فليحسر العمامة عن جبهته.

«السنن الكبري: 2 :105».

13 ـ نافع: ان عبد الله بن عمر كان اذا سجد وعليه العمامة يرفعها حتي يضع جبهته بالارض.

«السنن الكبري: 2 :105».

14 ـ عبادة بن الصامت انه كان اذا قام الي الصلاة حسر العمامة عن جبهته.

«السنن الكبري: 2 :105».

15 ـ أبو عبيدة: ان ابن مسعود كان لا يصلي أو لا يسجد الا علي الأرض.

أخرجه الطبراني في الكبير وعنه في المجمع: 2 :57.






16ـ ابراهيم انه كان يقوم علي البردي ويسجد علي الأرض. قلنا: ما البردي؟ قال: الحصير.

أخرجه الطبراني في الكبير، وعنه في المجمع: 2 :57.

17 ـ صالح بن حيوان السبائي: ان رسول الله صلي الله عليه وسلم رأي رجلا يسجد بجنبه وقد اعتمّ علي جبهته فحسر رسول الله صلي الله عليه وسلم عن جبهته.

السنن الكبري: 2 :105، نصب الراية للزيلعي:1 :386.






القسم الثاني:

فيما ورد من السجود علي غير الأرض من دون أي عذر:

1ـ انس بن مالك: أن جدته مليكة دعت رسول الله صلي عليه وسلم لطعام صنعته له فأكل منه ثم قال: قوموا فلاصلي لكم، قال أنس: فقمت الي حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبس. فنضحته بماء فقام رسول الله صلي الله عليه وسلم، وصففت، واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا. الحديث.

أخرجه البخاري في صحيحه:1 :101، وفي صحيح النسائي: 2 :57 بلفظ:

انّ أم سلمة سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يأتيها فيصلي في بيتها فتتخذه مصلي فأتاها فعمدت الي حصير فنضحته بماء فصلي عليه وصلوا معه.

وفي لفظ ابن ماجة في سننه: 1 :255 قال: صنع بعض عمومتي للنبي طعاماً فقال للنبي صلي الله عليه وسلم: اني






احب أن تاكل في بيتي وتصلي فيه قال: فأتاه وفي البيت فحل من هذه الفحول فأمر بناحية منه فكنس ورش فصلي وصلينا معه.

فقال: قال ابو عبدالله ابن ماجة: الفحل هو الحصير الذي قد اسودّ.

وفي سنن البيهقي: 2 :421: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقيل [6] عند ام سليم فتبسط له نطعاً فتأخذ من عرقه فتجعله في طيبها، وتبسط له الخمرة ويصلي عليها.

وفي السنن: 2 :436 بلفظ:

كان رسول الله صلي الله عليه وسلم احسن الناس خلقاً فربما تحضره الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس ثم يقوم فنقوم خلفه فيصلي بنا. قال: وكان بساطهم من جريد النخل.






وفيه أيضاً بلفظ:

انّ رسول الله صلي الله عليه وسلم دخل بيتاً فيه فحل فكسح ناحية منه ورش فصلي عليه.

قال في هامش السنن: الفحل: حصير معمول من سعف فحال النخل.

وأخرجه الترمذي في الصحيح: 2 :128 ملخصاً: عن انس قال: نضح بساط لنا فصلي عليه.

2ـ ابن عباس: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يصلّي علي الخمرة.

صحيح الترمذي: 2 :126 قال الامام ابن العربي المالكي: الخمرة حصير الصلاة.

3 ـ أبو سعيد الخدري: انه دخل علي النبي صلي الله عليه وسلم، فرأيته يصلي علي حصير يسجد عليه.

صحيح مسلم: 2 :62، 128 [7] .

4 ـ ميمونة ام المؤمنين: كان رسول الله صلي الله






عليه وسلم وأنا حذائه وربما أصابني ثوبه اذا سجد، وكان يصلي علي خمرة.

البخاري: 1 :101، مسلم: 2 :128، ابن ماجة: 1 :320، النسائي: 2 :57، البيهقي: 2 :421.

واخرج مسلم: 1 :168 عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد قالت: اني حائض فقال: ان حيضتك ليست في يدك.

5 ـ ابن عمر: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يصلي علي الخمرة ويسجد عليها.

أخرجه الطبراني في الكبير والاوسط.

6 ـ ام سلمة ام المؤمنين: كان لرسول الله حصير وخمرة يصلي عليها. اخرجه ابو يعلي والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال ابي يعلي رجال الصحيح، وعن ام حبيبة مثله صحيحاً كما في المجمع: 2 :57.






7 ـ انس: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يصلي علي الخمرة ويسجد عليها.

