بازگشت

الحسين رمز انساني



الحسين رمز انساني

الحسن والحسين مني.. من أحبهما أحببته،

ومن أبغضهما أبغضته.

صدقت يا سيدي يا رسول الله (صلي الله عليه وآله).. والإمام الحسين.. سيد الشهداء.. الشهيد ابن الشهيد أبو الشهداء.. هو رمز إنساني رفيع لمظلمة لازلنا نتجرع مرارتها كل يوم.. مظلمة استئساد الباطل والشر والقبح والكراهية والتجبر والكبر وكل المعاني الخبيثة والسيئة.. وسيرة الإمام عطر الأحباب، ونزهة الألباب، ومراد الأحباب.. وريح الجنة.. وحلم الإنسانية الجميل.. المنتظر دائماً..

الإمام لم يعد رمزاً للشيعة ولا حتي للمسلمين وحدهم، بل هو رمز إنساني رفيع.. للأسف لم يجد من يستلهمه فيكتب أدباً يخلد كاتبه قبل أن يخلد السبط الخالد...

الحسين رضوان الله عليه وسلامه.. كان وسيظل أجمل وأطيب وأنبل جملة اعتراضية في تاريخ الإنسانية.. وليس الإسلام فقط، ولم يكتسب الإمام ابن الإمام أبو الأئمة قدره من النسب الشريف فحسب، بل من ذاته الرفيعة التي رفضت الخنوع لسلاطين السوء.. الذين شوهوا الدين ومازال أحفادهم يفعلون.. وجعلوه قبلية وعصبية وبداوة وجلافة ووراثة ما أنزل الله بها من سلطان.. وإلا لكان الإمام علي أولي بها.. لكن الداهية اللعين وحده هو الذي فعلها.. والله المستعان.

وفي هذا الرابط موضوع كتبه أبو الأعلي المودودي عن ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، ونشرته جريدة النهار اللبنانية بتاريخ 5- 4 – 2001، وهو بعنوان (ما لا ينتبه إليه كثيرون في استشهاد الإمام الحسين)، قال فيه:


هدف الشهادة

يتظاهر عشرات الملايين من المسلمين شيعة وسنة في المحرم من كل عام ليظهروا غمهم وحزنهم علي استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه. لكن لم ينتبه منهم إلا أقل القليل ويا للأسف إلي الهدف الذي لم يبذل الإمام في سبيله روحه الغالية فحسب، بل ضحي حتي بأطفاله وعائلته. إن إظهار أهل البيت الحزن والأسي علي استشهاد أحدهم ظلماً وعدواناً، وكذلك حزن المتعاطفين والمؤيدين والمحبين لأهل هذا البيت، أمر فطري، فمثل هذا الحزن والأسي يظهر من جانب كل أسرة في العالم، ومن جانب المنتسبين إليها، ولا قيمة أخلاقية له أكثر من كونه نتيجة فطرية لحب هذا البيت، وحب المتعاطين معهم شخص هذا الشهيد وذاته.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: أي شيئ تميز به الإمام الحسين فجعل الحزن عليه يتجدد كل عام رغم مرور كل هذه القرون الطويلة؟ فإن لم تكن شهادته لهدف عظيم وقصد جليل فلا معني إذن لاستمرار الحزن عليه قروناً طويلة بدافع الحب لشخصه والانتساب له.

بل وأي وزن يمكن أن يكون لهذا الحب الشخصي - مجرد الحب- في عين الإمام نفسه؟

فإن كانت نفسه أعز عليه من هذا الهدف، فلماذا ضحي بها؟

إن تضحيته بنفسه دليل في ذاتها علي أن هذا الهدف كان أعز عليه من روحه.

ولهذا فنحن إن لم نسعَ في سبيل تحقيق هذا الهدف وظللنا نعمل خلافه، فمهما بكينا علي ذاته ولعنّا قاتليه، فلا أمل في أن يثني الإمام الحسين - نفسه - علينا، ويستحسن فعلنا هذا يوم القيامة، كما أنه لا أمل في أن يقيم ربه لبكائنا وحزننا هذا وزناً.