أخرجه الطبراني في الاوسط والصغير بأسانيد بعضها صحيح، رجاله ثقات كما في المجمع: 2 :57.






القسم الثالث:

فيما ورد من السجود علي غير الأرض لعذر.

1ـ انس بن مالك: كنا اذا صلينا مع النبي صلي الله عليه وسلم فلم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض من شدة الحر طرح ثوبه ثم سجد عليه.

وفي لفظ البخاري: كنا نصلي مع النبي صلي الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود.

وفي لفظ مسلم: كنا نصلي مع النبي صلي الله عليه وسلم في شدة الحر فاذا لم يستطع [8] أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه.

وفي لفظ: كنا اذا صلينا مع النبي صلي الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر مكان السجود [9] .






قال الشوكاني في النيل: الحديث يدل علي جواز السجود علي الثياب لاتقاء حر الأرض، وفيه اشارة الي أن مباشرة الأرض عند السجود هي الأصل، لتعليق بسط ثوب بعدم الاستطاعة، وقد استدل بالحديث علي جواز السجود علي الثوب المتصل بالمصلي، قال النووي: وبه قال ابو حنيفة والجمهور أهـ.

2 ـ انس بن مالك: كنا اذا صلينا خلف رسول الله صلي الله عليه وسلم بالظهائر سجدنا علي ثيابنا اتقاء الحر.

أخرجه ابن ماجة في صحيحه: 2 :216 وقال الامام السندي في شرحه: الظهائر جمع ظهيرة وهي شدة الحر نصف النهار «سجدنا علي ثيابنا» الظاهر انها الثياب التي هم لابسوها ضرورة ان الثياب في ذلك الوقت قليلة، فمن أين لهم ثياب فاضلة؟ فهذا يدل علي جواز أن يسجد المصلي علي ثوب هو لابسه كما عليه الجمهور أهـ. وعلي هذه الصورة يحمل ما جاء عن ابن عباس: رأيت






رسول الله يصلي يسجد علي ثوبه [10] .

وأخرج التخاري في الصحيح: 1 :101 في باب السجود علي الثوب في شدة الحر: وقال الحسن: كان القوم يسجدون علي العمامة والقلنسوة ويداه في كمه. لفت نظر:

هناك حديث حمله الفقهاء علي هذه الصورة أيضاً مع انه ليس فيه ذكر عن السجدة علي الثوب، ألا وهو:

عن ابن عباس: رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم في كساء ابيض في غداة باردة يتقي بالكساء برد الأرض بيده ورجله.

وفي لفظ احمد: لقد رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم في يوم مطير وهو يتقي الطين اذا سجد بكساء عليه يجعله دون يديه الي الأرض اذا سجد.

وعن ثابت بن صامت: ان رسول الله صلي الله عليه






وسلم قام يصلي في مسجد بني عبدالأشهل وعليه كساء ملتفّ به يضع يده عليه يقيه برد الحصا.

وفي لفظ: رأيته واضعاً يديه في ثوبه اذا سجد.

في لفظ ابن ماجة: فرأيته واضعاً يديه علي ثوبه اذا سجد [11] .

قال الشوكاني في نيل الأوطار: الحديث يدل علي جواز الاتقاء بطرف الثوب الذي علي المصلي ولكن للعذر، اما عذر المطر كما في الحديث، أو الحر والبرد كما في رواية ابن ابي شيبة وهذا الحديث مصرح بأن الكساء الذي سجد عليه كان متصلا به أ هـ.

ونحن لم نر هذا الحمل في محله اذ الحديث لا يدل بظاهره الا علي اتقاء رسول الله صلي الله عليه وسلم بالكساء برد الأرض بيده ورجله فحسب، وليس فيه ايعاز قط الي السجدة والجبهة، وسبيله سبيل حديث السيدة عائشة: كان






رسول الله اذا صلي لا يضع تحت قدمية شيئاً الا انّا مطرنا يوماً فوضع تحت قدمية نطعاً [12] .

وهناك مرفوعة أخرجها احمد في المسند: 4 :254 عن محمد بن ربيعة عن يونس بن الحرث الطائفي عن أبي عون عن ابيه عن المغيرة بن شعبة قال: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يصلي أو يستحب أن يصلي علي فروة مدبوغة [13] .

والاسناد ضعيف بالمرة وبمثله يستدل في الأحكام، فيه يونس بن الحرث، قال احمد: أحاديثه مضطربة، وقال عبدالله بن احمد: سألته عنه مرة اخري فضعفه. وعن ابن معين: لا شيء، وقال ابو حاتم: ليس بقوي، وقال النسائي: ضعيف. وقال مرة: ليس بالقوي، وقال ابن ابي شيبة: سألت ابن معين عنه فقال: كنا نضعفه ضعفاً شديداً. وقال الساجي: ضعيف الا انه لا يتهم بالكذب.

تهذيب التهذيب: 11 :437.






وفيه أبو عون عبيدالله بن سعيد الثقفي الكوفي قال ابو حاتم كما في الجرح والتعديل لابنه: هو مجهول. وقال ابن حجر: حديثه عن المغيرة مرسل.

علي ان متن المرفوعة ساكت عن االسجدة وحكمها، والملازمة بين الصلاة علي الفروة والسجدة عليها منتفية. القول الفصل:

هذا تمام ما ورد في الصحاح، والمسانيد مرفوعاً وموقوفاً فيما يجوز السجود عليه برمته، ولم يبق هناك حديث لم ندكره، وهي تدل بنصها علي أن الأصل في ذلك لدي القدرة والامكان الأرض كلها، ويتبعها المصنوع مما ينبت منها أخذاً بأحاديث الخمرة عنه والفحل والحصير والبساط، ولا مندوحة عنها عند فقدان العذر، وأما في حال العذر وعدم التمكن منها فيجوز السجود علي الثوب المتصل دون المنفصل لعدم ذكره في السنة.

وأما السجدة علي الفراش والسجاد والبسط المنسوجة من الصوف والوبر والحرير، وأمثالها والثوب المنفصل فلا دليل يسوغها قط، ولم يرد في السنة أي مستند لجوازها،






وهذه الصحاح الست وهي تتكفل بيان احكام الدين ولا سيما الصلاة التي هي عماده، لم يوجد فيها ولا حديث واحد، ولا كلمة ايماء وايعاز الي جواز ذلك.

وكذلك بقية اصول الحديث من المسانيد والسنن المؤلفة في القرون الاولي الثلاثة ليس فيها أي أثر يمكننا الاستدلال به علي جواز ذلك من مرفوع أو موقوف، من مسند أو مرسل.

فالقول بجواز السجود علي الفرش والسجاد والالتزام بذلك. وافتراش المساجد بها للسجود عليها كما تداورل عند الناس بدعة محضة. وأمر محدث غير مشروع. يخالف سنة الله وسنة رسوله، ولن تجد لسنة الله تحويلا. وقد اخرج الحافظ الكبير الثقة ابو بكر ابن ابي شيبة باسناده في المصنف في المجلد الثاني عن سعيد بن المسيب وعن محمد بن سيرين: ان الصلاة علي الطنفسة محدث، وقد صح عن رسول الله صلي الله عليه وآله قوله: شر الامور محدثاتها، وكل محدثة بدعة. وأما:







السجدة علي تربة كربلاء

واتخاذها مسجداً فان الغاية المتوخاة منها للشيعة انما هي تستند الي أصلين قويمين. وتتوقف علي امرين قيمين، أولهما:

استحسان اتخاذ المصلي لنفسه تربة طاهرة يتيقن بطهارتها، من أي أرض أخذت، ومن أي صقع من أرجاء العالم كانت، وهي كلها في ذلك شرع سواء سواسية، لا امتياز لا حديهن علي الاخري في جواز السجود عليها، وان هو الا كرعاية المصلي طهارة جسده وملبسه ومصلاه، يتخذ المسلم لنفسه صعيداً طيباً يسجد عليه في حله وترحاله، وفي حضره وسفره، ولا سيما في السفر. اذ الثقة بطهارة كل ارض يحل بها، ويتخذها مسجداً لا تتأتي له في كل موضع من المدن والرساتيق والفنادق والخانات وباحات النزل والساحات، ومحال المسافرين، ومحطات وسائل السير والسفر، ومهابط فئات الركاب، ومنازل الغرباء، اني له بذلك وقد يحل بها كل انسان من الفئة المسلمة وغيرها، ومن اخلاط الناس الذين لا يبالون ولا يكترثون لأمر الدين في موضوع الطهارة والنجاسة.






فأي وازع من أن يستحيط المسلم في دينه، ويتخذ معه تربة طاهرة يطمئن بها وبطهارتها يسجد عليها لدي صلاته، حذراً من السجدة علي الرجاسة والنجاسة والأوساخ التي لا يتقرب بها الي الله قط، ولا تجوز السنة السجود عليها، ولا يقبله العقل السليم، بعد ذلك التأكيد التام البالغ في طهارة اعضاء المصلي ولباسه، والنهي عن الصلاة في مواطن منها: المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، والحمام، ومعاطن الابل [1] والامر بتطهير المساجد وتطييبها [2] .