فعلينا الآن أن نري أي هدف استشهد في سبيله الإمام الحسين؟

هل كان يري نفسه أحق بالحكم فضحي بنفسه لأجله؟

إن من يعرف سيرة بيت الإمام الحسين وسمو أخلاقهم لا يمكن أن يظن حتي مجرد ظن أن هؤلاء كانوا يريقون دماء المسلمين من أجل الحصول علي السلطة والحكم لأنفسهم. ولو سلمنا جدلاً - ولو لقليل - برأي من يرون أن هذا البيت كان يدعي أحقيته بالحكم، فإن تاريخ خمسين عاماً منذ عهد أبي بكر إلي عهد معاوية شاهد علي أن القتال وإراقة الدماء للحصول علي السلطة لم يكن أبداً سبيل أهل هذا البيت ولا خصلتهم.

ومن ثم فلا محالة من التسليم بأن الإمام كان يري آثار تغيّر كبير في المجتمع المسلم آنذاك، وفي روح الدولة الإسلامية ومزاجها ونظامها، وأنه كان يعتبر ضرورة منع هذا التغير وإيقافه ولو اقتضي الأمر القتال ليست جائزة فحسب بل فرضاً مفروضاً.... إلي آخر بحث المودودي.. وقد تضمن عناوين:

تغير مزاج دستور الدولة وهدفه. نقطة الانحراف. بداية ملوكية البشر. تعطل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. المبادئ الأساسية للدستور الإسلامي. الانتخاب الحر. نظام الشوري. حرية التعبير عن الرأي. المسؤولية أمام الله والناس. بيت المال... أمانة. سيادة القانون وحكومته. المساواة التامة في الحقوق والمراتب.

وختم المودودي مقالته بقوله تحت عنوان (الإمام الحسين وسلوكه الإيماني)، فقال:

كانت هذه هي التغيرات التي ظهرت بانقلاب الخلافة الإسلامية ملكاً عضوضاً.

ولا يستطيع أحد أن ينكر أن ولاية عهد يزيد كانت بداية هذه التغيرات. ومع أن هذه المفاسد لم تكن قد ظهرت بتمامها وكمالها حين اتخذت هذه الخطوة: ولاية عهد يزيد، إلا أن كل صاحب بصيرة كان بوسعه أن يعرف أن هذه المفاسد كلها نتائج حتمية لهذه الخطوة، وأنها ستقضي علي جميع الإصلاحات التي أوجدها الإسلام وجاء بها في نظام السياسة والدولة.

لهذا لم يستطع الإمام الحسين علي ذلك صبراً، وقرر أن يتحمل أسوأ النتائج التي قد تنتج من جراء الثورة علي حكومة راسخة مستتبة، ويخاطر بمحاولة وقف هذا التبديل..

أما مصير هذه المحاولة، فالجميع يعرفونه، لكن الإمام بنزوله إلي هذا الخطر العظيم وتحمل نتائج هذه السلوك الرجولي المؤمن، أثبت أن الخصائص الأساس للدولة الإسلامية هي رأس مال الأمة الإسلامية الذي إن ضحّي المؤمن برقبته وأسرته وأهله وعياله في سبيل الحفاظ عليه، لا يكون قد عقد صفقة خاسرة. وأن المؤمن إذا ضحّي بكل ما يملك في سبيل وقف التغيّرات التي ذكرناها آنفاً، وهي الآفة العظمي للدين والملّة، فلا ينبغي له أن يأسف علي ذلك قط. وليستحقر هذا من شاء، وليسمّه عملاً سياسياً، لكنه كان في عين الحسين بن علي عملاً دينياً خالصاً، ولهذا اعتبر التضحية بالروح من أجله شهادة، فاسترخص روحه وضحي بها في سبيله.


پاورقي