وكأن هذه النظرة الصائبة القيمة الدينية كانت متخذة لدي رجال الورع من فقهاء السلف في القرون الاولي، وأخذاً بهذه الحيطة المتحسنة جداً كان التابعي الفقيه الكبير






الثقة العظيم المتفق عليه مسروق بن الأجدع [3] يأخذ في أسافره لبنة يسجد عليها كما أخرجه شيخ المشايخ الحافظ الثقة امام السنة ومسندها في وقته أبو بكر ابن أبي شيبة في كتابه «المصنف» في المجلد الثاني في باب: من كان يحمل في السفينة شيئاً يسجد عليه، فأخرج باسنادين: ان مسروقاً كان اذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها.

هذا هو الأصل الأول لدي الشيعة وله سابقة قدم منه يؤم الصحابة الاولين والتابعين لهم باحسان. وأما الاصل الثاني:

فان قاعدة الاعتبار المطردة تقتضي التفاضل بين الأراضي






بعضها علي بعض، وتستدعي اختلاف الآثار والشؤون والنظرات فيها، وهذا أمر طبيعي عقلي متسالم عليه، مطرد بين الامم طراً، لدي الحكومات والسلطات والملوك العالمية برمتهم، إذ بالاضافات والنسب تقبل الأراضي والاماكن والبقاع خاصة ومزيّة، بها تجري عليها مقررات وتنتزع منها أحكام لا يجوز التعدي والصفح عنها.

الا تري أن المستقلات والساحات والقاعات والدور والدوائر الرسمية المضافة إلي الحكومات، وبالأخص ما ينسب منها الي البلاط الملكي، ويعرف باسم عاهل البلاد وشخصه. لها شأن خاص، وحكم ينفرد بها، يجب للشعب رعايته، والجري علي ما صدر فيها من قانون.

فكذلك الأمر بالنسبة الي الأرضي والأبنية والديار المضافة المنسوبة الي الله تعالي فان لها شؤوناً خاصة، واحكاماً وطقوساً. ولوازم وروابط لا مناص ولابد لمن اسلم وجهه لله من أن يراعيها، ويراقبها، ولا مندوحة لمن عاش تحت راية التوحيد والاسلام من القيام بواجبها والتحفظ عليها، والاخذ بها.






فبهذا الاعتبار المطرد العام المتسالم عليه انتزع للكعبة حكمها الخاص، وللحرم شأن يخص به، وللمسجدين الشريفين: جامع مكة والمدينة احكامهما الخاصة بهما، وللمساجد العامة والمعابد والصوامع والبيع التي يذكر فيها اسم الله، في الحرمة والكرامة، والتطهير والتنجيس، ومنع دخول الجنب والحائض والنفساء عليها، والنهي عن بيعها نهياً باتاً نهائياً من دون تصور أي مسوغ لذلك قط خلاف بقية الأوقاف الاهلية العامة التي لها صور مسوغة لبيعها وتبديلها بالأحسن، الي احكام وحدود اخري منتزعة من اعتبار الاضافة الي ملك الملوك،رب العالمين.

فاتخاذ مكة المكرمة حرماً آمناً، وتوجيه الخلق اليها، وحجهم اليها من كل فج عميق، وايجاب كل تلكم النسك. وجعل كل تلكم الأحكام حتي بالنسبة الي نبتها وأبّها، ان هي الا آثار الاضافة، ومقررات تحقق ذلك الاعتبار. واختيار الله اياها من بين الأراضي.

وكذلك عدّ المدينة المنورة حرماً إلهياً محترماً. وجعل كل تلكم الحرمات الواردة في السنة الشريفة لها وفي أهلها






وتربتها ومن حل بها ومن دفن فيها، انما هي لاعتبار ما فيها من الاضافة والنسبة الي الله تعالي، وكونها عاصمة عرش نبيه الأعظم صاحب الرسالة الخاتمة صلي الله عليه وآله وسلم.

وهذا الاعتبار وقانون الاضافة كما لا يخص بالشرع فحسب، بل هو أمر طبيعي أقّر الاسلام الجري عليه، كذلك لا ينحصر هو بمفاضلة الأراضي، وانما هو اصل مطرد في باب المفاضلة في مواضيعها العامة من الانبياء والرسل والأوصياء، والأولياء، والصديقين، والشهداء، وأفراد المؤمنين وأصنافهم، الي كل ما يتصور له فضل علي غيره لدي الاسلام المقدس. بل هذا الأصل هو محور دائرة الوجود، وبه قوام كل شيء، واليه تنتهي الرغبات في الامور، ومنه تتولد الصلات والمحبات، والعلائق والروابط لعّدة عوامل البغض والعداء والشحناء والضغائن.

وهو اصل خلاف وشقاق ونفاق، كما انه أساس كل وحدة واتحاد وتسالم ووئام وسلام. وعليه تبني سروح الكليات، وتتمهد المعاهد الاجتماعية، وفي اثره تشكل






الدول، وتختلف الحكومات، وتحدث المنافسات والمشاغبات والتنازع والتلاكم والمعارك والحروب الدامية، وعلي ضوئه تتحزب الشعوب والقبائل، وتتكثر الأحزاب والجمعيات، وبالنظر اليه تؤسس المؤسسات في امور الدين والدنيا، وتتمركز المتجمعات الدينية، والعلمية والاجتماعية، والشعوبية، والقومية، والطائفية، والحزبية، والسياسية، الي كل قبض وبسط، وحركة وسكون، ووحدة وتفكك، واقتران وافتراق.

فالحكومة العالمية العامة القوية القهارة الجبارة الحاكمة علي الجامعة البشرية بأسرها من أول يومها وهلم جراً الي آخر الأبد، من دون شذوذ لأي أحد وخروج فرد عن سلطتها، ومن دون اختصاص بيوم، دون يوم، انما هي حكومة «ياء النسبة» بها قوام الدين والدنيا، واليها تنتهي سلسلة النظم الانسانية، وقانون الاجتماع العام، وشؤون الافراد البشري.

والبشر مع تكثر افراده علي بكرة ابيهم مسير بها، مقهور تحت نير سلطتها، مصفد بحبالها، مقيد في شراكها،






لا مهرب له منها، هي التي تحكم وتفتق، وتنقض وتبرم، وترفع وتخفض، وتصل وتقطع، وتقرب وتبعد، وتأخذ وتعطي، وتعز وتذل،وتثيب وتعاقب، وتحقر وتعظم.

هي التي تجعل الجندي المجهول مكرماً، معظماً، محترماً، وتراه أهلاً لكل اكبار وتجليل وتجيل، لدي الشعب وحكومته، وتنثر الأوراد والأزهار علي تربته ومقبره، وتدعه يذكر مع الأبد، خالداً ذكره في صفحة التاريخ.

هي التي تهون لديها الكوارث والنوازل، وبمقاييسها يقاسي الانسان الشدائد والقوارع والمصائب الهائلة، ويبذل النفس والنفيس دونها.

هي التي جعلت رسول الله صلي الله عليه وآله يقبل الصحابي العظيم عثمان بن مظعون وهو ميت، ودموعه تسيل علي خديه كما جاء عن السيدة عائشة [4] .






هي التي دعت النبي صلي الله عليه وآله الي أن يبكي علي ولده الحسين السبط، ويقيم كل تلكم المآتم ويأخذ تربة كربلاء ويشمها ويقبلها، الي آخر ما سمعت من حديثه.

هي التي جعلت السيدة ام سلمة ام المؤمنين تصر تربة كربلاء علي ثيابها.

هي التي سوغت للصديقة فاطمة ان تأخذ تربة قبر ابيها الطاهر وتشمّها.

هي التي حكمت علي بني ضبة يوم الجمل أن تجمع بعرة جمل عايشة ام المؤمنين وتفتها وتشمها كما ذكره الطبري.

هي التي جعلت علياً امير المؤمنين عليه السلام أخذ قبضة من تربة كربلاء لما حلّ بها فشمها وبكي حتي بلّ الأرض بدموعه، وهو يقول: يحشر من هذا الظهر سبعون الفاً يدخلون الجنة بغير حساب. أخرجه الطبراني وقال الهيثمي في المجمع: 9 :191 رجاله ثقات.

هي التي جعلت رجل بني اسد يشم تربة الحسين ويبكي قال هشام ابن محمد: لما اجري الماء علي قبره الحسين نضب






بعد اربعين يوماً وامتحي اثر القبر، فجاء اعرابي من بني اسد فجعل يأخذ قبضة قبضة من التراب ويشمه حتي وقع علي الحسين فبكي وقال: بأبي وامي ما كان اطيبك حياً واطيب تربتك ميتاً، ثم بكي وأنشأ يقول:



أرادوا ليخفوا قبره عن عداوة

وطيب تراب القبر دلّ علي القبر



راجع تاريخ ابن عساكر: 4 :342، كفاية الحافظ الكنجي:293.

فالفرد البشري كائناً من كان، أينما كان وحيثما كان، من أي عنصر وشاكلة علي تكثر شواكله، واختلاف عناصره، في جميع أدوار الحياة هو أسير تلك الحكومة، ورهين لفظة:

روحي، بدني، مالي، اهلي، ولدي، أقاربي، رحمي، اسرتي، تجارتي، نحلتي، ملتي، طائفتي، مبدئي، داري، ملكي، حكومتي، قادتي، سادتي، الي ما لا يحصي من المضاف المنسوب اليه.






وهذه هي حرفياً بصورة الجمع الاضافي مأكلة بين شدقي الحكومات والدول، والجمعيات، والهيئات، والأحياء، والشعوب، والقبائل، والأحزاب والملل، والنحل، والملوك، والطوائف، والسلطات الحاكمة الي كليات لا تتناهي.

وبمجرد تمامية النسبة وتحقق الاضافة في شيء جزئي أو كلي، أو أمر فردي أو اجتماعي. لدي اولئك المذكورين تترتب آثار، وتتسجل احكام لا منتدح لأي احد من الخضوع لها والاخبات اليها، والقيام دونها، والتقيد بها.

وهذا بحث جدّ ناجع تنحل به مشكلات المجتمع في المبادئ والآراء والمعتقدات. وعقود الضغينة والمحبة، وعويصات المذاهب. ومقررات الشرع الأقدس. وفلسفة مقربات الدين الحنيف، ومقدسات الاسلام وشعائره. والحرمات والمقامات والكرامات.

فبعد هذا البيان الضافي يتضح لدي الباحث النابه الحر سر فضيلة تربة كربلاء المقدسة، ومبلغ انتسابها الي الله سبحانه وتعالي، ومدي حرمتها وحرمة صاحبها دنواً






واقراباً من العلي الأعلي، فما ظنك بحرمة تربة هي مثوي قتيل الله، وقائد جنده الاكبر المتفاني دونه، هي مثوي حبيبه وابن حبيبه، والداعي اليه، والدال عليه، والناهض له، والباذل دون سبيله اهله ونفسه ونفيسه، والواضع دم مهجته في كفه تجاه اعلاء كلمته، ونشر توحيده، وتحكيم معالمه، وتوطيد طريقه وسبيله.

فأي من ملوك الدنيا ومن عواهل البلاد من لدن آدم وهلم جرا عنده قائد ناهض طاهر كريم وفيّ صادق أبيّ شريف عزيز مثل قائد شهداء الاخلاص بالطف: الحسين المفدي؟

لماذا لا يباهي به الله، وكيف لا يتحفظ علي دمه لديه، ولا يدع قطرة منه أن تنزل الي الأرض لما رفعه الحسين بيديه الي السماء [5] .






كيف لا يديم ذكره في أرضه وسمائه، وقد اتخذت محبة الله بمجاميع قلبه؟

وكيف لا يسود وجه الدنيا في عاشورائه؟ ولا يبدي بينات سخطه وغضبه يوم قتله في صفحة الوجود؟ ولماذا لم تبك عليه الأرض والسماء؟ كما جاء عن ابن سيرين فيما اخرجه جمع من الحفاظ. ولماذا لم تمطر السماء يوم قتله دماً؟ كما جاء حديثه متواتراً.

ولماذا لم يبعث الله رسله من الملائكة المقربين الي نبيه صلي الله عليه وآله بتربة كربلائه؟ ولماذا لم يشمها رسول الله صلي الله عليه وآله ولم يقبلها ولم يذكرها طيلة حياتة؟ ولماذا لم يتخذها بلسماً في بيته؟

فهلم معي أيها المسلم الصحيح، أفليست السجدة علي تربة هذا شأنها لدي التقرب الي الله في أوقات الصلوات، اطراف الليل والنهار، أولي وأحري من غيرها من كل ارض وصعيد وقاعة وقرارة طاهرة، أو من البسط والفرش والسجاد المنسوجة علي نول هويات مجهولة؟ ولم يوجد في السنة أي مسوغ للسجود عليها.






أليس أجدر بالتقرب الي الله، وأقرب بالزلفي لديه، وأنسب بالخصوع والخشوع والعبودية له تعالي أمام حضرته، وضع صفح الوجه والجباه علي تربة في طيها دروس الدفاع عن الله، ومظاهر قدسه، ومجلي التحامي عن ناموسه ناموس الاسلام المقدس؟

أليس أليق بأسرار السجدة علي الارض السجود علي تربة فيها سر المنعة والعظمة والكبرياء والجلال لله جل وعلا، ورموز العبودية والتصاغر دون الله بأجلي مظاهرها وسماتها؟

أليس أحق بالسجود تربة فيها بينات التوحيد والتفاني دونه؟ تدعو الي رقة القلب، ورحمة الضمير والشفقة والتعطف.

أليس الأمثل والأفضل اتخاد المسجد من تربة تفجرت في صفيحها عيون دماء اصطبغت بصبغة حب الله، وصيغت علي سنة اللة وولائه المحض الخالص؟

فعلي هذين الاصلين نتخذ نحن من تربة كربلاء قطعاً لمعاً وأقراصاً نسجد عليها كما كان فقيه السلف مسروق بن الأجدع يحمل معه لبنة من تربة المدينة المنورة يسجد عليها






والرجل تلميذ الخلافة الراشدة، فقيه المدينة ومعلم السنة بها، وحاشاه من البدعة، ففي أي من الأصلين حزازة وتسعف؟ وأي منهما يضاد نداء القرآن الكريم؟ أو يخالف سنة الله وسنة رسوله صلي الله عليه وآله؟ وأيهما يستنكر ويعد بدعة؟ وأيهما خروج عن حكم العقل والمنطق والاعتبار؟

وليس اتخاذ تربة كربلاء مسجداً لدي الشيعة من الفرض المحتم، ولا من واجب الشرع والدين، ولا مما الزمه المذهب، ولايفرق أي أحد منهم منذ اول يومها بينها وبين غيرها من تراب جميع الأرض في جواز السجود عليها‎، خلاف ما يزعمه الجاهل بهم وبآرائهم. وان هو عندهم الا استحسان عقلي ليس الا، واختيار لما هو الأولي بالسجود لدي العقل والمنطق والاعتبار فحسب كما سمعت. وكثير من رجال المذهب يتخذون معهم في اسفارهم غير تربة كربلاء مما يصح السجود عليه كحصير طاهر نظيف يوثق بطهارته أو خمرة مثله ويسجدون عليه في صلواتهم.

ونحن نري ان الأخذ بهذين الأصلين القويمين، والنظر






الي رعاية أمري الحيطة والحرمة ومراقبتهما، يحتم علي اهالي الحرمين الشريفين: مكة والمدينة، واللائذين بجنابهما، والقاطنين في ساحتهما أن يتخذوا من تربتهما أقراصاً وألواحاً مسجداً لهم، أخذاً بالاصلين وتخلصاً من حرارة حصاة المسجد الشريف القارصة أيام الظهائر وشدة الرمضاء، يسجدون عليها في حضرهم، ويحملونها معهم مسجداً طاهراً مباركاً في اسفارهم سيرة السلف الصالح نظراء الفقيه مسروق ابن الأجدع كما سمعت حديثه، ويجعلونها في تناول يد الزائرين والحجاج والوافدين الي تلكم الديار المقدسة من الحواضر الاسلامية، تقتنيها الامة المسلمة مسجداً لها، في الحضر والسفر، وتتخذها تذكرة وذكري لله ولرسوله ولمهابط وحيه، تذكرها ربها ونبيها متي ما ينظر اليها، وتشمها وتستشم منها عرف التوحيد والنبوة، وتكون نبراساً في بيوت المسلمين تتنور منها القلوب، وتستضيء بنورها افئدة اولي الألباب، ويتقرب المسلمون الي الله تعالي في كل صقع وناحية في أرجاء العالم بالسجود علي تربة أفضل بقعة اختارها الله لنفسه بيت أمن ودار حرمة وعظمة وكرامة، ولنبيه حرماً ومضجعاً مباركاً.






وفيها وراء هذه كلها دعاية كبيرة قوية عالمية الي الاسلام، والي كعبة عبادته وعاصمة سنته، وصاحب رسالته، ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه.

عبدالحسين الأميني


پاورقي


[1] الاتحاف بحب الاشراف لمؤلفه الشيخ عبدالله الشبراوي الشافعي: 5.

[2] الإتحاف بحب الأشراف: 5.

[3] سورة النساء آية: 94.

[4] صحيح البخاري: 1 :60.

[5] موطأ الإمام مالك: 1 :157 صححه وأخرج أحاديثه محمد فؤاد عبدالباقي.

[6] الأبل.

[7] الترغيب والترهيب 1 :581 حققه محمد محيي الدين عبدالحميد.

[8] عمدة القاري شرح صحيح البخاري: 4 :108.

[9] الخصائص الكبري لمؤلفه جلال الدين السيوطي: 3 :362 تحقيق الدكتور محمد خليل هراس.

[10] الشيعة في عقائدهم وأحكامهم لمؤلفه السيد أمير محمد القزويني: 7.

[11] الذخائر القدسية في زيارة خير البرية لمؤلفه عبدالحميد بن محمد اقدس بن الخطيب المدرس بالجامع الحرام بمكة: 112.

[12] نفس المصدر: 18.

[13] يقول السيد محمد تقي الحكيم في كتابه الاصول العامة للفقه المقارن 164. (وهذا الحديث يكاد يكون متواتراً بل هو متواتر فعلاً اذا لوحظ مجموع رواته من الشيعة والسنة في مختلف الطبقات) الي أن يقول وحسب الحديث لان يكون موضع اعتماد الباحثين ان يكون من رواته كل من صحيح مسلم وسنن الدارمي وخصائص النسائي، وسنن أبي داود وابن ماجة ومسند احمد ومستدرك الحاكم، وذخائر الطبري وحلية الاولياء وكنز العمال وغيرها، وان تعني بروايته كتب المفسرين امثال الرازي والثعلبي والنيسابوري والخازن وابن كثير وغيرهم، بالإضافة الي الكثير من كتب التاريخ واللغة والسير والتراجم.

[14] مستمسك العروة الوثقي للسيد محسن الحكيم قدس سره: 5 :338.

[15] نفس المصدر السابق.

[16] فقه السنة سيد سابق: ج1.

[17] ارشاد الساري شرح صحيح البخاري: 1 :204 ـ 205.


[1] الفحل بمعني الخمرة.

[2] صحيح البخاري: 1 :86، 113، صحيح مسلم: 2: 64، صحيح النسائي: 2 :32، صحيح ابي داود:1 :79، صحيح الترمذي: 2 :114، السنن الكبري: 2: 433، 435.

[3] صحيح النسائي: 2 :32.

[4] صحيح البخاري: 1 :173، 198، 2 :253، 254، 256، 258، 259، سنن ابي داود: 1 :143، 144، السنن الكبري: 2 :104.

[5] أخرجه البزار والطبراني راجع مجمع الزوايد: 83، 84.

[6] من قال يقيل قيلولة. نام في القائلة: أي منتصف النهار.

[7] واخرجه ابن ماجة في السنن: 1 :321، والترمذي في جامعه: 2 :127 وليس فيها: يسجد عليه.

[8] في لفظ ابن ماجة: لم يقدر.

[9] البخاري: 1 :101، مسلم: 2 :109، ابن ماجة: 1 :321، ابو داود: 1 :106، سنن الدارمي: 1 :308، مسند احمد: 1 :100، السنن الكبري: 2 :10 ونيل الأوطار:2 :268.

[10] أخرجه ابو يعلي. والطبراني في الكبير.

[11] سنن ابن ماجة: 1 :321، السنن الكبري: 2 :108، نصب الراية: 1 :386، نيل الأوطار: 2 :269، 275.

[12] اخرجه الطبراني في الاوسط، والبيهقي:2 :436، وضعفه الهيثمي في المجمع: 2 :57، لمكان ابراهيم بن اسحاق الضبي في اسناده.

[13] واخرجه ابو داود: 1 :106، والبيهقي في السنن: 2 :420 بالاسناد المذكور.


[1] سنن ابن ماجة: 1 :252، ومسانيد وسنن اخري.

[2] سنن ابن ماجة: 1 :256 ومصادر أخري.

[3] مسروق بن الأجدع عبدالرحمن بن مالك الهمداني أبو عائشة المتوفي 62 تابعي عظيم من رجال الصحاح الست، يروي عن ابي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي. كان فقيهاً عابدا ثقة صالحاً، كان في أصحاب ابن مسعود الذين كانوا يعلمون الناس السنة، وقال حين حضره الموت كما جاء في طبقات ابن سعد: اللهم لا أموت علي امر لم يسنه رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر.

راجع تاريخ البخاري الكبير: 4 ق2: 35، طبقات ابن سعد: 6 :565، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 4 ق1: 396، تهذيب التهذيب: 10: 109 ـ 111.

[4] اخرجه ابو القاسم عبدالملك ابن بشران في اماليه، وابو الحسن علي بن الجعد الجوهري في الجزء العاشر من مسنده، والحاكم النيسابوري في المجلد الثالث من المستدرك. وحفاظ واعلام آخرون.

[5] أخرجه الحافظ الخطيب البغدادي باسناده، والحافظ ابن عساكر في تاريخ الشام: 4 :338 باسناده عن الخطيب، والحافظ الكنجي في الكفاية ص 284 عن الحسن المثني عن مسلم بن رياح مولي امير المؤمنين قال: كنت مع الحسين يوم قتل فرمي فادنيتها فلما امتلأ قال: اسكبه في يدي فسكبته في يديه فنفخ بهما الي السماء وقال: اللهم اطلب بدم ابن بنت نبيك قال مسلم: فما وقع الي الأرض منه قطرة. وقد جاء ان الحسين عليه السلام رمي بدم حنكه الي السماء لما اصابه السهم. واخرج حديثه جمع من الحفاظ.



عبدالحسين الاميني